الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الفاعل والمفعول به

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بمناسبة ما تمر به منطقتنا العربية الفترة الحالية، والشقاق المتزايد بين الجميع، وجذور تلك الصراعات، سنلقي نظرة في البداية على تبعات مشروع «سايكس بيكو»، ثم ندخل بتفاصيل مشروع «لويس- بريجنسكي»، فهذه المشاريع المتلاحقة هدفها الأساسي تقسيم الجغرافيا والديموجرافيا العربية كشرط أساسي لقيام دولة إسرائيل الكبرى، ولنبدأ بمشروع اتفاقية سايكس- بيكو- سازانوف عام ١٩١٦، والتي كانت تفاهما سريا بين فرنسا والمملكة المتحدة بمصادقة من الإمبراطورية الروسية على اقتسام الهلال الخصيب بين فرنسا وبريطانيا لتحديد مناطق النفوذ في غرب آسيا بعد تهاوي الإمبراطورية العثمانية، المسيطرة على هذه المنطقة، في الحرب العالمية الأولى.
تم الوصول إلى هذه الاتفاقية بين نوفمبر ١٩١٥ ومايو ١٩١٦ بمفاوضات سرية بين الدبلوماسي الفرنسي فرانسوا جورج بيكو والبريطاني مارك سايكس، وكانت على صورة تبادل وثائق تفاهم بين وزارات خارجية فرنسا وبريطانيا وروسيا القيصرية آنذاك.. تم الكشف عن الاتفاق عقب وصول الشيوعيين إلى سدة الحكم في روسيا عام ١٩١٧، مما أثار الشعوب التي تمسها الاتفاقية وأحرج فرنسا وبريطانيا، وكانت ردة الفعل الشعبية والرسمية العربية المباشرة قد ظهرت في مراسلات حسين ومكماهون.
بموجب ذلك تم تقسيم الهلال الخصيب، وحصلت فرنسا على «سوريا ولبنان ومنطقة الموصل في العراق»، أما بريطانيا فامتدت مناطق سيطرتها من طرف بلاد الشام الجنوبي متوسعًا بالاتجاه شرقا لتضم بغداد والبصرة وجميع المناطق الواقعة بين الخليج العربي والمنطقة الفرنسية في سوريا، كما تقرر أن تقع فلسطين تحت إدارة دولية يتم الاتفاق عليها بالتشاور بين بريطانيا وفرنسا وروسيا، كما نص الاتفاق على منح بريطانيا ميناءي حيفا وعكا على أن يكون لفرنسا حرية استخدام ميناء حيفا، ومنحت فرنسا لبريطانيا بالمقابل استخدام ميناء الإسكندرونة الذي كان سيقع في حوزتها.
لاحقا وتخفيفا للإحراج الذي أصيب به الفرنسيون والبريطانيون بعد كشف هذه الاتفاقية، ووعد بلفور، صدر كتاب تشرشل الأبيض سنة ١٩٢٢ ليوضح بلهجة مخففة أغراض السيطرة البريطانية على فلسطين. إلا أن محتوى اتفاقية سايكس- بيكو تم التأكيد عليه مجددا في مؤتمر سان ريمو عام ١٩٢٠.. بعدها، أقر مجلس عصبة الأمم وثائق الانتداب على المناطق المعنية في ٢٤ يونيو ١٩٢٢.
لإرضاء أتاتورك واستكمالا لمخطط تقسيم وإضعاف سوريا، عقدت في ١٩٢٣ اتفاقية جديدة عرفت باسم «معاهدة لوزان»، لتعديل الحدود التي أقرت في معاهدة «سيفر». تم بموجب معاهدة لوزان التنازل عن الأقاليم السورية الشمالية لتركيا الأتاتوركية، إضافة إلى بعض المناطق التي كانت قد أعطيت لليونان في المعاهدة السابقة.
قسمت هذه الاتفاقية المشرق العربي إلى دول وكيانات سياسية كرست الحدود المرسومة حاليًا؛ حيث استقل العراق عام ١٩٣٢، أما بالنسبة لسوريا فقد تم فصل لبنان عنها ككيان مستقل عام ١٩٤٣، واستقلت باقي سوريا عام ١٩٤٦، أما الأقاليم السورية الشمالية فقد ضمت لتركيا، أما الأردن فقد استقل عام ١٩٤٦، وأما بالنسبة لفلسطين ما أن انتهى مفعول انتداب عصبة الأمم عليها يوم ١٤ مايو ١٩٤٨، وجلاء البريطانيين عنها حتى أعلن في اليوم التالي عن قيام الكيان الصهيوني المدعو بدولة «إسرائيل» فوق أجزاء كبيرة من حدود الانتداب البريطاني على فلسطين، ومنذ ذلك الوقت بدأ الصراع العربي- الصهيوني، وعليه فقد قسمت فلسطين التاريخية إلى ثلاث وحدات سياسية، وهي إسرائيل والضفة الغربية وقطاع غزة، وفي عام ١٩٩٤ قامت السلطة الوطنية الفلسطينية كسلطة شبه مستقلة تأسست وورثت أجزاء ضيقة من حدود الانتداب البريطاني السابق على الضفة الغربية لنهر الأردن ومنطقة غزة التي كانت تتبع مصر إداريًا. 
