الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

منابر مصر مهددة بالضياع.. قرار بنقل مقتنيات المساجد للمخازن.. والبدائل "فالصو".. "ملف"

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
وضعت وزارة الآثار خطة لنقل 55 منبرًا أثريًا إلى مخازنها، بعد صدور القرار رقم 110 بتاريخ 20 أبريل 2018، من مجلس الوزراء، والذى يقضى بتفكيك المنابر والمقتنيات الإسلامية الموجودة بالمساجد التاريخية حفاظًا عليها، مع إلزام وزارة الآثار باستنساخ بدائل للمنابر.
وقوبل الأمر بمعارضة شديدة من جانب متخصصين وأثريين، خشية أن تتعرض المنابر للسرقة من مخازن «الآثار»، لغياب كاميرات المراقبة وضعف إجراءات الأمن.
وقبل أيام، نظرت محكمة القضاء الإداري، أولى جلسات الدعوى التى أقامها مركز «ابن أيوب» للدفاع عن الحقوق والحريات، والتى تطالب بوقف فورى لتنفيذ قرار رئيس مجلس الوزراء، بتفكيك المنابر والمقتنيات الإسلامية الموجودة بالمساجد التاريخية.



القرار «110».. تدمير رسمى للتراث الإسلامى
على مدى السنوات الماضية، تعرضت الآثار المصرية لنزيف حاد من السرقات والنهب، منها ما هو رسمى عن طريق قوانين أتاحت للبعثات الأجنبية تملك قطع أثرية مصرية، ومنها ما هو غير رسمى عن طريق عصابات التهريب التى استنزفت ثروات مصر التاريخية، الأمر الذى تجلى فى إعلان قطاع الآثار المصرية بوزارة الآثار، عن فقد ٣٢ ألفا و٦٣٨ قطعة أثرية من مخازن الوزارة على مدار أكثر من ٥٠ سنة مضت.
ورفضت الدكتورة جليلة القاضي، أستاذ التخطيط العمراني، القرار ١١٠، وتقول، إن قضية نقل المنابر، ونهب وإخفاء وطمس وتدمير وبيع تراث مصر ستظل القضية الأساسية.
ولفتت خبيرة التخطيط إلى أن الحملة المناهضة فى طريقها للعمل بشكل قانونى من أجل وقف القرار ١١٠ برفع دعوى قضائية، وتحفيز الدفاع عن التراث الأثرى من خلال حملات لقيادات المجتمع المدني، ونشر الحقائق حول القضية.


