الجمعة 10 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

كيف فقد العالم الإسلامي حرية الاختيار؟

«هربرت ماكماستر»
«هربرت ماكماستر» و «دونالد ترامب»
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تناولت مجلة السياسة الخارجية الأمريكية فى مقال كتاب بعنوان «كيف فقد العالم الإسلامى حرية الاختيار؟»، حيث ركز كاتب المقال - وفقًا للكتاب - على حرية التعبير التى تضاءلت فى العالم الإسلامى وفقًا للأوضاع القائمة فى البلدان الإسلامية. 
ووفقًا للمجلة فقد كانت كابول مُنفتحة للغاية فى السبعينيات، على عكس ما أصبح عليه الوضع حاليًا، لذلك، عندما يحتاج مستشار الأمن القومى «هربرت ماكماستر» لإقناع الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب» بأن هناك أملًا فى أن تعود باكستان لما كانت عليه سابقًا، يذكره بصورة الفتيات اللاتى كن يرتدين تنانير قصيرة فى الماضى، على أن يعد الهدف من ذلك هو إظهار أن هذا البلد كان يتبنى القيم الديمقراطية الغربية فى يوم من الأيام، ويمكن أن يحدث ذلك مرة أخرى إذا قدمت له واشنطن يد العون والمساعدة، ولكن انعكس الأمر لدى «ترامب» وقرر زيادة حجم القوات العسكرية، فصورة القيم الغربية التى كانت موجودة فى باكستان بالماضى، كانت تمثل النخبة الحضرية، التى تعتبر غير ممثلة للمجتمع ككل، قبل أن تفرض «طالبان» ارتداء البرقع.
لكن هذه الصورة التى تؤكد على تبنى القيم الغربية لم تُفقد فى أفغانستان فقط، لاسيما منذ صعود حركة «طالبان»، ولكن فى معظم دول العالم الإسلامى، وأبرز ما فيها هى فقدان القدرة على حرية الاختيار.
فلم تكن كل امرأة باكستانية ترتدى تنورة قصيرة فى السبعينيات من القرن الماضى، لكنها كانت يمكن أن تفعل ذلك دون خوف من نقد أو جلد، كما توجد صور أخرى من هذه الحقبة توضح الفرص التعليمية التى كانت متاحة للمرأة فى تلك الفترة، لكن دائمًا ما تحظى الأزياء بقدر من الاهتمام، وتظهر صور من الشرق الأوسط، لا سيما فى السعودية منذ الستينيات والسبعينيات تُظهر النساء والرجال فى ملابس السباحة على رصيف الشاطئ، حيث تبدو هذه الصور وكأنها لأجانب، ولكن المغزى أنه كان هناك خيار الذهاب إلى الشاطئ دون خوف. 
وبعيدًا عن التنانير والشواطئ، حظيت فترة الستينيات والسبعينيات من القرن الماضى بنقاش فكرى حاد حول دور الدين فى المجتمع، واندلعت المظاهرات بين اليساريين، العلمانيين، الرأسماليين، الماركسيين، الإسلاميين فى جميع أنحاء المنطقة، من مصر إلى باكستان، لكن الإسلاميين المتشددين يرفضون تلك العقود الأكثر تقدمية من الفكر والثقافة، بل يعتبرونها انعكاسًا للضعف والانحلال الأخلاقى الغربى، وأن الثقافة الغربية الموجودة فى الدول العربية هى ناتج للتأثير الاستعمارى، فعلى الرغم من أن اللبنانية «نظيرة زين الدين» كانت من بين النساء الأكثر شهرة فى العالم العربى خلال القرن العشرين، إلا أنه لم يكن لها صلة بالحركة النسائية الغربية فى ذلك الوقت. 
لكن على مدار العقود القليلة الماضية، أصبح مجال النقاش وحرية الاختيار ضيقًا بشكل كبير، تقدم باكستان حكاية صارخة وتحذيرًا لبلدان أخرى حول كيفية إضفاء الشرعية على التعصب، وما حدث ليس فقط بسبب قيام طالبان بالاستيلاء على السلطة بالعنف، مما أدى لفقدان الدولة ماضيها الأكثر تنوعًا وحيوية، بل لأن التآكل للمعايير التقدمية، فضلًا عن التحول البطيء فى المعتقدات قد يكون مدمرًا. 
