الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

مواسير المياه.. تحمل الحياة والموت "ملف"

 صورة ارشيفية
صورة ارشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
40 % هدرًا في مياه الشرب بسبب تلف الشبكات وتجاهل تحسينها.. وخبراء: المواسير الحديدية سبب رئيسي لأزمات مياه الشرب وانقطاعها
«المياه كما تحمل الحياة تحمل الموت أيضًا.. ومعظم حوادث التسمم و«التيفود» سواء في قلب القاهرة أو في المحافظات النائية طوال السنوات الماضية كانت بسبب كوب مياه شرب غير نظيفة، الأمر الذي دعا خبراء كثيرين للبحث عن أسباب التلوث وكان اللغز الأكبر يكمن في شبكات المياه التي غابت عنها الصيانة طويلا، فمنها المُهمل ومنها ما هو منسي وغير مُدرج في خطط التحسينات والتجديدات رغم غلاء تعريفة مياه الشرب وتحمل المواطن فواتير المياه الشهرية دون أن يتلقى خدمة جيدة، المواطن في الشارع المصري لا يملك إلا المعاناة ويطالب ولو بـ«نظرة من الشركة القابضة للمياه» لتوفير كوب مياه نظيف وصيانة دائمة للشبكات والمواسير التى معظمها تهالك ونفد رصيد صلاحيته».

مشاكل المياه في مصر
يرى الخبراء أن المواسير الحديدية أسباب رئيسية لأزمات مياه الشرب وانقطاعها فيما تذكر الإحصائيات أن نسبة الهدر في مياه الشرب تتجاوز٤٠٪ بسبب تلف الشبكات وتجاهل تحسينها، وأن نصف شبكات الجمهورية ينتظر التجديد والنصف الآخر يعاني من عدم انتظام ضخ المياه للمواطنين، وخلال السنوات الأخيرة لوحظ أن مشاكل المياه تعددت، منها الكارثة الصحية التي وقعت في قرية بردين بمحافظة الشرقية منذ عدة سنوات نتيجة تلوث مياه الشرب، والتي أدت إلى تسمم أكثر من ١٠٠ مواطن، وكذلك تسمم العديد من المواطنين في مركز بلقاس بمحافظة الدقهلية نتيجة اختلاط مياه الشرب بالصرف الصحي، وهو ما أرجعته وزارة الصحة إلى اعتماد المواطنين على مياه الطلمبات الحبشية في استخدامهم اليومي، وانتشار الأوبئة والأمراض في مركز طلخا في ذات المحافظة بسبب مياه الشرب الملوثة والمخلوطة بالصرف الصحي، وفي محافظة دمياط، لجأ نحو ٤٠ ألف مواطن فى عزبتي البط وعيسى إلى استخدام مياه الترع الملوثة في الاستحمام والأغراض المنزلية إثر معاناتهم من العطش منذ ١٢ عامًا، بسبب تكرار انقطاع المياه، فيما أصيب أطفال من مدينة أبورديس في جنوب سيناء، بأمراض جلدية بسبب عدم الاستحمام وقد كانت معظم الإصابات من الأطفال لحساسية جلدهم.
وحذرت تقارير عدة من تلوث مياه الشرب، وكشفت أن المياه في مصر لا تزال مشكلة متعددة المراحل تبدأ بتلوث النيل والترع المنتشرة في أرجاء الريف، ثم اختلاط هذه المياه في المدن بمياه المجاري، فضلًا عن خزانات المياه المتواجدة أعلى أسطح المنازل، وكان الأمل في التغلب على هذا التلوث بإنشاء محطات التنقية، لكن هذه المحطات أصبحت أيضًا مصدرًا للتلوث وأصبح الكلور متهمًا أيضًا ومعه بقية إضافات التنقية بالتسبب في أمراض جسيمة وآخرها ما حدث في قرية بالمنوفية وتسمم أكثر من ١٨٠٠ مواطن ومن قبلها كارثة قرية البرادعة وإصابة مئات الأهالى بحمى التيفود.