فيما طالب على أيوب، المحامى والناشط الحقوقي، فى دعوى قضائية مستعجلة أمام محكمة القضاء الإداري، ببطلان قرار مجلس الوزراء بتفكيك المنابر والمقتنيات الإسلامية الموجودة فى المساجد الأثرية والتاريخية.
وطالبت الدعوى بإعادة منبر مسجد أبو بكر بن مزهر، مع تكليف الجهة الإدارية بطلب حراسة من الجيش والشرطة على جميع المساجد الأثرية، وتركيب كاميرات مراقبة بها، تعمل على مدار ٢٤ ساعة. واختصمت الدعوى كل من رئيس مجلس الوزراء، ووزيرى الآثار والأوقاف، ومساعد وزير الآثار، ورئيس قطاع الآثار الإسلامية والقبطية، ورئيس المجلس الأعلى للآثار بصفتهم القانونية.
وقال «أيوب» فى دعواه إن حفظ وتشوين المنابر فى مخازن غير مؤهلة يضر بالتراث الإسلامي، وأن القرار ١١٠ لسنة ٢٠١٨ المعيب، بمثابة هروب من الواقع والمسئولية، وهو خطأ فادح، لأن هذه المنابر قائمة منذ مئات السنوات ولم يستطع أحد تفكيكها. وأوضح أيوب، أن دوافعه لإقامة الدعوى، تمثلت فى أن القرار الصادر من رئيس الوزراء هو قرار فى الأساس يدخل ضمن اختصاصات وزير الآثار وليس رئيس الوزراء، فالمساجد والمنابر الأثرية تتوزع السلطة عليها بين وزارة الأوقاف ووزارة الآثار، ومع كل أزمة تتبادل الوزارتان الاتهامات بالتقصير وترميان بالمسئولية على بعضهما البعض. وأكد أيوب أن الأخطر من ذلك، أن وزارة الآثار أزالت كاميرات المراقبة من العديد من الأماكن الأثرية، الأمر الذى ينذر بكارثة كبرى، لافتا إلى أن العديد من الأماكن الأثرية الإسلامية تحت الإنشاء منذ ٣ أو ٤ سنوات، وتمت إزالة كاميرات المراقبة من على هذه الأماكن بقرار من المجلس الأعلى للآثار، وكذلك بعض مخازن الوزارة وبعض المتاحف الأثرية.
ولفت المحامى إلى أن المنبر الأول الذى تم تفكيكه «أبو بكر مزهر»، تبلغ قيمته ما يزيد على ٤٠ مليون جنيه، ووفقا للقرار كان من المفترض أن يتم نقله إلى متحف الحضارة، إلا أنه تم نقله إلى متحف الفن الإسلامي، فى حين أن المخزن الوحيد القادر على تخزين المساجد الأثرية بعد تفكيكها، هو مخزن القلعة، ولكنه يعانى الإهمال، الأمر الذى تجلى فى انتشار الثعابين والفئران واستحالة تخزين الآثار فيه، كما أن تفكيك المنابر أمر صعب للغاية فى وجود نجارين غير مؤهلين للتعامل مع القطع الأثرية الخشبية فى المنابر، والتى تحتاج لنجارين على خبرة ودراية.
ضياع الهدف 
تابع «أيوب»: الأمر الأخطر فى الموضوع، هو اعتزام وزارة الآثار استنساخ المنابر، ووضع النسخ محل المنابر الأصلية، الأمر الذى يثير القلق والمخاوف حول مصير هذه المنابر والهدف وراء تفكيكها، وتفكيكها بأى حال من الأحوال يمهد للإهمال والتلف والسرقات فى ظل انعدام كاميرات المراقبة، وتضيع القمة الأثرية للأبواب والمنابر، وسرقتها على غرار أبواب مساجد المعز لدين الله الفاطمي.
وتابع: «طالبت بوقف تنفيذ قرار رئيس الوزراء مع وضع كاميرات وحرس من الشرطة والجيش لتأمين المناطق الأثرية».
وأضاف «أيوب» أن حجج الحكومة حول نقل المنابر غير مبررة، وأن اتهام أهالى المناطق الشعبية بالسعى لسرقة المناطق الأثرية أزمة كبرى، مشددا على أن أهالى المناطق الشعبية ليسوا لصوصا، بل هم أكثر حرصا على المحافظة على آثار وتاريخ البلد، لافتا إلى أن محاولة سرقة أى قطعة أثرية تتطلب الكثير من المعدات والأدوات والكثير من الوقت والجهد، وفى حالة تأمين المواقع الأثرية يستحيل سرقة أى أماكن أثرية.
غير أن سعيد شبل، رئيس الإدارة المركزية للمخازن المتحفية، قال إن أكثر من ٩٥٪ من الآثار المنهوبة، يمثل قطعا أثرية لم تدخل المخازن المتحفية لوزارة الآثار، كما أن المفقودات منها تمثل القطع المفقودة على مدار أكثر من ٥٠ سنة مضت، وكان آخرها وأحدثها هى تلك القطع التى تمت سرقتها خلال حالة الانفلات الأمنى التى سادت البلاد فى أعقاب ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١، وحادث سرقة واحدة عام ٢٠١٥، وأن الوزارة تسعى فى الوقت الحالى إلى حصر القطع المفقودة للوقوف على قائمة بجميع النواقص والمفقودات على مدار عشرات السنوات السابقة، حتى يمكن تتبعها مع «الإنتربول» الدولى واستردادها. 