استحدثت بريطانيا عام ١٩٢٧ قوانين التكفير، وحتى عام ١٩٨٥ تم الاستماع إلى ١٠ قضايا متعلقة بهذا الموضوع فى باكستان، كما تم التعامل مع حوالى ٤٠٠ قضية من هذا النوع بحلول عام ٢٠١١، لكن الأسوأ، أن التكفير الحقيقى المزعوم يمكن أن يقتلك فى باكستان اليوم، ففى يناير ٢٠١١ قتل حاكم البنجاب «سلمان تيسير» على يد حارسه الشخصى بسبب دفاعه عن امرأة مسيحية شابة اتهمت بالكُفر. 
وحُكم على قاتل «تيسير» بالإعدام ولكن تم الاحتفاء به كبطل من قبل عشرات الآلاف الذين حضروا جنازته، فضلًا عن بناء مسجد باسمه فى «إسلام آباد»، وأدى اغتيال تيسير وكذلك أول وزير فيدرالى فى باكستان «شهباز بهاتي» بعد شهرين فقط لترويع «فرحناز أسبهاني»، وهى صديقة لكلا الرجلين. كانت أسبهانى صحفية سابقة، وفى ذلك الوقت كانت عضوة فى البرلمان الباكستانى، تعمل فى لجنة حقوق الإنسان. والتى حاولت مع هذه المجموعة إثارة مسألة حقوق الأقليات مرارًا وتكرارًا، حيث حصلت داخل البرلمان على معلومات أكثر عن العنف اليومى الذى تتعرض له الأقليات، فى الوقت الذى لم يكن أى من أصدقائها على استعداد لمناقشة القضية.
ودفع اغتيال «سلمان تيسير» و«شهباز بهاتي» أسبهانى لإصدار كتابها «تنقية أرض النقاء»، نُشر هذا الكتاب العام الماضى، الذى رسم بريق الموت البطيء لحقوق الأقليات والتعددية فى باكستان، وما يعنيه ذلك لمستقبل الديمقراطية. النتيجة كانت مؤلمة وموجزة، وتدل على كيفية تفكيك الأشياء. كانت «أسبهاني» جزءًا من الأقلية الشيعية فى باكستان، لكنها كانت حريصة على تجنب الجدل فى هذا الموضوع من خلال تقديم عمل بحثى شامل ومدروس بطريقة منهجية صحيحة تطالب بحقوقها من خلاله. فى السياق ذاته، تعرضت هى وزوجها السفير الباكستانى السابق لدى الأمم المتحدة «حسين حقاني» لتهديدات بالقتل بسبب عملها، واضطرت فى النهاية للعيش بمنفى اختيارى فى واشنطن.
تتبعت «أسبهاني» فى كتابها انهيار باكستان فى غضون بضع سنوات من استقلالها، حيث كان مؤسسها «محمد على جناح» -شيعى علماني- وكان تصوره عن الدولة والفرد داخل المجتمع (أنت حر، أنت حر فى الذهاب إلى معابدك، أنت حر فى الذهاب الى مساجدك، أو أى مكان آخر للعبادة)، وقالت أسبهانى فى ذلك: «إن رغبتها فى أن تعود التعددية الدينية المفعمة بالأمل لم تتحقق بعد».
فبدأ الاتجاه نحو جعل الإسلام ركيزة أساسية للحياة فى باكستان لا سيما بعد الاستقلال بوقت قصير فى عام ١٩٤٧، كنتيجة لمشاعر المسلمين بأنهم ضحية الهندوس والاستعمار البريطانى فى الهند. وبحلول عام ١٩٧٣، تم إعلان الإسلام كدين رسمى للدولة فى باكستان. وفى عام ١٩٧٤، أعلن البرلمان الباكستانى فى ظل حكم رئيس الوزراء «ذو الفقار بوتو» أن «الأحمديين» غير مسلمين؛ هى حركة إسلامية، بدأت فى أواخر القرن التاسع عشر، تتبع تعاليم القرأن الكريم، ولكن تَعتبر مؤسسها نبيًا، وهو ما يزعج المسلمين المتشددين، الذين يعتقدون أن محمد (ص) هو النبى الأخير. 
كما وجدت «بَينظير بوتو» رئيس وزراء باكستان الأسبق وابنة «ذو الفقار على بوتو» صعوبة كبيرة فى تعريف القومية الباكستانية بعيدًا عن الأيديولوجية الإسلامية، وقالت أسبهانى فى ذلك «كانت غير قادرة على إعادة التوازن الدقيق بشأن التوازن بين الأفكار الليبرالية واسترضاء المشاعر الإسلامية».
