الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

مئوية مولانا الفنان "3"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لا يعرف الشيخ إمام عيسى كيف وصل إلى «حوش قدم» بعد واقعة اختطافه وخروجه سالما على يد رجل طيب فى كوم الشيخ سلامة؟.. فى مدخل الحارة تسمر مولانا أمام محل مزين يستمع الى أغنية الست أم كلثوم «ليه تلاوعينى وأنت نور عينى» والتى كانت تذاع للمرة الأولى فى الإذاعة، انتبه الأسطى محمد بيومى صاحب المحل إلى هذا الكفيف الهائم مع اللحن، وبعد أن انتهت الأغنية طلب من الشيخ الدخول وقراءة «ربع»، تعرف أهل المنطقة على ابن قريتهم أبوالنمرس، فالتفوا حوله، معروف أن حارة حوش قدم يوجد بها أكبر تجمع لأهل أبوالنمرس، الذين يطلق عليهم «النمارسة»، وجدوا له غرفة فى بيت غانم النمرسى بثمانية قروش فى الشهر، كان يحكى «بفخر» بابتسامة عريضة «فى هذا البيت وحده كنت أقرأ فى ثلاث شقق، آخذ من كل واحدة خمسة قروش!»، كان هذا سنة 1936، وكان عمر الشيخ 18 عاما، يقرأ القرآن فى محلات الغورية، يحكى عن هذه الفترة بشجن وامتنان، وكيف كان الخير يغمر الناس، كان التجار الذين يقرأ عندهم يصلون الفجر ويفتحون محلاتهم، ويأتى العمال ويرشون الماء ويبخرون المحل، ثم يأتى «الفقى يقرأ».
ومن التقاليد العظيمة التى شهدها عند هؤلاء التجار، يأتى زبون لشراء شيء، ثم يأتى زبون آخر يطلب شيئا يكون موجودا عندهم، فينكرون وجوده ويدلونه على محل مجاور لكى «يستفتح» هو الآخر، بعد شهور دخل الشيخ درويش الحريرى للحلاقة عند الأسطى محمد بيومى، وكان من سكان الدرب الأحمر، وهو أستاذ محمد عبدالوهاب وزكريا أحمد ويدرس الموشحات فى معهد الموسيقى العربية، وأيضا القراءات فى معهد فؤاد، استمع إلى «إمام» وأعجب به، ويقول مولانا «لبدت فيه وقلت له: أنا قتيلك وأريد أن أتعلم»، لم يترك الشيخ درويش إلا فى فترة «الرواتب» التى تدر عليه الدخل الذى يستره، يحكى: «كنت أمشى معه طوال الليل وأذنى عند فمه.. كنت أسجل حتى «الزنة»، كنت أمام كنز، وجد فى استعداد للتعلم، كان غير المكفوفين الذين يتمتعون بقدر كبير من «الألاطة»!.
للشيخ حكايات جميلة سريالية عن عالم المكفوفين الذى يعتبر نفسه شيخ عامود فيه، مثلا يحكى: كان لنا صديق مكفوف نذهب إليه أنا والشيخ درويش فى الخرنفش، (الشيخ الحريرى كان مكفوفا أيضا) مع أكثر من عشرين مكفوفا، بزوجاتهم المكفوفات، نقسم الليلة على عدة أشياء، مرات مطارحات شعرية والمخطئ يدفع قرش صاغ، وفقرات للغناء وفقرات لشرب «الحجرين»، فى سنة 1939 تعرف وصادق الملحن العبقرى الشيخ زكريا أحمد، الذى كان يسهر يعد ألحانه لأم كلثوم عند عائلة «الشعبينى» فى حوش قدم، كان يسهر من 8 إلى 8، «كان ساحرا يقلد الحواة والفقهاء بتوع القرافة»، أحب زكريا إمام لأنه كلما سمع جملة يقولها معه من أول مرة فى الإعادة، وأحبه أيضا صاحب المكان وكان يدعى على الشعبينى، وهو من أسرة مغربية تعيش فى الحارة، التى لا تبعد كثيرا عن باب المغاربة بالأزهر الشريف، هذا البيت هو الذى سكنه نجم وإمام إلى أن تم تنكيسه بعد زلزال 1992، ويحكى إمام عن كرمهم معه ومع الآخرين أساطير، فى هذه الفترة كان يغنى كهاوٍ فى سبوع أو طهور أو عيد ميلاد، ويقول لأهل المناسبة بسبب قربه من زكريا «اسمعوا الأغنية التى ستغنيها الست الشهر المقبل»، تعلم أصول الموسيقى دون أن يتعلم العزف على العود، كان يعرف النغمات وأصولها والأرباع والأنصاف والمقامات، وكان يظن أن المكفوفين لا يتعلمون العود، إلى أن جاءت سهرة وعزف فيها العواد الماهر كامل الحمصانى، وعزف زميل مكفوف، فجن جنون الشيخ إمام، علمه زميله هذا كيف يضع أصابعه على الأوتار وبعض الأساسيات فى خمس حصص، وبدأ يمرن نفسه على العود الذى اشتراه بخمسين قرشا، فى 1945 خلع الجبة والقفطان، لا يجوز أن يحمل العود وهو يلبسهما.. وبدأ الغناء كمحترف وترك احتراف قراءة القرآن، وللحديث إذا أراد الله بقية.