الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الشيخ حمزة فتح الله وحقوق المرأة في الإسلام «10»

مصابيح في دائرة الظل

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يصنف المعنيون بدراسة الفكر العربى الحديث، أعلامه واتجاهاتهم إلى محافظين ومجددين ومتطرفين مبددين، وذلك تبعًا للنسق العام لخطاباتهم ووجهة مشروعاتهم وانطلاقاتهم وموقفهم من قضايا: التراث والتجديد والحرية والوعى والإصلاح. 
غير أن هذا الدرب من التصنيف لا يصدق إلا على أصحاب المدارس الفكرية الكبرى، أعنى الاتجاهات النهضوية والمنابر التنويرية التى ظهرت فى مصر والشام وتونس منذ العقد الثالث من القرن التاسع عشر، أما المفكرون غير النسقيين فكانت موقفهم تتباين -إلى حد التناقض- وفقًا للقضايا المطروحة باعتبارها المحرك الأول للأفكار والآراء، فنجد من بين هؤلاء المفكرين من ينتمى إلى الاتجاه المحافظ فى تناوله قضايا الأدب واللغة، ونألفه ثائرًا متحمسًا لقضايا الحرية على النموذج الأوروبى، ونرى منهم من ينضوى تحت راية الليبراليين فى ميدان العقيدة والسياسة، وسرعان ما ينقلب على وجهته انتصارًا للعادات والتقاليد خلال مناقشته قضايا المرأة وحجابها، ويعنى ذلك أنه ليس من الغريب أن نجد من التقليديين المتشيعين للموروث والمنافحين عنه من يدافع عن قضايا العلم الحديث وضرورة الأخذ به للقضاء على الخرافة والبدع وتخليص العادات والتقاليد من الآفات التى أفسدها الجهل، بل انتحال بعض النظم والمناهج الغربية فى شتى الميادين -ما دامت لا تتعارض مع الثوابت الشرعية ومقاصدها- وينادى بتحرير المرأة ويدافع عن حقوقها التى سُلبت منها وحرمتها من إنسانيتها باسم الدين تارة والمجتمع الذكورى تارة ثانية وجهل المتعالمين تارة ثالثة، وأحسب مفكرنا الذى سوف نتحدث عنه على هذه الشاكلة، ومن هذا الصنف من المثقفين. 
هو الأديب واللغوى والمتكلم والناقد والمحقق حمزة فتح الله حسين المصرى بن محمد التونسى «١٨٤٩ – ١٩١٨» ولد بالإسكندرية، وتلقى تعليمه الأولى فى مدارسها، ثم التحق بجامع «إبراهيم باشا» ومنه إلى الأزهر. وقد وجد مفكرنا -فور تخرجه فى الأزهر- ضالته فى الصحافة الأدبية. 
وفى عام ١٨٨٢ عين مفتشًا للغة العربية فى وزارة المعارف، وفى عام ١٨٨٦ سافر إلى فيينا لحضور مؤتمر المستشرقين عن الحضارة العربية، وفى عام ١٨٨٩ سافر مبعوثًا من قبل الباب العالى لحضور مؤتمر المستشرقين عن الحضارة العربية أيضًا فى أستكهولم عاصمة السويد، وقد ألقى الشيخ حمزة فتح الله بحثًا بعنوان «باكورة الكلام على حقوق النساء فى الإسلام»، تناول فيه موقف الإسلام من العلم والعقل والمجتمع الإنسانى، ثم انتقل إلى حقوق المرأة، وأوضح سبق الإسلام لتكريمها، والحث على تعليمها وعدم ممانعته لاندماجها فى المجتمع، فتعمل بجانب الرجال غير منفصلة عن الحياة وشئونها، بل كان لها الحق فى المشاركة فى أمور الحكم والمعارضة السياسية، والاشتراك فى الأمور الحياتية. 
وفى عام ١٩١٠ عُين مفتشًا أول للغة العربية فى وزارة المعارف، وفى هذه الآونة كف بصره، غير أنه استمر فى القراءة والكتابة فى الصحف وداوم الحضور فى حلقات العلم والمنتديات الثقافية والأدبية. 
وفى عام ١٩١٢ أحيل إلى المعاش مودعًا الوظيفة الحكومية فى ميدان التربية والتعليم، غير أن قلمه ولسانه لم يتوقفا عن إثراء الحياة الثقافية فى ميدان الأدب والعقيدة واللغة. وتشهد بذلك آثاره المنشورة والمخطوطة، ومن المؤسف أن هذا الرجل لم يأخذ حقه بين رصفاء اللغويين والأدباء، ولم يذكر اسمه من بين الداعين لحرية المرأة.
وأعتقد أن ذروة إبداعاته تتمثل فى ذلك الكتاب الذى يستحق به موقع الريادة ألا وهو كتاب «باكورة الكلام على حقوق النساء فى الإسلام» الذى لم يسبقه فى موضوعه سوى بعض المقالات كتبها أحمد فارس الشدياق وبطرس البستانى، ثم كتاب «المرشد الأمين» لرفاعة رافع الطهطاوى عام ١٨٧٢. وقد سبق كتاب الشيخ حمزة فتح الله كتاب قاسم أمين «تحرير المرأة» ١٨٩٩ أى بعشر سنوات. 
