الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

العالم

شبح المكتب الأسود يخيم على الإليزيه

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أعادت فضيحة الحارس الخاص للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، التي باتت تعرف بفضيحة "بينالا جيت" التذكير بشبح الخلية السرية التي كانت تعمل في الإليزيه خارج إطار القانون والنظام العام في فترات عديدة من تاريخ فرنسا، عبر مكتب خاص في بدروم قصر الإليزيه كان يطلق عليه بالفرنسية "Le cabinet noir" أو المكتب الأسود.
وجمع الحارس الشخصي للرئيس ماكرون ويدعى "الكساندر أن بانجو" 26 سنة، في صفاتة الشخصية والمهنية كل ملامح الصفات المطلوبة للشرطة الموازية "أعضاء المكتب الأسود"، بل إن هناك شائعات تدور الآن في اوساط النخبة الفرنسية حول علاقة الرجل بالمافيا في كل من فرنسا والمغرب.
وخلال الثماني والأربعين ساعة الماضية تشكلت في فرنسا ثلاث لجان تحقيق لمعرفة طبيعة هذه الشخصية، وكشف الستار عن طبيعة عمله خاصة في معية الرئيس ماكرون بعد ثبوت ذهابه مع الشرطة المكلفة بالتصدى لمظاهرات الأول من مايو دون أي سند من القانون، وارتدى زي الشرطة من خوذة وشارة دون أن يكون مخولا لذلك، والأخطر من هذا كله أن القسوة الشديدة التي استخدمها في التعامل مع المتظاهرين تمت تحت أعين رجال شرطة حقيقيين، استسلموا لما يفعله ولم يمنعوه حسب ما تبين في أشرطة الفيديو المختلفة التي يتم الآن التحقيق فيها بعدما انتشرت كالنار في الهشيم في كل وسائل الإعلام الفرنسية والغربية.
ديجول والمكتب الأسود:
شبح (المكتب الأسود) هو بقعة سوداء حالكة في ثوب الديمقراطية الفرنسية العريقة تعود قصته لعصر الجنرال الكبير "شارل ديجول" عندما شرع في تنظيم المقاومة السرية ضد الاحتلال النازى لفرنسا عام 1941 عندما حاول "ديجول" في ظروف صعبة، استقطاب كل فصائل الشعب الفرنسي بمن فيهم الشيوعيين واليمينيين المتطرفين بل وعصابات المافيا، خاصة تلك المنتشرة وقتها في مارسيليا وكورسيكا ونيس، لتجييشهم للمقاومة ضد النازيين.
وعندما نجحت المقاومة وتحررت فرنسا من الاحتلال الألماني، أراد الزعيم الكبير مكافأة الجميع فادخل الشيوعيين في الحكومة، وجعل من عصابات المافيا تشكيلا سريا يعمل لصالح الرئاسة فيما يعرف باسم «Le sac» وهو اختصارا لجملة "جهاز خدمة العمل المدنى".
وكلف الزعيم الراحل مؤسس الديمقراطية الحديثة في فرنسا هذا الجهاز الجديد بالقيام بالعمليات الخاصة، قبل أن تطلب أجهزة الدولة من "ديجول" حل تلك المنظمة بعد أن قام بعض أعضائها بعمليات خارج إطار القانون.
بومبيدو وحل الجهاز:
كان أول قرار اتخذه الرئيس "جورج بومبيدو" الذى تولى الرئاسة في فرنسا عام 1970 بعد رحيل "ديجول" عن السلطة، هو حل هذا الجهاز، ولكن بعد أن انخرط عدد من رجاله في سلك العمل السياسى وأصبحوا وزراء كبار في الدولة الفرنسية، كان أشهرهم "شارل باسكوا"، الذى أصبح وزيرا للداخلية عدة مرات في وزارات مختلفة للرئيس "جاك شيراك" والرئيس ساركوزي .
ميتران وعودة المكتب الأسود:
نسى الفرنسيون مع الزمن تلك الخلايا السوداء التي تعمل لصالح الرؤساء بشكل غير مشروع حتى جاء الرئيس "فرانسوا ميترا" عام 1981 وأعاد "المكتب الأسود" إلى قصر الإليزيه لغرض واحد فقط هو حماية سمعته حتى لا يعرف الفرنسيون أن لدى الرئيس عشيقة تدعى "آنبان جو" وأن له منها ابنة تدعى "مازارين".
وانطلقت هذه الأجهزة السرية في التنصت على الصحفيين والشخصيات العامة والسياسية وخصوم الرئيس، بل وصل الأمر إلى ممثلين وممثلات في السينما الفرنسية، كما احترفت تلك الخلايا اطلاق الشائعات لتحطيم المستقبل السياسى والمهنى لأي صحفى يحاول الاقتراب من نقطة عشيقة الرئيس، ولعل أهم هؤلاء الصحفيين الذين تجرعوا مرارة تلك الملاحقات من جراء تلك الخلية السرية هو الصحفى الشهير "ادوى بلانل" الذى أقسم بأن يؤسس موقعا يلاحق الرؤساء والوزراء ورجال الأعمال والفاسدين في كل اتجاه. هذا الموقع المعروف عالميا اليوم باسم "ميديا بارت".
الغريب أن كل هذا المهارات التي تتجمع في منطقة ما بين المافيا والسياسة تواجدت في شخصية "اليكساندر بينالا" الحارس الشخصى للرئيس ماكرون الأمر الذي أدى بزعيم المعارضة في الجمعية الوطنية الفرنسية "جان لوك ميلانشون" للمطالبة بالتحقيق في وجود "مكتب أسود" في قصر الإليزيه في عهد "ماكرون"، الأمر الذي يعنى أن تلك الفضيحة لن تقف عند هذا الحد، وإنما يمكن أن تتعدى ذلك إلى البحث في إمكانية وجود "المكتب الأسود" تلك الفكرة والمنظمة التي كانت قد اختفت لوقت طويل، ما يهدد الديمقراطية الفرنسية التي قامت على مبادئ الحرية والمساواة والإخاء.