الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

هل يدفع الرئيس الفرنسي ثمن فضيحة "بينالا"؟.. الإليزيه بدأ خطة الهجوم المضاد.. واليسار يتهم القصر الرئاسي بالتناقض.. رئيس مجلس الشيوخ: "الأسطورة" التي تغنت بها إدارة ماكرون تهاوت في ومضة عين

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تحول ملف ألكسندر بينالا، الحارس الشخصى للرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، فى ظرف أسبوع إلى مسلسل سياسى نقلت تفاصيله الصحافة الفرنسية، ويتابعه الرأى العام العالمى عن كثب. القضية التى هزت الإليزيه باتت الشغل الشاغل للإعلام الفرنسى الذى يترقب لغاية تطور الأحداث ونتائج مساءلات لجنة التحقيق البرلمانية، فيما ينتظر طرح السؤال الوحيد حول مصير الرئيس ماكرون عقب ما ستسفر عنه قضية بينالا.


القضية التى كشفت عنها لأول مرة بداية الأسبوع الماضى صحيفة «لوموند»، واعتبرتها فضيحة، حيث كانت السباقة إلى نشر مقطع الفيديو الشهير الذى يظهر فيه حارس ماكرون الشخصى فى تظاهرة وهو يبرح ضربًا مواطنًا فرنسيًا جاء للاحتفال بعيد العمال، وتمكنت الصحيفة من طرح جميع المعطيات القانونية والسياسية المتعلقة بملف بينالا قبل غيرها من الصحف، وباشرت فى متابعة القضية على موقعها الإلكترونى، وتعد فيه القراء بمعلومات جديدة وردود الأفعال المرتقبة، معلنة بذلك بداية المسلسل السياسى الذى سيهز فرنسا خلال صيف ٢٠١٨، هكذا وبعد أن تداولت بعض الصحف الصغيرة بتصرف المعلومات التى نشرتها «لوموند» اندلعت فى اليوم التالى «الحرب المباشرة» على المواقع الفرنسية، وكانت المنافسة محتدمة بين «لوموند» و«لوفيجارو» فى نقل حيثيات القضية وتفاصيل المساءلات التى جرت خلال لجنة التحقيق البرلمانية، وأقوال المسئولين المعنيين بالملف على غرار وزير الداخلية ورئيس مكتب إيمانويل ماكرون. إلى جانب التركيز على قراءة المراقبين على أجوبة المستجوبين من طرف اللجنة، ومحاورة بعض كبار المسئولين فى السلطة الفرنسية، ونقل وجهات نظرهم فى الموضوع. عرفت القضية فى الإعلام الفرنسى كذلك تسارعًا فى تحديد المصطلحات المتعلقة بهذه القضية بين من يعتبرها «فضيحة»، و«قضية دولة»، وقراءات بين السطور حول احتمالات سقوط الرئيس الشاب للجمهورية وخروجه من الباب الضيق.

وفيما بات نشر التقارير المكثفة حول القضية أشبه بحرب إعلامية ضد الإليزيه، زاد صمت إدارة هذا الأخير الوضع غموضًا حول خلفيات القضية والتداعيات التى تحوم حولها، وترك مجالًا لنشر الشائعات عن الامتيازات التى كان يتمتع بها الحارس الشخصى لماكرون. صمت الإليزيه فسره العديد من الصحفيين بالتوتر داخل بيت «الجمهورية تتقدم»، وضعفهم فى مواجهة «أسوأ أزمة يمر بها الرئيس»، وفى مقال صدر أمس فى جريدة «لوموند» اعتبرت فيه أن السياسة الإعلامية للإليزيه فاشلة ولم تتحرك سوى بعد أربعة أيام من السكوت والاكتفاء بنفى الشائعات، ساعات قبل عودة ظهور الرئيس إلى العلن رغم أن بعض المختصين فى الاتصال اعتبروا ذلك تريثًا لحين اتضاح الصورة فى زوبعة التقارير والمعلومات المتوالية كل دقيقة.
وعلى غرار تداعيات السياسة الإصلاحية التى ينوى ماكرون شنها على قطاعات مختلفة فى فرنسا، والتى أثارت غضب النقابات وأحزاب اليسار، تتجلى وراء قضية بينالا خلفية لافتة للانتباه تتمثل فى مواجهة صريحة بين الإعلام الفرنسى العملاق والعتيد والرئيس الشاب إيمانويل ماكرون الذى يراد له أن يؤدى غصبًا عنه دور المراهق السياسى فى خطأ فادح لا يغتفر له، ومن شأنه أن يخرجه من الباب الضيق للرئاسة، صراع يعطى للمشهد السياسى فى فرنسا رمزية كبيرة بين النظام القديم الذى يلعب فيه الإعلام دوره كسلطة رابعة فى بلد عرف اندلاع العديد من الفضائح السياسية بفضله، ويكون طرفًا فى اللعبة السياسية، وبين مغامر سياسى له نظرة حديثة، يتطلع لأن يصنع التاريخ والانضمام إلى صف العمالقة فى صياغة النظام العالمى الجديد.
ظهور الرئيس الأخير الذى أعلن فيه استعداده لتحمل كامل المسئولية فى قضية بينالا، قرأت فيه جريدة «لوبوان» على أنه رد على المتربصين به يؤكد فيه تجاهله لتهجماتهم واستعداده لمواجهتهم بما فيهم الإعلام الذى وبحسبه «لا يبحثون عن الحقيقة»، ويدعمون معارضيه لخلق «فضيحة الدولة» التى ينتظرونها. هكذا انتقل ماكرون إلى الهجوم المضاد الذى سانده فيه حلفاؤه من كتلة «الجمهورية تتحرك»، حيث تنفسوا الصعداء بعد حالة التوتر والصمت التى عاشوها خلال أسبوع كامل، وسمحوا لأنفسهم بتصريحات للصحفيين عبروا فيها عن مدى استيائهم للحصار الذى تعرضوا له خلال مساءلات لجنة التحقيق التى وضعتهم دون سابق إنذار فى قفص الاتهام، ورأوا فى تصريحات ماكرون نفسًا جديدًا لإعادة توحيد الصفوف وتجنيد المشككين بحزبهم، ودعم لهم فى الحرب السياسية التى باتت أشبه بمواجهة بين «الواحد ضد الجميع»، كما ذكرت «لوبوان» على لسان أحد نواب كتلة «الجمهورية تتحرك» ممن نددوا بالمحاكمة السياسية من طرف زملائهم فى البرلمان.