وسوف نوجز فى السطور التالية أهم آراءه، التى تعد بدون أدنى شك سابقة لثقافة عصره، ومن هنا يأتى موطن المفارقة فى شخصية حمزة فتح الله ومواقفه من القضايا المطروحة فنجده يجمع بين ذروة التقليد فى اللغة والبلاغة والأدب وقمة التجديد فى قضايا الحرية والاجتماع.
وإذا ما انتقلنا إلى قضايا المرأة -كما تناولها مفكرنا- فسوف ندرك إلى أى حد كان هذا العالم مجددًا، فقد طرق العديد من الأبواب لم يسبقه أحد إليها، فبين أن الشريعة الإسلامية قد وضعت الأسس القويمة للعلاقة بين الرجل والمرأة بداية من مشروعية الحب بينهما وانتهاء بأسباب الطلاق ومضاره ومآلاته، وجاءت كتاباته -فى هذا المضمار- أقرب إلى النصائح والتحاذير والواجبات والمنفرات، والحلال الطيب والحرام المنهى عنه بوصفه شرًا فى ذاته أو فى عواقبه ومآلاته، وجميع ذلك مستمد من القرآن وسنة النبى.
فذهب إلى أن الحب والألفة والتراحم والقبول وطيب العشرة من أهم مقومات العلاقة بين الجنسين، وبين أن الحب ليس مرادفًا للشهوة الجسدية، ولا مبررًا للمطامع المادية، ولا مدفوعًا بمؤثرات خارجية، بل هو تآلف وقبول من قبل الاثنين، فإذا لم يحدث هذا القبول فلا ينبغى على ولى الأمر أن يدفع ببناته أو أخواته أو بمن يقعن تحت ولايته إلى زيجة طمعًا فى نسب أو مال أو عصبية. ونهى عن الزواج من الأقارب حتى لا تورث الجينات الضارة، واستشهد بحديث رسول الله الذى رغب فيه عن الزواج من غير العصب، كما بين مفكرنا أن الغاية من الزواج هو بناء أسرة سوية تبدأ بالتفاهم والانسجام بين القرينين، وتنتهى بحسن تربية الأبناء وتنشئتهم نشأة صالحة، وعليه نفر من زواج المصلحة وزواج الشهوة، ونصح الرجال والنساء أن يختاروا من يمتلك الباءة فى عقله وجسده وماله. ومن يراعى الله ويخافه فى دنياه ودينه، ودعا إلى عدم المغالاة فى المهور أو التسرع فى تخير الأزواج إلا بعد استقصاء وتقصٍ، كما حذر من الكذب من قبل المتحابين أثناء الخطبة أو إخفاء ما يكرهه أو يسىء إلى أحدهما بغية التجمل وستر العوائد المنفرة، الأمر الذى لا يحمد عواقبه عند كشف المخبى وفضح المحجوب، كما حث الرجال على أن يتطيبوا ويعتنوا بنظافة أجسادهم شأن النساء، وأن يكون كل منهما حريصًا على أن يبدو فى أكمل هيئة وأجمل صورة قبل الزواج وبعده وقبيل الجماع، مبينًا أنه لا يليق أن تتجمل المرأة وتتهيأ لرجل لم يراعِ شعورها وأحاسيسها ومزاجها ورغباتها، لا سيما قبل العلاقة الحميمة. 
كما حث الرجال إذا ما غابوا عن زوجاتهم ألا يعاودهن فجأة أو يطلبهن للفراش عنوة، بل يجب عليهم إبلاغهن بموعد اللقاء حتى تتمكن المرأة من تهيئة نفسها نفسيًا وجسديًا، كما حذر من أنانية الرجل فى الفراش فيأتى زوجته حتى ينال مأربه ثم يتركها دون ذلك كوطأ البهائم. 
كما على الزوج الغلظة فى الحوار والشدة فى التوجيه، والشح فى المال، والتهديد والوعيد طلبًا فى الطاعة، ونهاهم أيضًا عن تعدد الزوجات دون حاجة، شريطة الباءة والعدل، ونفر من الرجل المطلاق الغضوب العجول، ومن المرأة التى لا تسأل زوجها عن مصدر ماله إن كان حلالًا أو حرامًا، وأن تكون حريصة على ألا تثقل على كاهله من النفقات ما لا يطيق، كما حذر الرجال من هجر زوجاتهم أو الإساءة إليهن باللسان أو اليد، والتلاعب بشرع الله، فالهجر أو الضرب لا يرمى إلى الإيذاء بل إلى التعبير عن الغضب والكراهة، وأن يتجنب ما يضايقهن، وأن يرفق بهن فيما يطلب منهن من أعمال، وأن يساعدهن فى الأعمال المنزلية، وألا يجامعهن إلا فى مكان مناسب بمنأى عن عيون الأغراب والأبناء، وأن يراعى فى ذلك آداب الجماع وخلق الفراش، كما وردت فى الخبر والسنة النبوية.
كما نبه النساء بخطورة إفساد سر الأسرة والمخادع وإهدار مال الرجل وحسد الجيران، والخروج دون استئذان، والغيرة المفرطة، وكثرة اللوم والمعايرة وتكرار العبارات المثبطة، واختتم نصائحه فى هذا السياق بهذه الكلمات: «انهِ عن المظالم وأكل أموال الناس بالباطل، والاكتساب من غير حلِ، وذلك ابعث على العمران وإنماء النفس بالمال، فإذا الأمة آمنت فى سربها (أى مجتمعها) وضحت فى جسمها، وأيقنت أنها لا تظلم ولا تُظلم، ووطنت نفسها على هذا الأمر فحسن النظام وازداد العمران».