أضخم السرقات
قبل ١٠ أعوام شهدت مصر واحدة من أخطر وأكبر السرقات على مدار تاريخها، بعدما نجحت أيادٍ خفية فى اقتلاع منبر أثرى بالكامل وسرقة محتوياته، وهو ما حدث فى مسجد قايتباى الرماح عام ٢٠٠٨، حيث استغل اللصوص الفترة ما بين صلاة العشاء والفجر لتنفيذ جريمتهم.
وتضيع المسئولية فى المساجد الأثرية فى مصر، بين وزارتى الآثار والأوقاف، ومع كل واقعة تتبادل الوزارتان الاتهامات وتحملان بعضهما البعض المسئولية عن حماية الآثار الإسلامية، وهو ما حدث فى مسجد قايتباى الرماح، ويتكرر مع كل واقعة مماثلة، فلا نخرج من كل أزمة سوى باللوم من كل وزارة على الأخرى.
وتكرر المشهد بعد عشر سنوات من واقعة سرقة مسجد قايتباى الرماح، حيث تم نهب ٦ مشكاوات أثرية نادرة من مسجد الرفاعي، الواقع فى قلب قاهرة المعز، فى أول يناير من ٢٠١٧، وعلى مدار السنوات العشر الماضية تقوم الوزارتان بتشكيل لجان من أجل حماية الآثار التاريخية، ويبدو أن اللجان لم تؤت نفعها كعادتها، الأمر الذى دفع وزارة الآثار للخروج بخطة لنقل ٥٥ منبرا أثريا من أهم المنابر فى القاهرة التاريخية، وتخزينها فى مخازن تابعة للوزارة من أجل حمايتها من السرقات المتكررة، وهى الخطوة التى اعتبرها خبراء الآثار فى مصر فشلا جديدا، يضاف إلى الفشل المستمر فى حماية الآثار المصرية من النهب. 
حملات مناهضة
من جانبها، بدأت وزارة الآثار بالفعل فى تفكيك واقتلاع المنابر الأثرية، تنفيذا لقرار مجلس الوزراء رقم ١١٠ الصادر فى ٢٠ أبريل ٢٠١٨، ويقضى بنقل المقتنيات الأثرية من المساجد التاريخية إلى وزارة الآثار حفاظا عليها من السرقة، مع إلزام وزارة الآثار باستنساخ بدائل للمنابر، وانطلقت رياح التفكيك من مسجد ومدرسة «أبو بكر مزهر» ونقلته للعرض فى متحف الحضارة، بعدما انطلقت حملة غضب واسعة وسط الأثريين الذين انتقدوا قرار تخزينه فى مخزن متحف الحضارة، لتقوم الوزارة بالإعلان عن عرضه داخل المتحف ونشرت صورا لعملية إعادة تركيبه وعرضه داخل المتحف بالفعل فى ٢٩ إبريل الماضي، وبذلك لا يزال أمام الوزارة ٥٤ منبرا ضمن خطة التفكيك والنقل، وهو الأمر الذى يهدد حقبة من أغنى الحقب فى تاريخ مصر، والتى اشتهرت بالفن المعمارى الراقي.
وفور تسرب صور عمليات تفكيك ونقل منبر «أبو بكر مزهر»، انتفضت العديد من الحملات المناهضة لخطة نقل المساجد الأثرية، حيث شنت الحملة المجتمعية للرقابة على التراث والآثار هجوما عنيفا على قرار نقل المنابر، فى حين دشن مجموعة من خبراء الآثار تكتلا جديدا حمل اسم «مجموعة إلغاء القرار ١١٠» للمطالبة بإلغاء قرار مجلس الوزراء بنقل المقتنيات الأثرية.


غير مسجلة 
من جهته، أصدر الدكتور خالد العناني، وزير الآثار، بيانا أكد فيه أن الآثار المنقولة ليست مسجلة، وبالتالى يسهل سرقتها، مشيرا إلى أنه فى يناير ٢٠١٧ عندما تم اكتشاف سرقة بعض المشكاوات، صدر قرار بنقل عدد من تلك المشكاوات حفاظا عليها من السرقة، وأوضح الوزير أن قرار نقل المنابر لا يتم إلا بعد دراسة حالة المنبر، وفى حالة الضرورة القصوى حتى لا يضار أى منبر. وأشار البيان إلى أنه تم التأكيد على عدم نقل أى منبر إلا بعد توثيقه توثيقا علميا وتسجيله فى سجلات قيد الآثار وعرضه على اللجنة الدائمة للآثار الإسلامية والقبطية لتحديد الحاجة إلى نقله مِن عدمه، على ألا يتم نقل أى منبر أثرى إلا فى حالة الضرورة القصوى التى تهدد أمن وسلامة المنبر فقط، على أن يكون العمل فى حالة النقل تحت إشراف الإدارة المركزية للصيانة والترميم وأن يكون النقل للعرض بأحد المتاحف وليس للتخزين.



