الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

أزمة مارس 54

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
هل يعلم الذين هاجموا عبدالناصر وثورة 52 على مواقع التواصل الاجتماعى، تزامنًا مع الاحتفال بالعيد السادس بعد الستين للثورة، هل يعلم هؤلاء أن آباءهم وأجدادهم قد احتشدوا فى ميادين مصر المختلفة، وأضربوا عن العمل وراحوا يهتفون بصوت هز الأرض وما عليها وقد رفعوا شعارات كتب عليها «لا للديمقراطية.. لا رجعية ولا أحزاب.. تحيا الثورة.. لا عودة للنظام القديم.. ثورة ثورة حتى المجد»، وهل يعلم هؤلاء أيضًا أن النخبة وقتها كتبت فى الصحف الكبرى مقالات تحذر فيها الجيش من التخلى عن دوره الوطنى فى إدارة شئون البلاد، وتطالبه بأن يستمر فى الحكم تنفيذًا لإرادة الشعب التى ظهرت جلية أمام أنظار الجميع فى الثامن والعشرين من مارس 54، حين انتفضت الأمة رفضًا لقرارات مجلس قيادة الثورة الصادرة فى مساء الخامس والعشرين من مارس والتى كانت تنص على تسليم البلاد إلى جمعية تأسيسية منتخبة وحل مجلس قيادة الثورة وعودة الأحزاب وعدم عمل ضباط الثورة بالسياسة؟ 
وللعلم فإن جمال عبدالناصر هو من تبنى هذه القرارات، وذلك فى محاولة منه لرأب الصدع الذى حدث بين محمد نجيب وخالد محيى الدين من جهة وبين بقية أعضاء مجلس قيادة الثورة من جهة أخرى، وقد فوجئ أعضاء مجلس قيادة الثورة باقتراحات عبدالناصر وتصويته لصالح إصدار هذه القرارات التى ما دام كان نجيب يتحدث عنها وسط معارضة من معظم أعضاء المجلس، والحقيقة أننى لم أشق قلب عبدالناصر حتى أعلم ما كان يدور بداخله حينها، فالإخوان يقولون إنها كانت مؤامرة على نجيب وأن ناصر كان يدرك أن الشعب سيرفض هذه القرارات بعدما ذاقوا حلاوة إصلاحات سريعة قامت بها الثورة فى أقل من عامين، كالإصلاح الزراعى وإلغاء الإقطاع وإنهاء الملكية وبدء التفاوض على جلاء المحتل، وبات أمام أعين الجميع أن الثورة تأخذ البلاد إلى طريق التقدم والرخاء والقضاء على الفساد والظلم، وقد تحمس عبدالناصر لقرارات 25 مارس، لكن بمجرد صدور هذه القرارات شهدت البلاد أضخم حركة اعتصام وإضراب منذ عام 1919، وعاشت مصر ثمانى وأربعين ساعة دون مواصلات وخبز ودون أى شىء، فقد شلت الحياة تمامًا، وأغلق التجار حوانيتهم وأغلقت المصانع والشركات والبنوك، وبات الشعب فى الشوارع والميادين يصرخ بالهتافات التى ذكرناها، وهنا اتخذت جماعة الإخوان فجأة موقفًا سلبيًا من الصراع بعدما كانت واقفة مع رأى محمد نجيب فى عودة الجيش إلى ثكناته وتسليم البلاد إلى سلطة مدنية، وحاول نجيب التواصل معهم لإخراج مظاهرات مؤيدة لقرارات 25 مارس انتصارًا للديمقراطية، لكنهم تهربوا منه فجأة، وهذا الموقف الغريب فسره المؤرخ الراحل عبدالعظيم رمضان بأنه لعبة قد تمت فى الخفاء واتفاق بين ناصر والإخوان على عدم تدخلهم مقابل إشراكهم فى الحكم إذا نجحت الخطة، وبالطبع لم يثبت هذا الأمر، لكن الثابت أن الشعب اعتصم وأضرب، وطالب مجلس قيادة الثورة بالاستمرار فى الحكم، وباتت مصر مشلولة تمامًا يومين كاملين مما دفع جمال سالم إلى الصراخ فى وجه أعضاء مجلس قيادة الثورة، قائلًا لهم: إنتو هاتقعدوا تتفرجوا على بيحصل لحد ما حرب أهلية تقوم والبلد يولع؟ وكان بعض شباب الإخوان قد تمردوا وخرجوا لقمع الشعب وفض المظاهرات تأييدًا منهم لقرارات 25 مارس، وجاءت الأخبار مؤكدة أن مواجهات ستحدث بين الفريقين، وعلل قادة الإخوان هذا الخروج بأن إضراب عمال التلغراف أدى إلى عدم وصول قرار الجماعة إلى جميع الأعضاء، بينما يرى البعض أن الإخوان قد لعبوا نفس اللعبة، وهى الوقوف مع الطرفين فإذا فاز أحدهما كانوا مع الفائز، وكان على مجلس قيادة الثورة أن ينهى الحالة التى دخلت إليها مصر والتى عرفت فيما بعد بأزمة مارس، فالإضرابات والاعتصامات جعلت البلاد على وشك الفوضى ونزول الإخوان تأييدًا للقرارات معناه الحرب الأهلية، ولذا أصدر مجلس قيادة الثورة بيانًا للأمة فى مساء 28 مارس أعلن فيه تفهمه لمطالب الشعب وإرجاء قرارات 25 مارس وتحمله المسئولية كاملة انصياعًا لأوامر الشعب الذى طالب الثورة بالاستمرار ورفض عودة الأحزاب والحياة البرلمانية القديمة، واتفق المجلس على استمرار نجيب رئيسًا للبلاد وعبدالناصر رئيسًا للوزراء، وظل الوضع هكذا حتى صدر قرار إعفاء نجيب من منصبه فى 14 نوفمبر 54، وذلك بعدما اشتد الخلاف بينه وبين أعضاء المجلس لا سيما بعد محاولة اغتيال عبدالناصر فى المنشية فى 26 أكتوبر 54 وذكر اسم نجيب فى التحقيقات مع قادة الإخوان والقول بعلمه بالمؤامرة، وللحق فإن هذا هو المشهد الأخير فى الأزمة، التى كانت كامنة منذ يوليو 53 حين أعلنت الجمهورية، وتم عزل الملك أحمد فؤاد الثانى وإنهاء حكم الأسرة العلوية للأبد، وخلال الاحتفال بعيد الثورة استفزنى هذا الهجوم المنظم الذى قادته كتائب الإخوان الإلكترونية ضد عبدالناصر وضد الثورة وانساق وراءهم مجموعة من الشباب، الذين لم يقرأوا سطرًا واحدًا عن الظروف التى أحاطت بعبدالناصر وبثورة يوليو، واكتفوا بالأكاذيب التى صدرتها لهم اللجان الإلكترونية عن رغد العيش الذى كان ينعم به المصرى قبل يوليو، وكأننا لم نكن نعانى احتلالًا وانحلالًا وضعفًا وهزيمة، وهذا ما ذكرناه تفصيلًا فى المقالين السابقين.