الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة لايت

"حكاية في القطار".. طفلة تعمل بدار أيتام وتتبرع براتبها

الطفلة
الطفلة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
دقت الساعة التاسعة إلا الربع مساء، ومازلت بالقاهرة الساهرة، استقليت المترو ووصلت محطة الشهداء، وقع اختياري على القطار، ليكون وسيلتي في الوصول للزقازيق، فتلك الوسيلة الأكثر أمانًا حال تأخري بالقاهرة.
بعد وصول القطار في التاسعة والربع، اتخذت مقعدًا بآخر عربة بالقطار، كان الركاب أقل عددًا من الصباح، فلم أجد الزحام المعهود، وبعد اعتدال جلستي، أخذت أقرأ كتابا لمصطفى المنفلوطي، "فالعبرات" مهما تعددت مرات قراءتي لها، إلا أنني أشعر في كل مرة أني أقرأها لأول مرة، واندمج مع شخصياتها رغم بؤسها، كما يصورها المنفلوطي.
وللحظة انقطع تركيزي في القراءة، بسبب "الكوكاكولا" التي تناثرت على صفحات كتابي، وبللت ملابسي، وإذ بصوت طفولي يستسمحني بالجلوس بالمقعد المجاور، وجدتها فتاة بجسد نحيل ترتدي جلبابا أسود وغطاء رأس من نفس اللون، اقتربت واعتذرت لي بخجل، وبعفوية جلست تستكمل ما تبقى من المياه الغازية، انتظرتُ قدوم والدتها أو أخيها الأكبر، لكن لم يأت أحد، ما دفعني لسؤالها، ماذا أتى بك في وقت متأخر من القاهرة، وإلى أين أنت ذاهبة، بدون صحبة أحد أفراد أسرتك، وابتسامة بدت بها ملامح طفولتها، أجابت أنها قادمة من عملها من إحدى دور الأيتام بالمرج.
وأكدت أنها اعتادت على ذلك منذ شهور، بعدما تركت لها ابنة عمها العمل بالدار بعد زواجها، وشرعت الطفلة الكبيرة "أسماء سليمان" المقيمة بكفر حافظ بمركز أبو حماد بالشرقية، بالحديث عن يومها كيف تقضيه منذ الفجر وحتى عودتها في القطار متأخرًا، قالت: "تستيقظ لأداء صلاة الفجر، وكعادة الأطفال تشاهد التلفاز وتتنقل بين الأفلام وبرامج الصغار، وتعد فطورًا وفي الثامنة صباحا، تستقل أول ميكروباص للوصول لمحطة قطار أبو حماد، وبعد ساعتين من السفر، تستقل المترو المتجه للمرج، حيث دار الأيتام "نسايب الجنة".
تشرع بتبديل ملابسها، لتبدأ عملها مع الأطفال، فالمطلوب منها الاعتناء بأربعة أطفال رضع، من بينهم اثنان توأم، جذبها العمل أكثر، ليس فقط لتقاضيها 600 جنيه شهريا، بل حبها للأطفال جعلها أكثر صبرا عليه.
وتضيف: "الأطفال متعبين وخصوصًا التوأم، لكن أنا بحبهم وبستحملهم، وهما عرفوني رغم صغرهم، يقتصر عملها على تبديل ملابسهم، وإطعامهم الطعام المعد لهم من مشرفة الدار، وتبديل البامبرز وتجهيز الرضعات لهم، وتزيد على خدمتها أيضا بأنها تتبرع أحيانا بجزء من راتبها لهم لشراء لبن وبامبرز أيضًا، وبعد إنهاء عملها في السادسة والنصف مساء، تأخذ أقرب وسيلة مواصلات للوصول للقطار، في طريقها للعودة لقريتها، وفي كل يوم أثناء رحيلها تتقاضى 30 جنيهًا للمواصلات حسب قولها، تكتفي بهم لنفسها وتدخر منهم لشراء ما يلزمها أثناء تجولها بمدينتي الزقازيق وأبو حماد".
وفي يوم إجازتها في كل جمعة من كل أسبوع، بينما تعطي والدتها قيمة راتبها، وتقول إن عملها في رعاية الأطفال حملها على الصبر، وجني المال وزاد حبها للأطفال، حتى أن طموحها إلى جانب التعليم، أن تصبح أم وترعى أطفالها وتمنحهم حنانا، لأن الأطفال بلا أهل أوجعوها كثيرًا خلال شهور عملها.
وتشير إلى أن العام الدراسي، على وشك البدء، الأمر المحزن لها فستضطر للعودة للمدرسة لتلتحق بالصف الثالث الإعدادي، والامتناع عن الأطفال أثناء الدراسة، سيجعلها في حالة حزن لعدم رؤيتها لهم، وأخيرًا في تمام الحادية عشر مساء، وصل القطار مدينة الزقازيق، ونزلت الطفلة الأم، لتعطي خالتها التي تعمل بنظافة محطة القطار بعض الطلبات التي أوصتها بشرائها لها من القاهرة، وودعتها بابتسامة توازي ابتسامتها الطفولية، وهي تنتظر أقرب وسيلة تتجه بها نحو كفر حافظ قريتها البعيدة عن الزقازيق.