السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

عبادات مختلفة وإله واحد

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
دعنى أولًا عزيزى القارئ أصدمك بحقيقة، أنه ليس هنالك من يعبدون البقر أصلًا، البقرة مجرد رمز للأرض الأم المقدسة كما عرفها البشر البدائيون، لأنها تخرج لهم شتّى أنواع الحياة، ومن هُنا أتت فكرة التقديس المبالغ فيه للبقرة كرمز ديني، لا لكونها إلهًا فى ذاتها.
لا يمكنك أن تسخر من أناس ولدوا على غير دين لأنك تراه ساذجًا، بينما أنت لم تفكر يومًا فى البحث حتّى من باب الفضول لتعرف أكثر عن أديان العالم، كما تطلب منهم أن يفعلوا، لا يمكنك أن تهزأ بمن تعتقد أنهم يعبدون البقر، بينما أنت تعيش فى عالم، يُعبد فيه البشر، ويُسجن فيه من نقد أو راجع كلام بعضهم.
أكبر غلطة يقع فيها الناس فى عالمنا العربي، هو جهلهم بكل ديانات العالم؛ ظنًّا منهم أن الله لم يصل لغيرهم، ولكن فى حقيقة الأمر تلك الفطرة التى فطر عليها قلب الإنسان، تجمع جميع الناس فى عبادة هذا الإله الواحد، ولكن كلٌّ بطريقته، بينما نكره نحن بعضنا البعض على تعدد الطرق التى نتبعها للوصول لله، ألم يكن ذلك هو الهدف أصلًا من خلقنا قبل الأديان التى نعرفها الآن بكثير؟ فالكتابات المقدسة لدى الهندوس تعود لعام ١٦٠٠ قبل ميلاد المسيح، ورغم أنهم يملكون ما يقرب من ٣٣٠ مليون إله، إلا أن لهم جميعًا إلهًا واحدًا يسمى البراهاما، وله ثلاث صفات هي: براهما أى الخالق، فينشو أى الحافظ، شيفا أى المهلك. ورغم تعدد المدارس لدى الهندوس، إلا أن الأربع المعروفة كلها، لا تناقض الأديان التوحيدية، ففيها من يؤمن بأن الله والطبيعة شيء واحد، وفيها من يؤمن بأن الله شيء منفصل عن الطبيعة، وفيها أن الطبيعة جزء من الله، وفيها أن هناك إلهًا واحدًا أحدًا خالقا كل شيء! ذكرت كارين آرم سترونج فى كتابها، الله والإنسان، مقولة مأخوذة من الهندوسية تقول «الله يأتى إلى فكر أولئك الذين يعرفونه وراء الفكر ولا يأتى للذين يتخيلون أن بالإمكان إدراكه عن طريق الفكر، إنه غير معروف للعارفين ومعروف لدى البسطاء، إنه معروف فى نشوة يقظة، تفتح باب الحياة الأبدية. هو الجوهر الكامن فى ذات الكون كله، الله هو ما لا يمكن وصفه فى كلمات، لكنه مصدر نطق الكلمات، إنه ما لا يمكن للعقل أن يفكر به، بل حيث يستطيع العقل أن يفكر».
إن القلب إذا عمل عرف الله، والعقل أيضًا مطلوب وبشدة لأن بدونه نبتعد عن الله كثيرًا؛ ظانين أنفسنا نقترب إليه أكثر، بوضع على عقولنا أقفالها؛ خشية أن تجعلنا ملحدين، فقد قال أينشتين: «من يعمل بشكل جدى فى المجال العلمى يصل إلى الاقتناع بأن قوانين الكون كافة تثبت وجود روح أكبر بكثير من روح الإنسان، علينا جميعًا الشعور أمامه بالصغر». بينما الملحدون يظنون أنفسهم علماء، لأنهم ألحقوا وبسرعة بتيار قوى فارغ، وفى الحقيقة هم لا يعرفون عن العلم سوى ما يقرأون للعلماء الملحدين، وكأنهم بذلك أصبحوا جزءًا لا يتجزأ من العلم الحديث، عوضًا عن أن يقوموا من أمام حواسيبهم ليفعلوا شيئًا مفيدًا للبشرية بحق، ويتفكرون فى الكون بحق بدلًا من ملاحقة المؤمنين باتهامات نقصان عقولهم وهم فى الحقيقة أنقصُ!
حاول أن تحب الناس قبل أن تعرف دياناتهم فى شهادات ميلادهم، فهم منك قبل أن يكونوا من هذا الدين، وإذا عرفت، لا تتوقع أن الديانات تحمل عقليات متشابهة، فرجل مسلم، ألحد فى سره، ورجل مسيحى أسلم فى سره، لهو احتمال وارد معظم الوقت، ولامرأة منتقبة تكره شكلها وتتمنى لو أنها تستطيع السفر لبلاد لا يغصبون عليها لباسًا محددًا لترقص وتعيش كما تريد، ولامرأة ليست بمحجبة تكره وضعها وتدعو الله فى كل صلاة أن ييسر لها من ذلك.. «بغض النظر عمن يبدو لك أصح من الآخر فى الأربع حالات وما شابهها؛ لأن ما ستراه خاطئًا سيراه غيرك الحق المبين».
الأديان وطرق الملبس كلها وراثية مفروضة، أما الحكم على الإنسان من الإنسان، يجب أن يكون إنسانيًّا من الدرجة الأولى؛ لأننا جميعًا لا نختلف عن بعضنا البعض البتة. الأفكار التى تدور فى عقولنا، ونبنى عليها استنتاجاتنا الخاصة، هى كل ما نحن، هى هويتنا وإن خفيت. لا أنكر أن الحكم من الظاهر أيسر؛ لأن ٩٩٪ من المنتمين بالوراثة لأى شيء موالون له بالضرورة. ولكن وجود الاستثنائيين حقيقة تستحق أن تؤخذ بعين الاعتبار، فأنت لن تعرف إلى جانب من تجلس، وإن كان أقرب الناس إليك، إلا إذا كنت متفتحًا بما يكفى لتشعره بالطمأنينة، التى تسمح له بأن يفتح لك باب عالمه الخفى المحظور ممن حوله، إذا ما فتح عقله كالكتاب، الذى قد يحتوى على ما لا يستطيعون هم حتى تخيل أنه كان يعيش يومًا فى وسطهم.