بعد هذا السرد التاريخي نخوض فى تفاصيل مشروع لويس- بريجنسكي المكمل لمشروع سايكس- بيكو، ولكن بوجوه مختلفة ومراحل وفترات زمنية مختلفة، والهدف هو استكمال مخطط تقسيم المقسم بالوطن العربي؛ ففي عهد جيمي كارتر الذي كان رئيسا لأمريكا في الفترة من ١٩٨١-١٩٧٧، تم وضع مشروع التفكيك بمعرفة برنارد لويس المستشرق الأمريكي الجنسية، البريطاني الأصل، اليهودي الديانة، الصهيوني الانتماء، الذى وصل إلى واشنطن ليكون مستشارا لوزير الدفاع لشئون الشرق الأوسط، وهناك أسس فكرة تفكيك البلاد العربية والإسلامية، ودفع الأتراك والأكراد والعرب والإيرانيين ليقاتل بعضهم بعضا، وهو الذي ابتدع مبررات غزو العراق وأفغانستان.
فقد وضع برنارد لويس مشروعه بتفكيك جميع الدول العربية والإسلامية إلى مجموعة من الكانتونات والدويلات العرقية والدينية والمذهبية والطائفية، وأوضح ذلك بالخرائط التي أوضح فيها التجمعات العرقية والمذهبية والدينية، والتي على أساسها يتم التقسيم، وسلم المشروع إلى بريجنسكي مستشار الأمن القومي في عهد جيمي كارتر، والذي قام بدوره بإشعال حرب الخليج الثانية حتى تستطيع الولايات المتحدة تصحيح حدود سايكس- بيكو ليكون متسقا مع المصالح الصهيوأمريكية، ووافق الكونجرس الأمريكى بالإجماع وفي جلسة سرية عام ١٩٨٣، وتم تقنين المشروع واعتماده وإدراجه في ملفات السياسة الأمريكية الاستراتيجية المستقبلية، وهي الاستراتيجية التى يتم تنفيذها بدقة وإصرار شديدين بهذه المرحلة تحديدا، ولعل ما يحدث في المنطقة من حروب وفتن يدلل على هذا الأمر.
وقد كان مبرر برنارد لويس لهذا المشروع التفكيكي هو أن العرب والمسلمين قوم فاسدون فوضويون، لا يمكن تحضرهم، وإذا تركوا لأنفسهم فسوف يفاجئون العالم المتحضر بموجات بشرية إرهابية تدمر الحضارات، وتقوض المجتمعات، ولذلك؛ فإن الحل السليم للتعامل معهم هو إعادة احتلالهم واستعمارهم، وتدمير ثقافتهم الدينية وتطبيقاتها الاجتماعية، وفي حال قيام أمريكا بهذا الدور؛ فإن عليها أن تستفيد من التجربة البريطانية والفرنسية فى استعمار المنطقة لتجنب الأخطاء والمواقف السلبية التى اقترفتها الدولتان، مضيفا أنه من الضروري إعادة تقسيم الأقطار العربية والإسلامية إلى وحدات عشائرية وطائفية، ولا داعي لمراعاة خواطرهم أو التأثر بانفعالاتهم وردود الأفعال عندهم، ويجب أن يكون شعار أمريكا في ذلك، إما أن نضعهم تحت سيادتنا، أو ندعهم ليدمروا حضارتنا، ولا مانع عند إعادة احتلالهم أن تكون مهمتنا المعلنة هي تدريب شعوب المنطقة على الحياة الديمقراطية، وخلال هذا الاستعمار الجديد لا مانع أن تقدم أمريكا بالضغط على قيادتهم الإسلامية- دون مجاملة ولا لين ولا هوادة- ليخلصوا شعوبهم من المعتقدات الإسلامية الفاسدة، ولذلك يجب تضييق الخناق على هذه الشعوب ومحاصرتها، واستثمار التناقضات العرقية، والعصبيات القبلية والطائفية فيها، قبل أن تغزوها أمريكا وأوروبا لتدمر الحضارة فيها، وبهذا نكون قد وفرنا كل مقومات الحياه لقيام دولة إسرائيل الكبرى.
الآن، وبعد ما سردناه، نستطيع أن نقرأ بواقعية حقيقة واقعنا اليوم؛ فهدف كل هذه المشاريع تقسيمنا جغرافيا وديمجرافيا لتسهيل قيام دولة إسرائيل الكبرى، فهدف صهاينة العالم اليوم هو تأمين كيانهم بالمنطقة، وتوسيع نفوذه إلى أقرب نقطة تستطيع من خلالها أن تكون هي السيد المطاع لمجموع ثلاثة وخمسين كيانا عرقيا ومذهبيا ودينيا، يسعى الآن القائمون على هذا المشروع وبالتعاون مع بعض المستعربين والمتأسلمين لتأسيسها وقيامها بالمنطقة. 
علينا أن نعرف أنه ما لم تحدث صحوة لشعوب المنطقة وتوحدها خلف قيادات وطنية مخلصة لتصحيح مسار المنطقة والوقوف بوجه تلك المشروعات الهدامة فإننا نكون بذلك نسهم بتنفيذها.
حفظ الله مصر وشعبها وجيشها...