الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

حوارات

نجل كاتب مشروع تأميم قناة السويس يكشف كواليس جديدة.. علي الحفناوي: عبدالناصر استعان بوالدي لكتابة مشروع القرار.. وأبي طالب بتصفية الشركة تدريجيًا

المهندس على الحفناوي
المهندس على الحفناوي في حواره لـ البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
 منذ حفر المصريون قناة السويس، وهناك مطالب عديدة لإعادة قناة السويس تحت الريادة المصرية، كان أول من طالب بتأميم قناة السويس الشعب المصري، ثم مصطفى كامل، ومحمد فريد، والاقتصادي الكبير طلعت حرب، إلى أن أعلن جمال عبدالناصر تأميم قناة السويس عام 1956.

فمن منا لا يتذكر خطاب الرئيس الراحل جمال عبدالناصر الشهير الذى ردد فيه كلمة «ديلسبس» إشارة إلى قرار تأميم قناة السويس، ثم أطلق وسط هتافات الجماهير «قرار رئيس الجمهورية، تؤمم الشركة العالمية لقناة السويس البحرية، شركة مساهمة مصرية، وينتقل إلى الدولة جميع ما لها من أموال وحقوق وما عليها من التزامات».

ولعب المحامى الدولى مصطفى الحفناوي، دورا مهما فى استرداد مصر قناة السويس، والذى اعتبر أن قضية مصر واستقلالها هى قضية قناة السويس، «البوابة نيوز» التقت المهندس على الحفناوي، نجل المحامى مصطفى الحفناوي.. فإلى الحوار..

كيف بدأت علاقة والدك مع قناة السويس؟

بدأت حكاية قناة السويس مع جدي عبد الله عام 1861، حيث تم تجنيده عبدالله مع عمال السخرة، إلى أن هرب من موقع الحفر لتفشى الأمراض وسط العاملين وسوء معاملة المشرفين على العمل.

متى بدأت أولى مطالب استعادة قناة السويس؟

هناك مطالب عديدة عبر سنوات طويلة لإعادة  قناة السويس لمصر لكن القدر جعل قرار التأميم يحدث على يد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر لذلك كان أبي لا يسعى لمجد شخصي لنفسه، فالمطالب بدأت فور بيع مصر أسهمها في القناة عام 1875 خاصة أن البيع تم بالتلاعب، ثم طالب مصطفى كامل ومحمد فريد والاقتصادي الكبير طلعت حرب وغيرهم كثيرين من زعماء الأمة وقتها وفي عام 1910 طلب الإنجليز مد فترة الامتياز 40 سنة إضافية بزعم تطويرها مقابل 3 ملايين جنيه وكانت هذه هي القشة التي قسمت ظهر البعير، وقام إبراهيم الورداني بقتل بطرس غالي الذي كان يشغل منصب رئيس وزراء مصر لأنه كان يدافع عن فكرة مد الامتياز.


 استطاع مصطفى الحفناوي الحصول على وثائق سرية عن قناة السويس ساعدته في رسالته.. فما هي التفاصيل ؟

طالب والدى وزير الخارجية محمد صلاح الدين، تعيينه فى منصب صحفى بسفارة مصر فى باريس، ليستطيع الحصول على ملفات بها وثائق بالغة الخطورة، ومعرفة حقيقة تكوين الشركة، وأنها ستار فى باريس يخفى السلطة الحقيقية التى تدير قناة السويس، وهذه السلطة هى حكومة إنجلترا، فوزارة الحرب البريطانية، تهيمن على قسم الأشغال بالشركة، وهى التى تشرف على المشروعات الجديدة وتراقبها، والبحرية البريطانية هى التى تهيمن هيمنة تامة على قسم الملاحة بقناة السويس، ولها فيه عيون بعضهم بدرجة أميرال، ووظائفهم الظاهرة وظائف إدارية بقسم الملاحة، أما الإدارة العامة للقناة؛ فكانت تخضع للإشراف الأعلى للجنة متواضعة فى لندن سمتها حكومة إنجلترا «اللجنة الاستشارية لقناة السويس»، وكانت تضم أعضاء مجلس إدارة الشركة الإنجليز من أمثال لورد «هانكي»، وسير «ألكسندر كاد وجان»، ووثق ذلك فى رسالة للدكتوراه فى القانون الدولي، موضوعها (مشكلات قناة السويس المعاصرة)، وقد ناقشتها لجنة من أساتذة القانون الدولى العام، فى كلية حقوق باريس برئاسة العلامة «جيلبرت جيدل»، وظفرت الرسالة بأعلى مراتب التقدير. ردعًا فى الرسالة إلى تصفية الشركة تصفية تدريجية، واعتبار الفترة المتبقية لانتهاء الامتياز فى ١٧ نوفمبر سنة ١٩٦٨م مرحلة انتقال.

