الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

الذكرى الـ66 لثورة يوليو| ناصر قرأ 100 كتاب.. والسادات كاتب في الزنزانة

ناصر والسادات
ناصر والسادات
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
نشأ جيل ضباط يوليو على حب القراءة، عندما كانت "المُطالعة" مادة أساسية في نظام التعليم المصري، ومنها تفتحت شهية الكثير منهم على المزيد من الصفحات، فتعددت قراءاتهم في العسكرية والسياسة والأدب؛ إضافة إلى علاقتهم الوثيقة بفن السينما.
كان الرئيس الراحل محمد نجيب، أول رئيس لمصر بعد ثورة يوليو، وعاشقًا للقراءة ومحبًا للثقافة وقراءة الكتب لكبار الكتاب في مصر والعالم، واشترك مع رفيقه الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، في حب الروايات، خاصة أعمال توفيق الحكيم؛ وخلال فترة إقامته الجبرية، كانت غرفته التي يقيم فيها بها سرير يكاد يختفي من كثرة الكتب الموضوعة عليه، فقد كان يقرأ في مختلف العلوم والمجالات، مثل الطب والفلك والتاريخ وتفسير القرآن.
كان الرئيس جمال عبدالناصر، من "مشاهير القراء"، وهو الوصف الأبرز الذي كان يردده الأستاذ الراحل، كامل زهيري، واهتم الراحل في بداية حياته بالكتب العسكرية والاستراتيجية، وربما كانت هي ما دفعته فيما بعد للالتحاق بالكلية الحربية، بل وصار فيما بعد هو نفسه أستاذًا للعلوم الاستراتيجية بالكلية؛ وهناك حكاية شهيرة تؤكد ولَع عبدالناصر بالقراءة، هي ما رواه الكاتب الصحفي الراحل، محمد حسنين هيكل، في كتابه "سقوط نظام: لماذا كانت ثورة يوليو؟" أن عبدالناصر، كان قد زاره قبل الثورة برفقة زكريا محيي الدين، حيث قال "بقى ناصر طيلة ثلث ساعة يتابع الحديث صامتًا ولاحظته يطيل النظر في رفوف كتب تغطي حائطًا من غرفة مكتبي، وانتهز لحظة الصمت ليقول لي إنه تابع تحقيقاتي عن الحرب في فلسطين وانعقاد الدورة الاستثنائية للأمم المتحدة في باريس، وسأل عدّة أسئلة، وواصل جمال عبدالناصر، كلامه، فذكر أنه تابع ما نشرت عن ثورة إيران، وقال إنه توقّف كثيرًا أمام مشهد آية الله كاشاني، الذي خرج بتظاهرة ضد الشاه بعد أن اغتسل وارتدى الكفن، مستعدًا للقاء ربّه".
يحكي هيكل، أن الرئيس الراحل أبدى عدة ملاحظات، منها أنه شاهد مع باعة صحف كتابًا يضم ما كتبه هيكل عن إيران، عنوانه "إيران فوق بركان"، وسألته إذا كان يستطيع استعارة نسخة منه، وهو يتعهّد بإعادتها. 
وأضاف، أن الكتاب الذي كان يُباع بعشرة قروش- غالي الثمن، ولك المبلغ لا يستطيع مواطن عادي، أن يخصّصه لشراء كتاب، حسب قوله، كما استشهد بواحدة من روايات ديكنز الشهيرة، أثناء النقاش الذي دار حول مصير الملك فاروق، وقد انقسموا حوله بعد الثورة هل يحاكمونه أم يخرجونه إلى خارج البلاد، وإزاء احتداد الخلاف حول مصير الملك المعزول، صاح عبدالناصر، بقوله "‬إن الدماء ستزيد بالدماء، ويا جماعة افتكروا قصة "مدينتين" لتشارلز ديكنز".
ووفق الموقع الرسمي للرئيس الراحل، فإن عبدالناصر، قرأ أكثر من مئة كتاب كانت الأغلبية منها في فترة دراسته الثانوية، والكلية الحربية منها "بونابرت حاكم مصر" للكاتب شارل رو، و"مطلع حياتي" لـ"ونستون تشرتشل"، وتاريخ الثورة المصرية بأجزائه الثلاثة لـ"عبدالرحمن الرافعي، والحرب الحقيقية" لـ"ليدل هارت"، والحرب الآلية لـ"ماجور فولر"، والسيرة الذاتية لـ"هتلر"، ومن الكتب التي قرأها "أم القرى" و"طبائع الاستبداد" للكاتب السوري عبدالرحمن الكواكبي، الذي شنّ فيه ثورة عارِمة على استبداد الأتراك، وطغيانهم، ونهبهم لثروات الشعوب العربية، كما قرأ كتابات أحمد أمين، عن حركات التجديد في الإسلام، التي تحوي دراسات جمال الدين الأفغاني، والإمام محمّد عبده؛ وفي الأدب قرأ رواية "البؤساء"، لفيكتور هوجو، و"قصة مدينتين"، لديكنز، إضافة إلى رواية "أهل الكهف" لتوفيق الحكيم؛ وتركت رواية الحكيم "عودة الروح"، أعمق الأثر على عبدالناصر وشخصيته وإحساسه بأهمية دور الزعيم، وكانت النسخة التي قرأها موجودة في مكتبة منزله بمنشية البكري وخطط بقلمه تحت بعض العبارات التي لفتت نظره، ومن بينها المحادثة التي جرت بين عالِم الآثار الفرنسي، ومهندس الري الإنجليزي، حول الشعب المصري، الذي يفتقر إلى قائد مصري مخلص يقوده من الظلمات إلى النور.
