السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

تأملات بريئة في عالم لا براءة فيه

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فذلكة
قد يكون لستيفن هاوكينغ دور كبير فى شيء ما فى هذا العالم... وقد يكون لموت فراشة جميلة لم تعمر طويلا مثل ريم البنا وقع شديد على القلوب فى هذه الأيام، إلا أننى أكثر انشغالا بمصير الموتى الذين هم نحن فى هذه الزاوية من العالم.. العالم العربي.. وأخشى أنه قريبا يأتى جيل جديد لن يفهم جيدا معنى تعبير «العالم العربي».. فالعالم يتغير بسرعة والسرعة نفسها تتغير بسرعة مذهلة... العالم العربى زاوية تعانى من قهر السياسة والإدارة والتاريخ والثقافة والتقاليد والتدين السطحى الاستعراضى السخيف والتعود على الشقاء وقبول التفرقة بين الناس كأنها قدر محتوم أو حتمية تاريخية تأتينا من الكتب والتلفزيون والشارع...
العالم العربى نفسه الذى علق بشكل واسع على مواقع التواصل الاجتماعى بعدم جواز تمنى الرحمة لهاوكينغ الذى لم يكن مؤمنا بالله والذى لا يستوجب رحمة الله نتيجة لذلك.
تنويعات
أكتب هذه الحروف مستمعا إلى دعوة إلى حركة احتجاجية يحركها أحد زعماء المعارضة فى فرنسا (جون لوك ميلونشون)، ومفكرا فى جهاز القضاء الذى احتجز الرئيس الفرنسى الأسبق نيكولا ساركوزى قيد التحقيق بتهمة التلاعب بالمال العام والتمويل غير القانونى لحملته الانتخابية (أموال ليبية)... وعلى الضفة الأخرى أفكر فى إمكانية أن نرى على قنواتنا التليفزيونية مسئولا كبيرا يحاكم أو يقدم للقضاء (علما أن أحد أكبر مسئولى الأمن فى الجزائر قد رمى بالرصاص نظيره فى مكتب هو مكة للأمن: المديرية العامة للأمن منذ عامين أو ثلاثة، فتعاملت القنوات الجزائرية الديمقراطية الشعبية التى تتغذى من دم الشهداء مع الحدث كأنه حادث سير مما نراه يوميا ولا نكاد نلتفت إليه)... وأفكر فى فيزياء ما وراء المادة وطبيعة الثقوب السوداء التى شغلت الذهن الثاقب لستيفن هاوكينغ... مع طرح أسئلة ثلاثة لا براءة فيها:
* ما الطبيعة الفيزيائية للنقاش الحاد حول موقع تماثيل النساء العاريات الذى جاء به السلفيون منذ ربع قرن من التواجد الخطير فى الشارع العربي؟
* من أى مادة صنعت قلوب الليبيين الذين قتلوا ويقتلون يوميا بسبب صلات القذافى ومشتقاته بساركوزى ومشتقاته؟
* من سيفكر فى الثقب الأسود الذى يصر على وضعنا فيه البرلمانيون والإعلاميون الفاسدون والمسئولون المأجورون الذين يستدرجوننا عبر عناوين الجرائد والأخبار المرئية صباحا ومساء فتجعلنا غارقين فى وحل التفكير المجدى فى قضايا سخيفة لا شيء فيها طارئ رغم حالة الطوارئ التى تغلفها: لغة الشارع/اللغة العربية- مع/ضد حزب ما ضد حزب آخر - غلق/فتح الحانات- الإسلام فى أوروبا- البطولة الأوروبية لكرة القدم- برشلونة/مدريد- شراء/عدم شراء حقوق كأس العالم - مع/ضد منال؛ المغنية السورية الفرنسية - ديني/علماني- مسلم/كافر- مع شارلي/ضد شارلي-... الخ الخ.. الغالب ونحن نكتب هو أن نحاول اختراق اللحظة التى تكتبنا لأنها تهيمن على الكلمات والمعانى وعلى وجهات النظر لكى نبلغ نقطة نحاول استنتاجها أو التنبؤ بها؛ أقصد نقطة الفصل بين ما هو عابر فيما نكتبه وما هو أساسى مما سيكتب له البقاء... وليست السياسة ببعيدة عن هذا الهاجس الكتابي، فليت السياسة المسكينة تملك قدرة الخيال العلمى الذى يعمل بطريقة استباقية فيركب مركب التخييل لينتقل إلى المستقبل فيرى ما هو ضرورى بقاؤه ويعلم مباشرة ما هو زائد عن حاجات الحاضر مما سيطرحه المستقبل.
أحد الحلول الناجعة لحالات صعوبة التفكير أو الكتابة هى اللجوء إلى الموسيقى. ما الحل السياسى الذى تطرحه علينا الموسيقى؟... يشير إدوارد سعيد إلى استعانته الدائمة بالعزف للتفكير أو لتنظيم أفكاره... وهو الحل نفسه الذى يصفه «آرثر كونان دويل» لبطله المحقق النابغة «شيرلوك هولمز» حينما يصل إلى مأزق بلا حل؛ فهو غالبا ما يغرق لساعات طويلة فى العزف على الكمان إلى أن تنبلج فى ذهنه فكرة ما...
زبدة القول
أكتب هذه التأملات مستمعا إلى مقطوعة شهيرة من الموسيقى الكلاسيكية: «الشبوط» لفرانز شوبرت، وهى مقطوعة معقدة تدور حول قصة صياد يعجز عن الإمساك بسمكة شبوط فيخلط الماء ويعكره لكى يصبح الشبوط عاجزا عن الرؤية، ولكن الذى يعجز فى النهاية عن الرؤية وعن الصيد هو الصياد نفسه...
أليست هذه الحكاية هى الحكاية كلها؟