ما هي تفاصيل اللقاء السري الذي جمع بين الحفناوي وعبد الناصر قبل التأميم ؟

- بعد أن تولى عبدالناصر الحكم، استدعاه عن طريق حكمدار الإسكندرية، ووفر له طائرة خاصة لنقله إلى القاهرة، توجه إلى دار هيئة التحرير بالإسكندرية، واستقبله كل من صديق عبداللطيف، والليثى شقيق جمال عبدالناصر، ووجد سيارة «شيفروليه» كانت تنتظره، ولقى صديقا آخر يستقبله وهو من رجال الثورة، وكان من أقرب المقربين للزعيم عبدالناصر، وهذا الصديق هو إبراهيم الطحاوي، الـذى أفهمه أنه كلف بمرافقته إلى منزل الرئيس الراحل بمنشية البكري.

وأثناء لقائه مع عبدالناصر، علم أنه قرر تأميم شركة قناة السويس، وتكريما للجهود الضخمة التى بذلها فى هذه القضية عهد إليه بأن يكتب مشروع قرار جمهورى بتأميم الشركة، وأن الأمر جد عاجل، وأنه سيعلن هذا القرار للعالم كله فى خطاب، قرر أن يلقيه بميدان المنشية بالإسكندرية فى الساعة الثامنة من مساء يوم ٢٦ يوليو سنة ١٩٥٦. وانتهت المقابلة بأمر له من الرئيس بأن اللقاء فى الليلة التالية، ومعه مشروع القرار الجمهوري، فى الساعة عينها، وتمت المقابلة فى الليلة التالية بحجرة الرئيس بمبنى قيادة الثورة بالجزيرة، وكان الأمر المشدد الذى صدر له، هو ألا يعرف كائن من كان، أنه موجود بالقاهرة؛ ومراعاة درجات السرية.

وبالفعل انقطع عن العالم، مختفيا بين جدران سكنه بالقاهرة إلى الساعة والدقيقة التى تحدث فيها الرئيس وأعلن القرار، فانتقل إلى مقر شركة القناة بجوار منزله فى جاردن سيتى، ودار حديث حاد بينه وبين الكونت دى جراييه، الرئيس المحلى للشركة بمصر، حتى حضور قوة الشرطة المكلفة بتنفيذ إجراء التأميم بمقر القاهرة، وهنا فتح فى الدقيقة نفسها أول محضر لأول مجلس إدارة مصرى لقناة السويس، وقد ضمه هذا المجلس، وبقى فيه منذ تلك اللحظة حتى أوائل سنة ١٩٦٩م، تاريخ قبول الرئيس للاستقالة التى رفعتها إليه منذ خريف سنة ١٩٦٥.


 وماذا كشفت الملفات التى تم التحفظ عليها داخل شركة قناة السويس لحظة التأميم؟

- كشفت ملفات قناة السويس التى تحفظ عليها الضباط الأحرار أثناء التأميم، تجاوز عددها خمسة وستين ملفا فيها ترجمة إلى اللغة الفرنسية لكل محاضرة ألقاها، أو مقال صدر عنه سواء نشر فى صحيفة قناة السويس أو غيرها. وتبين من الأوراق أن الشركة كانت تتعقبه فى جميع تحركاته من ساعة خروجه من بيته إلى أن يعود إليه، وكانت قد أنشأت فى إدارتها بقصر الدوبارة مكتبا خاصا سُمىَ «مكتب مكافحة الحفناوي»، وكان هذا المكتب يترجم كل ما يصدر عنه، ويحرر التقارير الدورية والبرقيات العاجلة التى ترفع إلى باريس.

