الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة سبورت

عندما يبتسم كأس العالم.. تنتصر المواطنة وثقافة الهوية

كأس العالم روسيا
كأس العالم روسيا 2018
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تعرف كرة القدم بأنها الساحرة المستديرة التي جذبت البشر إليها، فباتت لعبة شعبية يعشقها الملايين ، مثلها فى ذلك مثل الكرة الأرضية، فهذا مكان يعيش عليه البشر، وذاك مكان آخر احتضن عشاق اللعبة ، وفي عالم الساحرة المستديرة، ينقسم الجميع، فلا يوجد اتفاق بين المشجعين المختلفين، فأحدهم يشجع هذا الفريق وآخر يعشق فريقا آخر ، وهناك من يفتخر بفريق ثالث وآخرون مدمنون على مشاهدة فريق رابع.
ولما كانت لحظة الفوز لحظة فارقة فى التاريخ والمستقبل ، فإنها عندما تحين فى المجال الرياضى والعالمى خاصة تحول الانتماء الكروى لانتماء وطنى ، واضعة القول الفصل فى جدل كبير في عالم كرة القدم بخصوص علاقة الرياضة بالسياسة، فعلى الرغم من الآراء التى تقول أنهما لا يرتبطان ببعضهما البعض، لكن في أمور معينة خاصة التشجيع لا يمكن فصلهما.
فعندما عانق الفوز فرنسا وابتسم لها كأس العالم فى البطولة التى استضافتها روسيا مؤخرا (مونديال 2018) بعد عشرين عاما من عناقه الأول لها ، انتصرت ثقافة الهوية وظهر المعنى الحقيقى للانتماء والمواطنة بين أبناء الشعب الفرنسى فى كل مكان على سطح الأرض ، وتفجرت فى نفوسهم فرحة عارمة بالفوز ، مبعثها كون بلادهم هزمت جميع المنتخبات العالمية التى تنافست معها على مدى شهر كامل وتقدمت عليهم ، و باتت حاملة للقب بطل كأس العالم حتى عام 2022.
الوطنية والحماس الذى عبر به الفرنسيون عن فرحتهم العارمة بالفوز بكأس العالم والتى تناقلتها وسائل الإعلام ، هما ظاهرة نفسية اجتماعية مركبة، قوامها حب الوطن أرضا وأهلا، والسعي لخدمة مصالحه ، وبعبارة أخرى هما ظاهرة نفسية فردية وجماعية، تدور على التعلق بالجماعة الوطنية وأرضها ومصلحتها وتراثها والاندماج في مصيرها.
وبنفس الدرجة وعلى نفس المستوى، يكون الحزن والانكسار فى حالة الخسارة ، فالتوحد مع شىء ما، كيان أو جماعة أو فرد، تفرح لفرحه، وتعمل على رفعته، وتحزن لحزنه، وتجتهد لإيقاظه من غفوته، وانتشاله من عثرته هو الانتماء بعينه ، ويمثل فى معناه الأشمل أقوى العناصر التي تبني مجتمعا قويا متقدما صلبا، قادرا على مواجهة الأخطار.
غيرة اللاعب على اسم منتخب بلاده وإحساسه بحجم المسئولية الملقاة على عاتقة لرفعته تجعله يقاتل لإحراز الفوز وتحقيق آمال مشجعيه فيفرح بتتويجه بالبطولات، ويحزن للخسارة القاسية ، ويشاركه فى تلك المشاعر مشجعو وجماهير منتخب بلاده حول العالم التى تنفق فى بعض الأحيان مبالغ باهظة للسفر والحصول على تذكرة لمتابعة المنافسات عن قرب على أرض الواقع لتشجيعهم فى الملعب.
وتحرص الجماهير بصفة مستمرة على تقديم أفضل صور التشجيع لفرقهم من أجل شد أزرهم ، وإشعال الحماس بداخلهم ، فهم اللاعب الثانى عشر في الملعب، وهم كلمة السر لدى الأندية والمنتخبات التى تستمد من تواجدها فى الملاعب وتشجيعها الشعور بالاطمئنان ، ويتأثرون لغيابهم ، فالجماهير هم من لديهم مفاتيح التحكم بمستوى الفرق بدفعها للأمام أو بركلها للخلف بهتاف واحد.
ويرتبط مفهوم الانتماء ارتباطا وثيقا بمفهوم الهوية، فالأصالة في الانتماء إلى الوطن لا تنسى ولا تمحى من الذاكرة، ولا من الضمير ، ولا من القلب والعقل ، والهوية مثل الشجرة، فالشجرة التي لا جذور لها لا تستطيع الحياة ، وإذا عاشت لا تستطيع أن تشمخ لأعلى وتصبح سهلة الاقتلاع ومن لا يحرص على هويته ويصونها قد يجمع المال والثروة والشهرة ، لكنه يبقى فى داخله ضائع.