رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

الانتخابات البلدية تكشف المسكوت عنه في تونس.. اعتراضات واسعة لتولي المرأة منصب عمدة العاصمة.. و"النهضة" يستحوذ على معظم النتائج.. والموارد الاقتصادية تهدد محاولات الإصلاح الإداري

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
على الرغم من التطورات السياسية التى حققتها تونس منذ حراك 2011، فإن الانتخابات البلدية الأخيرة أثارت جدلًا واسعًا خاصة فيما يتعلق بالنتائج وتوزيع المناصب السياسية، وذلك على أكثر من صعيد؛ حيث يتفق الاقتصاديون على ضعف الموارد التمويلية للمجالس البلدية فى تونس وذلك عند مقارنتها بالوعود الانتخابية التى قطعها المرشحون على أنفسهم أمام جمهورهم من الناخبين.

اعترض البعض على تولى امرأة منصب عمدة تونس العاصمة، خاصة أن «سعاد عبدالرحيم» مرشحة عن حزب حركة النهضة ذي الخلفية الإسلامية، وتعود كذلك أوجه الاعتراض لأسباب وآراء فقهية متعلقة بالولاية فى الإسلام، وبعيدًا عن الموارد الاقتصادية وأمور الولاية اعترضت القوى السياسية التونسية على الطريقة التى أدار بها حزب النهضة التحالفات والتربيطات الانتخابية فى انتخابات المجالس البلدية لا سيما مجلس بلدية تونس العاصمة الذى شهد تنافسًا حادًا بين مرشحة النهضة «عبدالرحيم»، ومرشح حزب نداء تونس «كمال إيدير».
جدل ولاية المرأة
رغم ما وصلت له تونس من تطور فى التعاطى مع حقوق المرأة منذ عهد الرئيس التونسى الراحل «الحبيب بورقيبة»، فإن فوز مرشحة حركة النهضة التونسية «سعاد عبدالرحيم» بمنصب رئيس بلدية تونس فى الانتخابات الأخيرة التى شهدتها البلاد مؤخرًا أثار جدلًا كبيرًا لاعتبارات تتعلق بولاية المرأة ومدى قدرتها للوفاء بالتزامات الوظيفة العمومية، كما انتقد المجتمع السياسى التونسى ما وصفه بالتناقض بين تبرج ملابس «عبدالرحيم» وربطه بترشحها على قائمة حزب حركة النهضة الإسلامية.
وتعرضت «عبدالرحيم» و«حركة النهضة» لانتقادات حادة؛ حيث يرى المعارضون أن تصدر «عبدالرحيم» وهى غير محجبة لقائمة النهضة ما هو إلا تسويق للصورة الحداثية الجديدة التى تحاول النهضة تصديرها عن نفسها. وانتقدت زعامات نسائية تونسية مواقف سابقة لـ«عبدالرحيم» خاصة فيما يتعلق بقضية الأمهات والمساواة فى الإرث بين الرجل والمرأة، واعتبرن أن ما وصلت له «عبدالرحيم» من مناصب سياسية ما هو إلا منح وهدايا من تيار الإسلام السياسى الذى اتهموه بمعاداة الحداثة التونسية للمطيعين من رموز التيار العلماني. 

كما شهد مجلس بلدية تونس جلسة حاشدة، تمكنت خلالها مرشحة حركة النهضة بالإطاحة بمنافسها من حزب نداء تونس. ويعد فوز «عبدالسلام» بشياخة العاصمة تونس سابقة فى التاريخ التونسى الحديث؛ حيث إنها أول امرأة تفوز بهذا المنصب. وجدير بالذكر الإشارة إلى أن «عبدالرحيم» حصلت على ٢٦ صوتًا، مقابل ٢٢ صوتًا لمنافسها.
وانتقد أحد مسئولى حزب «نداء تونس» العلمانى تولى «عبدالرحيم» المنصب خلال حضوره فى أحد البرامج التليفزيونية؛ حيث اعتبر أن التقاليد تمنع من أن تتولى امرأة منصب شيخ مدينة تونس»، مضيفًا أن تونس بلد مسلم ولديه تقاليد ولا يمكن أن تجلس المرأة فى المسجد بجانب الرجال فى المناسبات الدينية». على الرغم من بهوت هذا التصريح فإنه يعكس الواقع السياسى المضطرب الذى يعيشه حزب نداء تونس، فهناك تناقض كبير فى سياسات الحزب الذى يسعى لتحقيق المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة فى الزواج والإرث، وفى نفس الوقت يخرج أحد مسئوليه لينكر تولى امرأة المسئولية.
وفى السياق نفسه، دافعت عبدالرحيم عن نفسها فيما يتعلق برؤيتها للمساواة بين الجنسين، واعتبرت أن الانتقادات التى تتعرض لها غير عملية، لأن المجلس البلدى جهاز تنفيذى لا علاقة له بصراعات الأيديولوجيا أو الهوية التى هيمنت على الأجواء السياسية التونسية منذ ٢٠١١.