ما ردك على أعداء قرار تأميم قناة السويس؟

عملية تأميم شركة قناة السويس في قانونيتها اعتمدت علي اكتشاف المستند الأصلي لشروط تأسيس الشركة، ففي حين كانت الإدارة تعتمد على مستندات تأسيس تدًعى أن الشركة لها كيان قانوني أجنبي "الشركة العالمية" ، أظهر المستند الأصلي أن الشركة لها كيان قانوني مصري "شركة مساهمة مصرية" فتكون بالتالي قابلة للتأميم (ولذلك اشتمل قرار التأميم على توضيح الصفة القانونية للشركة: "تأميم الشركة العالمية لقناة السويس، شركة مساهمة مصرية.

من جانب آخر، وهذا هو ما يهمنا توضيحه اليوم، أظهرت وثائق ممارسات الشركة خططها المستقبلية فيما يخص عملية تسليم القناة للمصريين عام 1968، فكانت قرارات إدارتها البريطانية الفرنسية عدم الاستثمار في أي توسعات تسمح باستيعاب حركة السفن ذات الحمولات الكبيرة وذات المحركات الحديثة، بالإضافة إلي تعليمات إدارية صريحة بعدم صيانة معدات الورش التي تخدم القناة وعدم تجديد أي مرافق، إلا في حالة قيام مصر بمد حق امتياز الشركة لفترة أخرى لا تقل عن 60 سنة. هذا بالإضافة إلى وضع خطة بديلة لتدويل القناة فى حالة عدم تجديد حق الامتياز، حتى أن رئيس الشركة شارل روو عرض على مصطفى الحفناوى (من باب الرشوة) أن يتولى إحدى إدارات الشركة فى حالة تدويلها حتى يظهروا للعالم أن مصر ممثلة فى الإدارة.


 هل توقع الحفناوى رد الفعل الدولي نتيجة قرار التأميم؟

- أثناء محاضرة فى الموسم الثقافى للقوات المسلحة عام ١٩٥٢ قال الحفناوي، أمام جمع كبير من الضباط، أطالب بتصفية شركة قناة السويس التى هى أداة الغرب فى استعمار بلاد المسلمين، وإذا كان لا بد من تأميمها، فعلينا أن نؤممها، ولكن على القوات المسلحة المصرية أن تكون مستعدة برًا وجوًا لمواجهة نتائج التأميم، ذلـك أن الحرب واقعة لا محالة، ستحاربنا إنجلترا وستحاربنا فرنسا حتما، ويجب أن نستعد بالسلاح.


 وماذا عن تكلفة تأميم قناة السويس؟

يجب أولا أن نعلم أن المفاوضات التى جرت بين مصر والجانب الفرنسى والبريطانى كانت فى غاية التعقيد ومليئة بالمحاذير والفخاخ من النواحى السياسية والمالية والقانونية. ولا يسعنى إلا تحية جهود كل من ساهم من قريب أو من بعيد فى تلك الملحمة، حتى توصلت مصر إلى أفضل الحلول لصالح الوطن مع تقبل الجانب الأجنبى لكل النتائج.

ولنستعرض أولا بعض المعلومات عن تلك المرحلة  قيمة الجنيه المصرى حتى بداية الستينيات كان مساوى لمبلغ 2.87 دولار أمريكي، ومساوى لمبلغ 0.975 جنيه إسترلينى، ومساوى لمبلغ 1201 فرنك فرنسى قديم.

كانت بريطانيا مدينة لمصر بمبلغ 135 مليون جنيه إسترلينى منذ الحرب العالمية الثانية، ولكنها ممتنعة عن سدادها باعتبار أن حساب مصر لديها معلق حتى إشعار آخر. كما كانت الولايات المتحدة مدينة لمصر بنحو 18 مليون جنيه مصرى. (أيضا من ناتج ما تحملته مصر فى فترة الحرب العالمية). ثم كانت فرنسا مدينة لمصر بمبالغ ضئيلة تمثل ما تستحقه مصر من عوائد قناة السويس.

 عند تأميم شركة قناة السويس، ضغطت الشركة على أصحاب السفن العابرة لقناة السويس حتى يستمروا فى سداد رسوم العبور لخزانة الشركة بباريس، والتزم بعضهم بالسداد للشركة المؤممة والتزم آخرين بالسداد لهيئة قناة السويس، وظل الوضع قائما هكذا حتى العدوان الثلاثى، مع حرص مصر على عدم الاعتراض على عبور أى سفينة.

