رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

القمص أثناسيوس جورج يكتب: فن التدبير الرعوي

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كل تدبير رعوﻱ يخضع لمراقبة وإرشاد الروح القدس، وأمانة الأهداف الروحية التى تنقلنا للحياة الأفضل وللميراث السماوﻱ، فى تدبير برهان الروح والقوة والرضائية، من دون غرور باطل أو حكمة بشرية.. تدبير يأتى بإرشاد الروح من أفواه القديسين لتسير سفينة النجاة بسلام ويقين ورحمة غنية تفتخر على الحكم وتترفق بالضعفاء.
قاعدة التدبير فى الرعاية خالية من الحيلة والاستمالة والالتواء، ولا تشمل قصدًا خفيًا، ولا تتبع موازين ومكاييل مختلفة، لأنها تعالج باستقامة أمور واقعية من واقع حال الكنيسة وممارستها اليومية، بعيدًا عن مظنة النفسنة والميول الذاتية وهوائية الصبغة، فتستمد محبتها وشرعيتها من الكتب المقدسة أنفاس الله، ومن قوانين الرسل والدسقولية وأحكام المجامع المسكونية وفكر الآباء.. متوافقة مع الأصل العام لجوهر التعليم الإلهى، ومع مبدأ المشروعية واللياقة فى القانون والتفسير الكنسى المستقيم.
إننا لم نأخذ روح العالم، بل الروح الذﻱ من الله، «لنعرف الأشياء الموهوبة لنا منه مُعرِضين عن الكلام الباطل ومخالفات العلم الكاذب وزيغان الإيمان وكل أرواح مُضِلّة، فنكون جماعة مؤمنين مجتهدين فى حفظ وحدانية الروح والدعوة والرجاء الواحد».. وانطلاقًا من هذا التدبير، صار بناء الكنيسة معماريًا (كمبنىَ)، وبناء الكنيسة ليتورجيًا (كمعنىَ) فى ترتيب طقوسها وقراءاتها وعبادتها وسَنَتِها الطقسية ومناسباتها، حيث يحكمها التقليد الكنسي، حسبما هو ثابت فى كتب البيعة (الخولاجى - الإبصلمودية - القطماروس - الأجبية - السنكسار - الدفنار) وكتب الخدمات والأسرار والرسامات.
كذلك يتضمن التدبير كل الأحكام العامة لقوانين الدرجات الإكليروسية، بتسميتها ورُتبها، التى تعطىَ على أساس اصطفاء الله ودعوته، وعلى أساس الاستحقاق والأهلية والكفاءة، حسب متطلبات الخدمة الرعوية وتناغم هارمونيتها فى فاعلية المشاركة فى الأداء، كل فى رتبته، لتحقيق شرف وبهاء العمل السمائى.
الذﻱ يستلزم جهادًا انسكابيًا متواصلًا وتمجيدًا ذكصولوجيًا وطهارة تليق بالخدمة المملوءة سرًا، والمحفوظة بقوة الروح القدس الفاعل فى الأسرار.. وكلما نفهم ونعى عظمة فكر الكنيسة نتذوق أعماقها، ونصير سفراءها ووكلاء سرائرها الإلهية، بحتمية حفظ التدبير، وفقًا للجهاد الروحى القانونى وضبط أنفسنا فى كل شيء، لنحفظ شمعتنا وأهليتنا الإلهية من الانطفاء والغش والهرطقة والعثرة، ونجد قبولًا ورضًا عند القدوس، فنربح أنفسنا والذين نخدمهم، لأن كسبنا الروحى يتناسب طرديًا حسب تقدمنا وجهادنا، وبمقدار التصاقنا بذبيحة الراعى الأعظم منشئ سر الكهنوت ومصدره، ورئيس كهنة الخيرات العتيدة.
لهذا كله يتم تدبير كنيستنا باختبار المختارين لكل عمل وظيفى فى جسد الكنيسة «يُختَبروا أولًا ثم يتشمسوا»، ذلك الاختبار الذﻱ تلازمه الشروط الواجب توافرها، وكأنها مواصفات لإدارة الأفراد «بلا لوم، ذو وقار، يدبر بيته حسنًا، غير مدمن للخمر، غير طامع فى الربح القبيح».. كذلك يُشترط فيمن يُختبر أن يعرف أن يدبر بيته حسنًا، كى يمكنه أن يعتنى بكنيسة الله.. فلا نتصور أن ينجح أحد فى خدمته أو يُرجىَ منه نفعًا لخلاص أنفس أبناء الكنيسة، وهو قد فشل فى أن ينجح مع أهل بيته.. ثم تأتى المراحل التدبيرية التى ينخرط فيها الكاهن بخطوات الاصطفاء ثم السيامة ثم القسمة، ثم تقديم تقارير الرعاية وتبادل الخبرات الثرية «ولما رجع الرسل، حدثوه بما فعلوا».
لكن التدبير يقوم دائمًا على مقاييس الموضوعية والمفاضلة غير المنحازة، وعلى الضمير الصالح الخالى من أهواء الأغراض الذاتية، «حتى لا تُلام الخدمة وتعتلّ بالمباحثات وحسد الخصام والرياء والنفاق والافتراء والظنون الردية»، حسبما قال معلمنا بولس الرسول «لستُ أشعر بشيء فى ذاتي، الذﻱ يحكم فىّ، هو الرب، لأننا لسنا نكرز بأنفسنا، بل بالمسيح ربًا وبأنفسنا عبيدًا لكم من أجل المسيح».. وذلك بالعكوف على الصلاة والقراءة والوعظ والتعليم وإرشاد التلمذة ودوام الملاحظة والامتلاء بكل علم.. فمن الاختيار/للاختبار/للتأهيل، والمواظبة على تقارير المتابعة (التقييم)، والتدريب كنمط تدبير كنسى ديناميكى، يتجه نحو الكفاءة، مقدمًا أُناسًا أمناءَ أكْفاء بأن يعلِّموا آخرين.
إنه فن تدبير النفع الروحى المعلن فى الأعمال والصبر لاستمرارية عمل الخدمة بالنمو والتشجيع وزرع الثقة الخالية من الرياء والتملق والمداهنة، لأننا لا نعمل فى كَرْم بشرﻱ لحساب أُناس، لكن لحساب مدبر الكل «إنجيلنا لم يَصِر بالكلام، بل بالقوة وبالروح القدس وبيقين شديد»، قوتنا فى إنجيلنا ويقيننا فى اتكالنا على المشورة الإلهية، التى تجعلنا نقول مع القديس بولس «كما تعرفون أﻱّ رجال كنا بينكم من أجلكم»، فتسرﻱ القوة ورائحة العطر الروحي، ويُسمع بوق الكنيسة المرضى لله، راسخين متأصلين ونَامِينَ فى كل عمل صالح.