السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

القس سهيل سعود يكتب: خطورة خطية اللامبالاة

القس سهيل سعود
القس سهيل سعود
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
من أكبر الأخطار الروحية التى تهدد الكنيسة، خطر اللامبالاة. ذكرت إحدى وكالات الأنباء أن فتاة تدعى «كاتى جينوفن»، قد قُتلت فى مجّمع سكنى فى نيويورك، وقد شاهد الجريمة، التى استغرقت 30 دقيقة على الأقل، 38 جارًا (من خلال نوافذ مساكنهم) ولم يتصل أحد منهم بالشرطة للإخبار عن الجريمة. وحين سُئل عن السبب كان الجواب أن كل شخص فكّر بأن شخصًا آخر سيتصل، وهكذا قُتلت الفتاة ولم تعرف الشرطة إلا بعد موتها. هذه الحادثة إن دلّت على شيء فهى تدل على خطورة نتائج اللامبالاة. 
ما هى اللامبالاة؟
عرّف أحدهم اللامبالاة بأنها حالة غريبة عند بعض الناس حيث تسقط غشاوة على عيونهم وتتغبش رؤيتهم فتتداخل الحدود بين الإيمان وعدم الإيمان، بين النور والظلمة، بين الخير والشر، بين الرحمة والظلم.
حالة اللامبالاة هذه تجعل الإنسان يفقد أو يكبت مشاعره واهتمامه وتعاطفه مع الآخرين. هذه الحالة ليست بداية لموقف ما، لكنها النهاية. إنها حالة اللاموقف التى فيها يختار الإنسان غير المبالى الخيار الأسهل، والذى قد يكون مغريًا إلى حد ما، بأن لا يبذل أى جهد فكرى أو عاطفى أو روحى للتعاطف وللمشاركة باحتياجات وآلام الآخرين، وهكذا يبقى على هامش الحياة.
قال أحد المفكرين: «ليست الهرطقة هى عكس الإيمان، ولكن عدم المبالاة هى عكس الإيمان، كما أنه ليست الكراهية هى عكس المحبة، ولكن اللامبالاة هى عكس المحبة».
فاللامبالاة هى أخطر من أمراض روحية كثيرة، هى أخطر من الشك والغضب وغيره. فالشك هو أن يكون الإنسان فى حالة من عدم اليقين، لكنه فى نفس الوقت هو فى حالة بحث عن إجابات لتساؤلاته. واللَّه يمنح الشك الصادق، الإيمان الحي، كما منح التلميذ توما (يوحنا 20:26 ــ 29). إلا أن الإنسان غير المبالى لا يبحث ولا يفتش عن الإجابات، بل يكتفى بحالته. كما أنه يمكن توجيه الغضب فينا ليكون غضبًا مقدسًا يرفض الظلم وأن يكون غضبًا خلاقًا يسعى من أجل التغيير. لكن ليس هناك أى شيء مقدس أو خلاّق فى اللامبالاة.
إن الأمثال والأقوال الشعبية التى تعبر عن اللامبالاة كثيرة، تتناقلها ألسنة الناس، منها «حايدة عن ضهرى بسيطة»، «بعد حمارى ما ينبت حشيش»، «آخر همي». 
يعتبر الرسول يعقوب اللامبالاة خطيئة. يقول: «فمن يعرف أن يعمل حسنًا ولا يعمل فذلك خطية له» ( يعقوب 5: 17). وبكلمة أخرى إنّ كل مسيحى تواجه مع حاجة أو موقف يتطلب المساعدة ولم يبالِ، تعد لامبالاته خطية. فالمسيحى الحقيقى هو بحسب التعريف، إنسان رحوم ومحب ومبالٍ. قال أحد المفكرين المسيحيين: الرجاء الوحيد للمتألمين فى هذا العالم هو أن تنتصر الرحمة على عدم المبالاة، لأن الرحمة عطية سماوية تصنع فرقًا فى العالم.
يتخذ عدم المبالاة أشكالًا كثيرة فى ميادين شتّى؛ فالأستاذ غير المبالى هو الذى يستخدم نفس الشرح والملاحظات لمدة عشرين سنة دون أن يبذل أى جهد ليطور نفسه ويقدم لتلامذته أفكارًا خلاقة. والواعظ غير المبالى هو الذى لا يحضر أفكارًا جديدة بل يكرر عظاته مرات ومرات فيضجر الناس من عظاته. إلا أن أخطر أنواع اللامبالاة هو اللامبالاة الروحية، اللامبالاة بألا أكون بعلاقة روحية حميمة مع الرب يسوع المسيح بالإيمان. 
يخبرنا الإنجيلى متى فى الاصحاح الحادى عشر عن مشكلة عدم المبالاة الروحية، فينتقد ذلك الجيل من الناس الذين لم يتجاوبوا، لا مع دعوة يوحنا المعمدان، ولا مع دعوة المسيح للتوبة. ففى العدد 16 من الأصحاح الحادى عشر يقول المسيح: «يشبه هذا الجيل أولادًا جالسين فى الأسواق ينادون إلى أصحابهم ويقولون: زمّرنا لكم فلم ترقصوا، نُحنا لكم فلم تلطموا». والفكرة الظاهرة من خلال هذه الكلمات هى اللامبالاة، لا فى أفراح الناس ولا فى آلامهم. لكن الفكرة المستترة هى عدم تجاوب ذلك الجيل مع دعوة يوحنا المعمدان للتوبة، لكنهم انتقدوا أسلوبه القاسى فى الكرازة قائلين بأن فيه شيطانًا. أيضًا انتقدوا المسيح على طريقته اللطيفة فى الكرازة قائلين عنه: «أنه كان محبًا للعشارين والخطاة». أما فى الأعداد 20 ــ 24 من الأصحاح الحادى عشر، يوبخ المسيح ثلاث مدن كرز فيها بالتوبة وأجرى فيها الكثير من المعجزات، إلاّ أن سكانها أظهروا عدم مبالاة روحية ولم يتجاوبوا مع دعوته للتوبة، هذه المدن الثلاث التى تنبأ عليها بالويلات هي: كورزين، بيت صيدا، وكفر ناحوم. يذكر العدد 20 ما يلي: «حينئذ ابتدأ يوبخ المدن التى صنعت فيها أكثر قواته لأنها لم تتب».
عدّد أحد الوعاظ المسيحيين بعض سمات هذه اللامبالاة التى تظهر فى حياة أعضاء كنائسنا، منها:
عدم الحضور بانتظام إلى الكنيسة؛ الحضور المتأخر إلى خدمة العبادة؛ عدم المشاركة فى اجتماعات الكنيسة؛ عدم قراءة الكتاب المقدس؛ عدم الاختلاء بالرب للصلاة؛ عدم الفرح والترحيب بحضور أناس جدد إلى الكنيسة.
يذكّرنا الكتاب المقدس فى الوصية الأولى من الوصايا العشر بأن اللَّه هو إله غيور، له غيرة علينا، على خلاصنا؛ وقد أقام الرب يسوع المسيح الكنيسة فى العالم لإعلان هذا الخلاص. لقد تحدث إنجيل يوحنا عن غيرة اللَّه الكبيرة على خلاصنا فقال: «لأنه هكذا أحب اللَّه العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكى لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية». ومن فرط محبته ترك المسيح السماء وتجسد لأجلنا ليكون لنا حياة ويكون لنا أفضل. ولأن إلهنا إلهٌ غيورٌ فهو يتوقع من كل أولاده أن يكون لديهم الغيرة على محبته. لأن الغيرة هى عكس اللامبالاة.