ونتج عن ذلك أن حصلت الشركة الفرنسية على مبلغ 5.337 مليون جنيه فى حين حصلت الهيئة على مبلغ 3.557 مليون فقط  عند تقييم أصول الشركة فى مصر محاسبيا من الجانب الفرنسى، كانت قيمة الأصول 92 مليار فرنك (76.5 مليون جنيه) وتكون بعد تخفيض الخصوم، أى الصافى 58.2 مليون جم. أما أصول الشركة خارج مصر فقد قدرت بنحو 8 ملايين جنيه، وعند تأميم شركة وأخذ كل ما تملك من أصول، يصبح لا وجود قانونى للشركة... فكيف يمكن التفاوض مع كيان لا وجود قانونى له وفقا للقانون البلد الخاضع له هذا الكيان (شركة مساهمة مصرية)، لجأت الشركة إلى تعديل عقد تأسيسها بالكامل، واستصدرت حكما من محكمة فرنسية باعتبارها شركة فرنسية خاضعة لقانون الشركات الفرنسى. تقبلت مصر هذا الكيان الجديد كمفاوض، مع وضع شروط حازمة تمنع التلاعب بقانون التأميم، والمطالبة بأى حقوق غير التى سيتفق عليها الطرفات لتعويض حملة الأسهم. وانتهى الوضع بتسمية الشركة المؤممة المعدلة باسم "شركة السويس المالية".

اعترضت المفاوضات العديد من العراقيل والتفاصيل والاختلافات، حتى انتهت باتفاق مبدئى فى أبريل 1958 تم توقيعه فى روما، واتفاق نهائى تم توقيعه يوم 13 يوليو 1958. وكان هذا الاتفاق بشهادة البنك الدولى، بين حكومة دولة (الجمهورية العربية المتحدة) وشركة خاصة. وهو وضع قانونى شاذ فى إطار الاتفاقات الدولية. أما حكومتا بريطانيا وفرنسا، فلم يشتركا فى أى مفاوضات سوى أول اجتماعات تمهيدية.

وجاء محتوى الاتفاقية لن تطالب مصر باستعادة أصول الشركة الواقعة خارج مصر والمقيمة بنحو 8 ملايين جنيه ، لن تسدد مصر أى ديون على الشركة خارج مصر، سواء كانت لحاملى الأسهم أو لأشخاص اعتباريين لهم مستحقات لدى الشركة ،لن تسدد الشركة أى ديون عليها داخل مصر، حيث أن معظمها لحساب الحكومة المصرية وبعضها لمرتبات ومعاشات العاملين بالشركة من المصريين ،ملكية كل أصول الشركة داخل مصر والمقيمة بمبلغ 58.2 مليون جنيه تصبح ملك الحكومة المصرية هيئة قناة السويس ، التعويض عبارة عن مبلغ إجمالى مقطوع قدره 28.3 مليون جنيه يسدد على مراحل كما يلى:

5 ملايين و300 ألف جنيه استلمته فعلا الشركة من الشركات الملاحية بعد التأميم، خمسة أقساط سنوية قدر كل منها 4 ملايين يسدد الأول فى يناير 59 ، ثلاثة ملايين تسدد بآخر قسط فى يناير 1964، فى حالة إفراج بريطانيا عن الأموال المصرية المحتجزة لديها، تقوم مصر بالإسراع بسداد أول قسطين. (وتم ذلك بالفعل عام 1960).

حقيقة كانت ملحمة إذا قرأنا كل تفاصيل المفاوضات، فقد حصلت مصر على أفضل الشروط، ثم أذكر قول السيد جورج بيكو رئيس مجلس إدارة الشركة فى كتابه: "لقد حصلنا على أموال بفضل الأمانة المصرية لم نكن نحلم بها"... أما مصر، فقد حصلت على القناة وإيراداته وأصول الشركة بتكلفة تعتبر معقولة جدا.

وفى النهاية، أنقل عن رواية جان بول كالون، المفاوض القانونى الفرنسى، فقد قال لى شخصيا: "عندما تفاوضت مع والدك، وأدرك كلانا أننا لا نطمع إلا فى مستحقاتنا، تناولنا العشاء حول طبق إسباجتى، وانتهت قصة قناة السويس مثلما بدأت بطبق إسباجتى".