«لوفيجارو» توقفت من جهتها عند تصريحات ماكرون الأخيرة وعلى موقف المعارضة منها التى اعتبرت أن تصريحاته جاءت فى إطار خاص، وأشبه بحوار فردى مع نفسه، وطالبته بشدة بمخاطبة جميع الفرنسيين، حيث تفيد استطلاعات الرأى العام أن ٧٥٪ منهم ينتظرون أجوبة من الرئيس فى حد ذاته، فيما يرى اليساريون أن هناك تناقضات عديدة فى خطابه حين صرح بأنه المسئول الوحيد الذى وقع على قرار عقوبة بينالا، إلا أن رئيس مكتبه صرح أمام لجنة التحقيق بأنه الوحيد المسئول الذى أصدر قرار عقوبة بينالا التابع له، وهو ما قد ينجم عنه حسب اليساريين عقوبة صارمة تقع على مدير مكتب ماكرون باتريك ستروزا.
وفى حوار خص به نفس الجريدة، وصف رئيس مجلس الشيوخ الفرنسى جيرارد لارشى تعامل الإليزيه مع قضية بينالا بـ«الهاوى والمتوتر»، مؤكدا أن «أسطورة العالم الجديد» التى تغنت بها إدارة ماكرون تهاوت فى ومضة عين وتحطم رمزية اللوفر التى ظهر فيها ماكرون رئيسًا جديدًا على العالم. بل تشعره أن فرنسا عادت إلى عهد ميتران، حيث الصراعات السياسية الحادة، مستبعدًا رغم ذلك الحديث عن «قضية دولة» فى انتظار ما ستفضى به نتائج لجنة التحقيق البرلمانية، مكتفيًا باعتبار الموضوع «سوء تسيير لجهاز الدولة».


وفى العملية نحو الإطاحة بالرئيس الشاب تحتل تقارير استطلاع الرأى مكانة مهمة فى الحياة السياسية الفرنسية، وهى الضربة القاضية التى يراد بها التأثير فى هذه الحرب التى لا تقول اسمها وتدور أصلًا فى المطبخ السياسى الفرنسى، حيث تحدثت معظم وسائل الإعلام والصحافة المكتوبة عن سقوط حر لشعبية ماكرون خلال هذه الأزمة، ومع ذلك انتبهت جريدة «لوبوان» لهذه النقطة فى تقرير تساءلت فيه عن دور عمليات استطلاع الرأى ومدى مصداقيتها وتأثيرها على الرأى العام، وحاورت مدير استطلاع الرأى والاستراتيجيات لدى مركز «أويبينيون واى» تطرق فيه إلى احتمالات صناعة الرأى العام من خلال عمليات الاستطلاع سيما فى الفترات الانتخابية ومساهمتها فى التكهنات وهى إحدى الوسائل التى يلجأ إليها عديد من الساسة الفرنسيين، لا سيما المقبلين منهم على الانتخابات الرئاسية لجس النبض، ومعاينة وضعهم إزاء الرأى العام. وإن لم تكن التقارير الحالية لاستطلاع الرأى لصالح ماكرون فإن تصريحاته الأخيرة فى حفل نهاية الموسم البرلمانى لممثلى كتلة «الجمهورية تتحرك» تنبئ بحدوث معطيات جديدة فى هذا المسلسل ينتظر منه رد فعل غير متوقع فى سياق خطة هجوم مضاد نسق لها قبل الخروج من صمته.