ويقول الدكتور ضياء القوصى خبير المياه الدولي ومستشار وزير الموارد المائية السابق، إن من أكثر الأشياء شيوعا في مشاكل شبكات المياه في مصر هي عدم كفاءة شبكات المياه فى مصر وعدم الاهتمام بالعمر الافتراضي الذي من المفترض أن تعمل به هذه الشبكة، وأكد لدينا الكثير من الفواقد في أشياء كثيرة بالشبكة مثل الفواقد في محطات التنقية ما يؤدي إلى تكون الترسبات في المواسير واحتياجها إلى تنظيف وصيانة دورية، كما أن شبكات نقل وتوزيع المياه من المحطات الرئيسية إلى المحطات الفرعية ضعيفة جدًا.
وأكمل «القوصي» أن مصر لديها موارد مائية كافية، ولكن سوء الاستخدام يجعل هذه الموارد أقل من المعتاد، حيث إن هناك أماكن كثيرة في مصر تستخدم مياه الشرب في ري الحدائق رغم أن بإمكانها تنظيف مياه الصرف الصحي بحيث تكون مناسبة لسقاية الحدائق وما إلى ذلك، حيث إن سقايتها بمياه النيل تهدر الكثير منها، وهذا بخلاف الاستخدام العادى للمياه بغسل السيارات ورش الشوارع وما إلى ذلك من طرق إهدار المياه.
وأضاف «القوصي» أنه لا بد من وجود قوانين وإجراءات صارمة للحد من مثل هذه الأمور، وتطبق على الجميع، مع الأخذ فى الاعتبار أن الحكومة في مصر لا تلتفت إلى العمر الافتراضي لشبكات المياه حيث إن عمرها الافتراضي يضرب في ثلاثة على الأقل، وذلك لقلة الميزانية.

أزمة المياه الجوفية
على الجانب الآخر تتوزع خزانات المياه الجوفية المتجددة بين وادي النيل، وإقليم الدلتا وتعتبر تلك المياه جزءًا من موارد مياه النيل ويقدر ما يتم سحبه من مياه تلك الخزانات نحو ٦.٥ مليار م٣ وذلك منذ عام٢٠٠٦. ويعتبر ذلك في حدود السحب الآمن والذي يبلغ أقصاه نحو ٧.٥ مليار م٣ حسب تقديرات معهد بحوث المياه الجوفية.
وتتميز مياه الخزانات بنوعية جيدة من المياه تصل ملوحتها إلى نحو ٣٠٠-٨٠٠ جزء في المليون في مناطق جنوب الدلتا.. ولا يسمح باستنزاف مياه تلك الخزانات إلا عند حدوث جفاف لفترة زمنية طويلة، لذلك تعتبر هذه المياه ذات قيمة استراتيجية مهمة ومن المقدر أن يقترب السحب من هذه الخزانات إلى نحو ٧.٥ مليار م٣ في الأعوام المقبلة.
ويعتبر خزان أسوان من أهم مصادر المياه الجوفية، ويقع أسفل وادي النيل في مصر العليا هو أيضًا ثاني أكبر الخزانات الجوفية المتجددة بمصر وشمال أفريقيا، كما توجد بحيرة السد العالي وفي الجزء الجنوبي الغربي يقع خور توشكى الذي يؤدي غربًا إلى منخفض توشكى ومنطقة مشروع توشكى الحالي.
ويخترق مجرى نهر النيل في مساره من أسوان إلى الجيزة مجموعة من التكوينات الجيولوجية التي تظهر بالتتابع من الجنوب إلى الشمال وتكون الأساس الصخري للنهر وتظهر الصخور الأقدم عمرًا ابتداء من صخور الحجر الرملي النوبي في أقصى الجنوب ويتتابع ظهور الطبقات الأحدث ناحية الشمال.. غير أن منخفض مجرى نهر النيل القديم والحديث يمتلئ برواسب أحدث من الصخور الأساسية وهي رواسب النهر القديم والحديث والتي تحتوي على التكوينات الأساسية الحاملة للمياه الجوفية.

