الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

الأب دكاش: للعطاء قيمة أساسية في الإسلام والمسيحية

الأب البروفسور سليم
الأب البروفسور سليم دكاش رئيس جامعة القديس يوسف
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أقام مركز الدراسات الجامعية - فرع الشمال، حفلًا تكريميًّا لشخصيّات سياسيّة، اجتماعيّة ومصرفيّة أسهمت وتُسهم في دعم مركز القدّيس يوسف الجامعيّ في الشّمال، برعاية الأب البروفسور سليم دكاش رئيس جامعة القديس يوسف.
ألقى الأب دكاش كلمة جاء فيها: "عشاء الصّداقة والمحبّة، تكريمًا لمن أعطوا ولمن سيعطون لصالح طلاب أرادوا العلم الطّيّب والممتاز ولم يستطيعوا إلى ذلك سبيلًا، إلا بفضل أولئك الذين آمنوا بأنّ العلم هو السّبيل النّاجع والنّاجح للتّقدّم والتّطوّر والنّموّ الشّخصيّ والجماعيّ والوطنيّ فواجب علينا أنّ نكرّم شخصيّات ومجموعات أعطت بروح المسؤوليّة الاجتماعيّة وما زالت تُعطي، وواجب علينا أنّ نطلق النّداء من أجل جمع المنح التي نحن بحاجة إليها لتغذية صندوق التّعاضد الاجتماعيّ من أجل نصرة طلابنا. وإلى كلمة الشّكر لكم جميعًا، كيف لا أوّجه خالص شكري وامتناني إلى تلك الّتي عملت بكد وجهد واقتناع لإنجاح هذا اللّقاء خلال العشاء، عنيت بها الأستاذة المديرة فاديا علم الجميل، فإليها وإلى فريق عملها وكلّ الذين دعموا تنظيم هذا الاحتفال أسدي شكر الجامعة من الفكر والقلب. وإن رفعت الشّكر فلا بدّ لي أن أشكر ربّ العالمين واهب الخيرات ومحقق المعجزات الذي أعطانا ويجدد عطاءه لرسالة تربويّة أكاديميّة على مستوى التّعليم العالي مؤتمنين عليها بقدر من المجانيّة وبكثير من الإيمان.
نريد أن تكون مناسبة للاحتفال بالعطاء، بوصفه قيمة هي من قيم السّماء وفضيلة تحقيق الإنسان ذاته من خلال ممارستها، فقد بجلتها الأديان السّماويّة من المسيحيّة والإسلام ومجدتها، وكذلك أئمة الفكر المنفتح على مرّ العصور. نسمع فيلسوف الأرز الكاتب النّبيّ جبران خليل جبران يقول: ثمّ قال له رجل غنيّ: هات حدّثنا عن العطاء، فأجاب قائلًا: إنك إذا أعطيت فإنّما تعطي القليل من ثروتك. ولكن لا قيمة لما تعطيه ما لم يكن جزءًا من ذاتك، من النّاس من يعطون قليلًا من الكثير الذي عندهم ومنهم من يملكون قليلًا ويعطونه بأسره، ومنهم المؤمنون بالحياة وبسخاء الحياة، هؤلاء لا تفرغ صناديقهم وخزائنهم ممتلئة أبدًا، ومن النّاس من يعطون بفرح، وفرحهم مكافأة لهم، ومنهم من يعطون بألم، والألم معموديّة لهم". ويختم جبران قائلًا: جميل أن تعطي من يسألك ما هو في حاجة إليه. ولكن أجمل من ذلك أن تعطي من لا يسألك وأنت تعرف حاجته.
وإن كان للعطاء في حكمة الفيلسوف مكانته وقيمته كمحقق لإنسانيّة الإنسان تُجاه أخيه الإنسان فإنّ له قيمة أساسيّة في الإسلام والمسيحيّة. ففي كتاب الله، قول سماويّ نختاره من سورة الليل، يقول: " فأمّا من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى". وأما سورة الإسراء فتقول: "أشهد أن لا إله إلا الله وحده" القائل "وما كان عطاء ربّك محظورًا"، يضاف إلى ذلك ما جاء في سورة الضحى: "ولسوف يعطيك ربّك فترضى". العطاء هو دعوة للإنسان أن يتمثّل بما يقوم الله هو نفسه تجاه عباده، إنّه باب مشرع لكلّ فئات النّاس وطبقاتهم وهو سهل يسير، علاقة تضحية ببذل النّفس في سبيل الله عزّ وجلّ.
أمّا المسيحيّة فهي تدعو المؤمن أن يكون كريمًا معطاء وهذا جزء من التّغيير الّذي يحدث في شخصية الإنسان عندما يصير خليقة جديدة في المسيح يسوع، وهي الطّريقة الفضلى التي من خلالها نظهر لله شكرنا وعرفاننا، حيث يدعو الإنجيل بحسب لوقا تلاميذ المسيح إن أرادوا أن يكونوا تلاميذ له أن: "بيعوا ما تملكون وتصدقوا به"، ويقول الإنجيليّ متّى: " إن أردت أن تكون كاملًا فاذهب وبع أملاكك وأعط الفقراء، فيكون لك كنز في السّماء"، وها هو مار بولس في رسائله يدعو النّاس إلى "أن يكونوا أغنياء في أعمال صالحة، وأن يكونوا أسخياء في العطاء، كرماء في التّوزيع، مدخرين لأنفسهم أساسًا حسنًا للمستقبل، لكي يمسكوا بالحياة الأبديّة". والمعطي لا يتصدّق باستعلاء على المعطى إليه لكنّه يعطي على صورة الله الآب للابن والابن للآبّ في الرّوح القدس أيّ بتواضع وسرّيّة ومحبّة. فكلّ ما هو لي هو لك وكل ما هو لك فهو لي يقول السّيّد المسيح. فالعطاء هو من ثمار المحبّة الّتي تجمعنا والتي تزيدنا عدلًا وبرًّا في المسيح يسوع.
في عصر يغلب عليه طابع الماديّة والأنانيّة، تبقى فضيلة التّضامن هي الغالبة بيننا نحن اللّبنانيّين خصوصًا عندما يتعلّق الأمر بالتّعليم الذي هو رأسمالنا والثّقافة التي هي أساس بيتنا. وعندما يتعلّق الأمر بالجامعة اليسوعيّة، فإنها احتفظت لنفسها منذ تأسيسها أن تكون الجامعة للجميع من كلّ الفئات والمذاهب والجماعات، وخصوصًا أولئك الذين يريدون الشّهادة المتينة الصّادقة ولا يملكون ما يتيح لهم الوصول إليها إلا بفضلكم وعطائكم. إنهم أكثر من أربعة آلاف طالب توزع عليهم سنويًّا ميزانيّة تصل إلى ثمانية عشر مليون دولار أميركيّ ومنهم كثيرون من مركز الجامعة في طرابلس والشّمال. فهلا نتعاون للمساعدة لتأهيل شبيبة لبنان والإعلاء من شأنهم ثقافيًّا ومهنيًّا فيكونوا مثل الكثيرين من المتخرّجين سفراء لبنان، سفراء قيم الثّقافة الإنسانيّة، سفراء قيم المحبّة والعيش المشترك والحرّيّة والعطاء؟".