من ناحيةٍ أخرى، رحبت جمعية «النساء الديمقراطيات» بانتخاب «عبدالرحيم» لرئاسة المجلس البلدي، واعتبرت الجمعية اقتحام المرأة التونسية لمراكز صنع القرار خطوة على الطريق الصحيح لتمكين المرأة واعتماد مبدأ الكفاءة للتفضيل بين الرجل والمرأة فى تولى المناصب العامة.
يؤكد محللون ومتابعون للشأن المحلى التونسى على أن المجالس البلدية المنتخبة ستواجه صعوبات كبيرة من أجل تحقيق الوعود الانتخابية التى قطعها أعضاؤها على أنفسهم خلال فترات الدعاية. ويقلل البعض من موجة التفاؤل الكبيرة التى اجتاحت الشارع التونسى بعد الانتخابات البلدية، ويعتبر هؤلاء أن الانتخابات لن تأتى بأى تغيير للواقع المحلى فى تونس نظرًا للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية التى يعانى منها المجتمع هناك مثل البطالة وارتفاع معدلات الفقر والعوز.
كما أرجِع البعض تراجع نسبة المشاركة فى الانتخابات إلى ٣٣ ٪ - وهى نسبة ضئيلة إذا ما قورنت بالتطور السياسى الذى تشهده تونس منذ ربيع ٢٠١١ - إلى قناعات الناخب العادى بعدم جدوى الوعود الانتخابية التى يقطعها المرشحون على أنفسهم. 
أثارت انتخابات مجلس بلدى تونس حفيظة التيارات السياسية الأخرى ضد حركة النهضة، التى اتهمها البعض باللعب على وتر انقسام التيارات المدنية للظفر بمنصب بلدية تونس. وفى هذا السياق، اتهم رئيس الهيئة السياسية لحركة تونس أولًا، «رضا بلحاج»، حركة النهضة باستخدام طرق غير ديمقراطية خلال عملية انتخاب رئيسة بلدية تونس العاصمة؛ وذلك من خلال اختراق القوائم الأخرى المصوتة بطريقة ووسائل غير شرعية وشراء بعض الأصوات من الأحزاب المناوئة لها، بحسب قوله. ورغم ذلك، أعلن «بلحاج» أن حزبه ينشط فى نظام ديمقراطي، ويحترم النتائج التى وصلوا لها.

تجدر الإشارة إلى أن ممثلى التيار الديمقراطي، والجبهة الشعبية انسحبوا فى الدور الثانى لانتخاب رئيس البلدية، وأفرغوا المجال أمام «عبدالرحيم».
رغم الصلاحيات الضعيفة التى تتمتع بها المجالس البلدية فى تونس، فإن الانتخابات البلدية تعد مؤشرًا مهمًا لاستشراف نتائج الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المزمع إجراؤها فى عام ٢٠١٩؛ حيث من المتوقع أن تفوز بها النهضة، خاصة فى ظل حالة الضعف والانقسامات التى يشهدها حزب نداء تونس الذى يترأسه الرئيس التونسى الحالى «الباجى قايد السبسي»، ومن الملفت للانتباه فى الانتخابات البلدية ما حصل عليه تيار المستقلين الذى استطاع أن يفوز بنسبة ٣٢٪ من عدد المقاعد فى مقابل ٢٨٪ للنهضة، و٢١٪ لحزب نداء تونس.
من ناحيةٍ أخرى، مازالت الموارد الاقتصادية تشكل مفتاح نجاح أو فشل التجربة التونسية؛ حيث تعانى المجالس البلدية التونسية من عجزٍ كبير فى الموارد فضلًا عن تردى الأوضاع الاقتصادية.