هدر المياه
أكد الدكتور عبد العاطي الشافعي خبير في الموارد المائية، أن شبكة المياه في مصر تعاني من عدة مشاكل ولفت إلى أنها في أسوأ حالاتها هذه الفترة، وأرجع ذلك إلى أن مواسير المياه الرئيسية المغذية للمحطات الفرعية تعاني مشاكل عديدة مثل الصدأ والانسداد وما إلى ذلك، وهذا يتسبب أيضًا بتلفيات كبيرة جدا فى المياه نفسها.
وأضاف «الشافعي» أننا نعاني من إهدار المياه وسوء استخدامها، حيث يقدر الإهدار في المياه بحوالي٤٠٪، وهي نسبة كبيرة جدًا بالنسبة للإهدار، لأنه بهذه الطريقة يعتبر هناك إهدار في نصف المياه، وإضافة إلى ذلك هناك سوء استخدام للمياه في المنازل والمواقع العامة والدواوين الحكومية، كما أن هناك سوء في صيانة الصنابير، ما يؤدي إلى إهدار كميات كبيرة أيضًا، الأخطر أننا دخلنا مرحلة الفقر المائي منذ سنوات وهذه كلها تعتبر أعباء ومشاكل على شبكة المياه.
وأكمل «الشافعي» أن الفقر المائي هو مصطلح يشير إلى حالة الموارد المائية في العالم بحسب الطلب البشري عليها. وتابع أن هذا المصطلح قد تم تطبيقه على حالة المياه في جميع أنحاء العالم من قبل الأمم المتحدة والمنظمات العالمية الأخرى والجوانب الرئيسية لأزمة المياه هي ندرة المياه الصالحة للاستعمال البشري وتلوث المياه.
وأضاف، في عام ١٩٩٠ م بلغ عدد الأشخاص الذين تمكنوا من الحصول على مصادر مياه صالحة للشرب ١.٦ مليار شخص فقط في أرجاء العالم ونسبة الأشخاص في البلدان النامية الذين تمكنوا من الحصول على المياه الصالحة للشرب تحسن من ٣٠ في المائة في عام ١٩٧٠ م إلى ٧١ في المائة في عام ١٩٩٠ م، وإلى ٧٩ في المائة فى عام ٢٠٠٠ م وإلى ٨٤ في المائة في عام ٢٠٠٤ م، بالتوازي مع ارتفاع عدد السكان.
وأردف «الشافعي» أنه لكي تتم تنقية المياه لا بد من معرفة جميع الملوثات، ومكوناتها سواء عضوية أو غير عضوية، ويتم تجهيز المعالجة بناء على تلك الملوثات لكي تتلاءم معها، مشددا على ضرورة استخدام الأوزون الذي تستخدمه محطات المياه المعبأة، نظرًا لأن تأثيره في قتل الملوثات والكائنات سيكون أقوى، مشيرا إلى أن تنقية المتر المكعب الواحد تتكلف ٣ جنيهات.

انقطاع المياه مسلسل مستمر
الإعلان عن انقطاع المياه يتكرر بشكل مستمر والأمثلة كثيرة على ذلك، منها أنه في مايو ٢٠١٨ كانت شركة المياه بأسوان قد أعلنت عن قطع المياه من الساعة السادسة صباح حتى الساعة الثانية بعد الظهر، وذلك للقيام بعمل صيانة لعدد من الخطوط الرئيسية بمدينة كوم أمبو، وناشدت المواطنين بتوفير احتياجاتهم من المياه خلال فترة الانقطاع.