وبحلول منتصف الثمانينيات، استشرى الأدب الذى يهدف لفكرة كُره الشيعة، وانتشرت رواية أنهم غير مسلمين، وهى تهمة خطيرة فى بلد ذات أغلبية سُنية، حيث يُشكل الشيعة حوالى ١٥٪ من السكان، فقد قُوبل الرئيس السادس لباكستان للأعوام من (١٩٧٨-١٩٨٨) «محمد ضياء الحق» بهجمات من المسلحين السنة على الشيعة، الأمر الذى مهد الطريق لحملة منظمة للقضاء على الأطباء، والمهندسين والمعلمين من الشيعة فى كراتشى وأماكن أخرى. فاليوم، أصبحت الشيعة ومساجدهم أهدافًا حية للهجمات المميتة، ومنذ عام ٢٠٠٣ قُتل ما يقدر بحوالى ٢٥٥٨ شيعيًا كنتيجة للعنف الطائفى. 
كما حددت «أسبهاني» أربع مراحل فيما يتعلق بفقدان الأقليات لحقوقهم وزيادة التعصب الدينى تجهاهم. حيث كانت المرحلة الأولى تتمحور حول إضفاء الطابع الإسلامى على المجتمع، مع نقل غير المسلمين لخارج باكستان خلال فترة الاستقلال، تتبعتها صعود الهوية الإسلامية بالتوازى مع فقدان شرق باكستان. ثم جاءت مرحلة أسلمة القوانين فى ظل حكم ضياء الحق فى الثمانينيات، وأخيرًا مرحلة صعود العنف المنظم. 
لم يكن التحول مفاجئًا أو بين عشية وضحاها، ولكن ركزت «أسبهاني» على فترة حكم «ضياء الحق» باعتبارها نقطة اللاعودة. حيث حرص ضياء الحق على إدخال فكرة المحاكم الشرعية والقوانين الإسلامية الجديدة المعروفة باسم «قوانين الحدود»، التى تُطبق عقوبات شرعية صارمة فى جرائم مُحددة. وخلال فترة وجوده تم تعزيز قوانين التكفير، وإضافة أحكام أخري؛ مثل السجن المؤبد والإعدام كعقوبة. 
فلم يسلم أى جانب من جوانب الثقافة من حملة إضفاء الطابع الإسلامى الممنهج، فتم إغلاق دور السينما من كراتشى لبيشاور. كما تم طرد الفنانين وإعادة تصميم المناهج الدراسية لخلق صورة متجانسة لباكستان كدولة إسلامية، ومن هنا سينظر الطلاب للمسلمين فقط على أنهم المواطنون. 
وما زال تراث «ضياء الحق» متجذرًا فى النظام وحياة الناس اليومية. فلم يعيش المواطنين الذين لم يبلغوا سن الأربعين أى نمط آخر للحياة، فى حين أن الأجيال الأكبر سنًا ستتذكر الماضى الأكثر تنوعًا، حتى وإن كانت ستتغاضى عن بعض أوجه القصور. لكن على الرغم من ذلك، فإن التعصب المتنامى فى باكستان قد ترك أثره على التنوع، فبين عام ١٩٤٧ واليوم، تقلصت نسبة الأقليات من ٢٥ إلى ٣٪. 
ختامًا: كانت الصورة التى أظهرها «مكماستر» لترامب بمثابة تذكير جيد لما كانت عليه باكستان فى الماضى، لكنه لا يوفر استراتيجية لاستعادة التعددية التى كانت فى يوم من الأيام جزءًا مقبولًا من الحياة فى باكستان أو دول أخرى، مثل أفغانستان، العراق أو مصر. كان كتاب «أسبهاني» بمثابة تذكير بأنه تم فقدان شيء أكثر عمقًا من التنانير القصيرة فى هذه البلدان. كانت سياسات واشنطن لمكافحة الإرهاب، التى ساعدت على الحد من وجود جماعات إرهابية كثيرة، مثل «طالبان» بداية جيدة، لكنها غالبًا ما فشلت فى المضى قدمًا نحو إعادة القواعد الأساسية، مثل احترام التنوع، كما يعتمد ذلك بالأساس فى نهاية المطاف على جهود السكان المحليين أنفسهم.