الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

من أين يأتي الشر في هذا العالم؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
هنالك تجربة قام بها بعض العلماء على مجموعة من الأطفال، وضعوهم فى غرفة بها لعبة، حيث يجب على كل واحد منهم، أن يحاول رمى الكرة من خلفه، من على بعد مسافة محددة بخط مرسوم على الأرض، لتقع بداخل السلة المخصصة لها، وبينما حاول الأطفال، الواحد تلو الآخر، ولم يفلحوا، أخبروهم بأنهم سيتركون كل واحد منهم فى الغرفة وحده، بدون مراقبة أحد أبدًا، وليلعبوا تلك اللعبة حينها. وبالفعل عندما ظن الأطفال أنهم ليسوا تحت مراقبة أى شخص، كانوا لا يلتزمون بقواعد اللعبة، ويذهب كل واحد منهم إلى السلة ليضع بها الكرة، ثم يعود إلى الحدود المرسومة له، ليظن الناس عندما يدخلون عليه، أنه التزم ونجح بدون غش. ربما سنخلط هذا بأن فطرة الإنسان ليست صالحة. ولكن ليس الأمر كما يبدو. إذا ما نظرنا حولنا، سنجد أن الإنسان يولد بنزعة الأنانية. ما من طفل، إلا وظهرت عليه تلك النزعة بحدة، أكثر من الناضجين الذين يتعلمون إخفاءها جيدًا، كى يُبدُو طيبين. ولكنها الحقيقة، أن تلك النزعة لا تموت فينا أبدًا. قال «مارك تواين»: إن الفقر هو أصل كل الشرور. ولكن هل هذا دقيق فى التعبير؟ وقال بعض الفلاسفة القدامى، إنه لا وجود حقيقيًّا للشر، بل إنه مثل الظلام تمامًا، هو ليس إلا غياب النور. لا وجود مستقلًّا للشر. هل هذا صحيح تمامًا؟، وما هو الشر الذى تنضح به النفس البشرية، لا سواها؟، هل الشيطان هو السبب فى كل شيء؟ لا يوجد عند الأطفال تعريف للشر كما هو عند الكبار، لكن تصرفاتهم اللامبالية باحتياج الآخرين فى سبيل إرضاء الذات هى المؤشر الفطرى الذى تندرج تحته كل تعريفات الشر عند النضوج؛ لما فى التصرفات من اختلاف عظيم، ولكن تتشابه الفطرة فى احتياج تلبية الأنا. كمقدمة، نستطيع تعريف الشر على أنه الفطرة الطبيعية لحب الذات أكثر من باقى البشر، فيكون ذلك بمثابة مبرر لأى تصرف يحرم الآخر من حقوقه طالما تعمل على تلبية مصالح الفرد الشخصية أيًّا كان نوعها!
قلنا إن الشر يوجد فى الأطفال بعفوية، تمثل حجم الأنا عند الإنسان، وتُرينا فطرته الحقيقية عارية. ولكن كذلك، يعرف الطفل وحده، معنى أن يكون الإنسان واحدًا. لا يفرّق الطفل أبدًا بين الأسود والأبيض، وبين المسلم والهندوسى.. صادفنى أن شاهدت موقفًا، لا أستطيع تخطى وقعه على حتى الآن. كنت فى حديقة عامة، وشاهدت من بعيد شابًّا عربيًّا وسيمًا، بملابس تعبر عن الزى الرسمى لدولته الإسلامية. بدا عليه الطيبة وحب الأطفال، وبدأ باللعب مع طفل أمريكى أشقر، لا يزيد عمره على أربع سنوات. كان الطفل سعيدًا جدًّا بالكرة الصغيرة التى أهداها له. أجلسه الشاب بجانبه على العشب، وبدأ فى اللعب معه بالكرة. كنت أشاهدهما من بعيد بشغف، لأن الأطفال لا يعرفون أعراقًا، ولا سياسات دول، ولا تعصب أديان. فقط رجل طيب يلعب معه، وهذا كل ما يهمه فى الأمر. لكن ما جعل هذا المشهد لا يذهب عن بالى، مهما مرت السنون، هو أم الطفل، عندما أتت، بعد ملاحظتها لما يحدث، بسرعة خطواتها، وغضب ملامحها. أخذت بيد الطفل، وذهبت به بعيدًا وهى تصرخ به: «إنه مسلم! لا تكلم الغرباء مجددًا، وخاصةً المسلمين»! بصوت عالٍ جدًّا، وبلا مبالاة لمشاعر الرجل، الذي لم يكن ينتوى أن يفجر الحديقة والطفل بين أحضانه! لم أنسَ دهشته وهو يشاهد الأم العنصرية، والطفل يمشيان بعيدًا. لم أنسَ تعجب الطفل وعدم فهمه لما حدث! ماذا يفهم طفل فى مثل ذلك العمر، عن ما قالته أمه؟ هل سيسأل الطفل نفسه ويعرف أن أمه عنصرية بلهاء، أم سيكبر ليصبح مثلها جزءًا من القطيع، الذى لا يعرف الخروج عن المجموعة أبدًا؟ بالتأكيد سيتشرب الطفل، بكل انفتاح عقل، أقفال العقل، التى ستضعها له أمه، وتحكم إغلاقها. سينسى ذلك الرجل الطيب، سيكبر ليربى أطفاله الأنقياء على العنصرية ذاتها، وعلى الكره نفسه. وهكذا دواليك، نتشرب جميعًا، أشلاء إنسانية مجتمعاتنا وأهلينا، منذ الصغر، حتى نصبح جزءًا من الصورة، ولا يكون لكياننا نحن، أي مساحة تذكر! نحن من نبدأ فى تشكيل تلك الفطرة الأنانية، التى ذكرناها مسبقًا، إلى زيادة حب الأنا، وتقديسها عن الآخرين، حتى ننسى أن جميعنا واحد. فالعنصرية هى أشد أشكال الشر، حيث يعتقد إنسان أن عرقه ودينه يستحقان الحياة أكثر من أعراق وأديان أخرى؛ فتنشأ الحروب، التى هى أقذر شىء فعله الإنسان، منذ وجد على الأرض!