وفي مارس ٢٠١٨ أعلنت شركة مياه الإسكندرية عن انقطاع المياه غرب الإسكندرية، وذلك نظرًا لأعمال صيانة كهربائية طارئة بمحطة مريوط ١، وأشارت شركة الكهرباء في بيان صادر لها إلى أنه سيتم انقطاع المياه من الساعة الثامنة صباحا وحتى الانتهاء من الإصلاح، وذلك في مناطق العامرية وعبدالقادر والناصرية وقرى مريوط وبنجر السكر وشمال التحرير والعشرة آلاف والبستان والبذور وغرب وشرق الطريق الصحراوي.
وفي ٣ فبراير ٢٠١٨ أعلنت محافظة الإسكندرية، انقطاع المياه عن بعض مناطق غرب المحافظة، وذلك نظرا لقيام شركة مياه الشرب بالإسكندرية بأعمال الإحلال والتجديد والصيانة بمحطة «المنشية١» والمغذية لغرب الإسكندرية، وقد أشار بيان صادر من محافظة الإسكندرية إلى أنه سيتم انقطاع المياه عن غرب الإسكندرية، وذلك بمناطق طريق الموقف الجديد والقباري والورديان والمكس والدخيلة والعجمي والكيلو ٢١ حتى الكيلو ٣٤، من الساعة ٩ مساء الأحد ٤ يناير وحتى الخامسة صباح يوم الاثنين ٥ يناير ٢٠١٨.
وفي مايو ٢٠١٨ أعلنت شركة مياه الشرب بالقاهرة أنه سيتم قطع المياه عن مناطق «المرج الشرقية والغربية– عزبة النخل– شارع عين شمس- منطقة البركة- مدينة السلام أبو رجيلة- منشية السد العالي- منشية العروبة- تقسيم أبوالعز- منطقة أطلس- منطقة النيل- منطقة اسبيكو»، وذلك ابتداءً من الساعة ١١ مساء الجمعة وحتى الساعة ٤ فجر السبت، نظرًا لقيام الشركة بأعمال صيانة اللوحات الكهربائية بمحطة مياه المرج.
هنا يقول حسن جودة، رئيس شبكة المياه سابقًا، إن بناء محطات معالجة مياه الصرف، والحد من الإفراط في المياه الجوفية هي الحلول لمشكلة المياه العالمية، إلا أن نظرة أعمق تكشف عن مزيد من القضايا الأساسية الحالية. الحد من الإفراط من ضخ المياه الجوفية لا يحظى عادة بشعبية سياسية كبيرة، وله آثار اقتصادية على المزارعين علاوة على ذلك، فإن هذه الاستراتيجية ستؤدى إلى تخفيض الإنتاج الزراعي، وهو أمر لا يمكن للعالم تحمله، نظرا لحجم السكان في الوقت الحاضر.
وأكمل «جودة» أنه عند مستويات أكثر واقعية، يمكن للبلدان النامية أن تسعى إلى تحقيق معالجة مياه الصرف الصحي وتحليلها بعناية لتقليل التأثيرات السلبية على مياه الشرب، والنظم البيئية، يمكن للبلدان المتقدمة النمو، أن تتقاسم التكنولوجيا، بما فيها التقليل من التكلفة لمعالجة المياه المستعملة، بل أيضًا المساهمة في أنظمة النقل والنمذجة الهيدرولوجية على المستوى الفردي، فالناس في البلدان المتقدمة يمكن أن تنظر إلى نفسها وتحد من الاستهلاك المفرط، مما يقلل من الضغط على استهلاك المياه في جميع أنحاء العالم.
وأضاف «جودة» أن البلدان المتقدمة والبلدان النامية يمكن أن تزيد من حماية النظم لديها، وخاصة الأراضي الرطبة والمناطق المطلة على البحر الأبيض المتوسط، وهذه التدابير ليست فقط للحفاظ على النباتات والحيوانات، بل تؤثر أيضًا على دورة المياه الطبيعية، وهناك أيضًا مجموعة التقنيات غير المعقدة المحلية التي تتركز حول استخدام الطاقة الشمسية لتقطير الماء في درجة حرارة أقل من درجة الغليان، والفكرة في العموم هي أن أي مصدر للمياه يمكن تحليته.