أزمة الكاميرات
وتعود أزمة إزالة كاميرات المخازن الأثرية لـ١٤ يونيو الماضي، عندما اعترض قطاع كبير من الأثريين على قرار سعيد شبل رئيس الإدارة المركزية للمخازن المتحفية والنوعية، بشأن عدم تركيب كاميرات داخل المخازن، والاكتفاء بتركيب عدد ٢ كاميرا فى الممرات المؤدية لتلك المخازن، إذ وافق «شبل» فى مايو٢٠١٧، على تقرير أعمال اللجنة المشكلة بالأمر الإدارى رقم «٦٩» بتاريخ ٥/٢/٢٠١٧، برئاسة وعضوية مدراء المخازن بالقاهرة والجيزة، والوجه البحرى ومصر الوسطى والعليا؛ حيث تقع تحت رئاستهم باقى المخازن المتحفية فى مصر، بشأن دراسة موضوع تركيب كاميرات مراقبة داخل قاعات التخزين بالمخازن المتحفية بقطاع الآثار المصرية، وقد أوصى فى توجيهاته لرئيس قطاع المشروعات باتخاذ ما يلزم من إجراءات مع إدارة الهندسة الإلكترونية بقطاع المشروعات فى خطة تطوير المخازن المتحفية.
وتضمن التقرير المثير للجدل فى البند رقم «٢»، النص على عدم تركيب كاميرات داخل قاعات التخزين، وذلك للحفاظ على سرية محتويات كل قاعة، وعدم كشف ما بها من آثار أمام الكاميرات؛ حيث إنها تراقب من قبل أطراف أخري، ويقصد بها الأمن، وفنيو الكاميرات، باعتبارهم غير معنيين بهذه العُهد، وليسوا أصحاب هذه العهد الأثرية، والاكتفاء بتركيب ٢ كاميرا فى الممرات المؤدية لتلك المخازن، الأمر الذى اعتبره خبراء الآثار يمهد لمزيد من استنزاف ونهب الثروات الأثرية المصرية.



محام يرفع دعوى ببطلان القرار ويطالب بتركيب كاميرات مراقبة بالمساجد

قال الدكتور أسامة العبد، رئيس لجنة الشئون الدينية والأوقاف بالبرلمان، إنه تقدم ببيان عاجل نهاية أبريل الماضي، طالب فيه وزير الآثار الدكتور خالد العنانى، بالكشف عن مخطط نقل مجموعة من أقدم المنابر الأثرية فى مصر، وعن مصير تلك المنابر بعد النقل وكيفية الحفاظ عليها من السرقة والنهب. وحذر «العبد» من نقل القطع الأثرية من المساجد بحجة منع سرقتها، قائلا: إن النقل سيفرغ المساجد من قيمتها الأثرية، وبالتالى سيعزف زوارها عن زيارتها، مطالبا بتشديد الرقابة عليها وحراستها بالطرق الحديثة من خلال كاميرات المراقبة.
من جهته، قال النائب أشرف عزيز، عضو لجنة السياحة بالبرلمان، إن وزارة الآثار أخذت بمبدأ «أخف الضررين»، لأن المنابر كانت ولا تزال تتعرض للسرقات، ومن هنا نشأت فكرة التفكيك وتخزينها فى أماكن مؤمنة. وأكد «عزيز» أن نقل المنابر قضية مثيرة للجدل وتمت مناقشتها فى العديد من جلسات البرلمان، وتقدمنا بمقترحات لزرع كاميرات مراقبة وزيادة الحراسة على المواقع الأثرية. وتابع: ما يجب أن نعترف به هو أن العديد من المنابر سرقت، ومن مصلحة البلد إيجاد حلول وليس انتقاد دون حلول.