وذكر الكاتب الفرنسي، جورج فوشيه، في كتابه "عبد الناصر ورجاله"، أنه ‬طلب أن يطلِّعَ على فهارس الإعارات بالمكتبة، أثناء دراسة عبدالناصر في كلية الضباط، فوجد أن استعاراته للكتب كانت تركِّز على فكرة الكتب التي تتناول التاريخ والاستراتيجيات والاقتصاد السياسي والجغرافيا السياسية والشخصيات الأبطال، وأن هذه القراءات شكّلت لدى عبدالناصر رؤية معينة للأحداث القائمة في وقتها، لذلك فهو تعبير واضح عن المثقف "الذي يعرف كل شيء عن شيء ويعرف شيئًا عن كل شيء"، حسب تعبيره.
أمّا عن الكتابة، فقد ألّف عبدالناصر، ثلاثة كتب وضع فيها أفكاره؛ ففي عام 1934 كتب "في سبيل الحرية" وهو كتاب من 120 صفحة، يتضمّن قصة كتبها وهو طالب في المدرسة الثانوية عن معركة رشيد 1807، وتم نشره عام 1959؛ وفي عام 1953 ألّف كتاب "فلسفة الثورة"، وهو كتاب من 216 صفحة، يشرح فيه فلسفته وأفكاره في الحقبة التي تزعمها، وكان أبرز ما فيها السعي نحو القضاء على الاستعمار، وتحرير دول العالم الثالث؛ كذلك كتب عام 1955 سلسلة من المقالات نشرتها مجلة آخر ساعة، تحت عنوان "يوميّات الرئيس جمال عبدالناصر وحرب فلسطين"، والتي جمعت في ما بعد في كتاب بنفس العنوان، وكان قد سجّل بخط يده يومياته عن حرب فلسطين، تحت قصف المدافع مرتين في اليوم الواحد.
السادات.. قراءات الزنزانة 54
أمّا الرئيس الراحل محمد أنور السادات، فقد غلبته نزعة الكتابة أكثر من شهوة القراءة، فقد كان يعتقد جازمًا أن عبدالناصر "مات من كثرة القراءة"، على حد قول أحد معاوني عبدالناصر، الذي عمل شهورًا إلى جانب السادات؛ وقد اشتهر بأن قراءة القرآن الكريم كانت هي الأقرب لقلبه، وفق ما ذكره بنفسه في كتابه "البحث عن الذات"، والذي حكى فيه سيرته الذاتية؛ لكن "الرئيس المؤمن" في فترة شبابه كان شغوفًا بقراءة الأدب العالمي، خاصة الأدب الإنجليزي، حيث اهتم بقراءة روايات وليام شكسبير وتشارلز ديكنز وفيكتور هوجو.
مارس السادات، كذلك الكتابة خلال فترة سجنه الانفرادية في الزنزانة 54 بالسجن الحربي، خلال اتهامه بقضية اغتيال أمين باشا عثمان، وزير المالية في حكومة الوفد، ورئيس جمعية الصداقة المصرية– البريطانية خلال الحرب العالمية الثانية، قبل أن تظهر براءته؛ ففي سجن الأجانب، الذي كان يقضي فيه فترة الحبس الاحتياطي رهن التحقيق، طلب من إدارة السجن الجرائد، فأحضروها له مع بعض الكتب، وفكّر في أن يقوّي نفسه في اللغة الإنجليزية، فطلب بعض الكتب الإنجليزية، فأرسل له هيكمان مأمور السجن، بعض القصص القصيرة باللغة الإنجليزية.
وأثناء فترة حبسه، مارس الراحل كتابة الأدب الساخر، حتى إنه أصدر مع رفاقه في السجن، صحيفة ساخرة، بعنوان "الهنكرة والمنكرة"؛ كذلك كان يكتب مقالات في الصحافة المصرية، مثل مجلة "المصور" قبل ثورة يوليو، وعقب الثورة تولى رئاسة مجلس إدارة صحيفة "الجمهورية" الناطقة بلسان الثورة، كما ألّف عددًا من الكتب أبرزها "يا ولدي هذا عمك جمال" و"وصيتي"؛ أمّا كتابه الأشهر "البحث عن الذات"، والذي روى فيه سيرته الذاتية منذ طفولته في قريته "ميت أبو الكوم"، بمحافظة المنوفية، وحتى رحلته التاريخية إلى القدس المحتلة، فيُعّد من أهم الكتب، التي أثرت الحياة السياسية، حيث ألقى الضوء على المتغيرات السياسية المختلفة لمصر خلال تلك الفترة، وذكر خلال الكتاب العديد من الوثائق المهمة عن حرب أكتوبر ومعاهدة السلام وغيرها.
وفي واحد من حواراتها الصحفية، نفت السيدة جيهان السادات، ما كان يتردد عن أن الرئيس الراحل لم يكن يقرأ التقارير والمراسلات، وليس لديه صبر على القراءة، وقالت إن هذا "غير صحيح على الإطلاق"، حسب تعبيرها، وأضافت أن السادات كان يقرأ بغزارة منذ شبابه‏‏ "وكانت الكتب من أهم محاور أحاديثنا المتبادلة، فكان يسألني عما قرأته وأقصه عليه، ويفعل معي بالمثل، وينصحني بقراءة بعض الكتب، خاصة حين انتقلنا إلى رفح بعد زواجنا وبعد الثورة، حيث كان السادات يعود في الثانية صباحًا، ومكثت عدة سنوات بدون أطفال فكانت القراءة هي كل حياتي،‏ وفي معظم البلدان التي كنا نزورها نحرص على اقتناء الكتب لنا وأولادنا".