الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

العالم

الديكتاتور يحكم.. حلم أردوغان باستعادة الإمبراطورية العثمانية دمر تركيا

أردوغان
أردوغان
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تدخل أنقرة مرحلة جديدة من النظام الرئاسي، بعدما حسم أردوغان السباق الرئاسى، فى انتخابات جرى تقديمها، لتمنح الرئيس صلاحيات واسعة، خاصة فيما يتعلق بسياساته الخارجية التى تتوافق مع طموح السلطان العثماني، وعليه بدا «أردوغان» فى تشكيل حكومته للسيطرة على مؤسسات الدولة التركية، بعد اعتقال وتشريد معارضيه، خاصة من الجيش والقضاء، والتنكيل بالصحفيين وقادة الرأي، وتقليل نفوذ الجيش.
وكان أردوغان قد أعرب مرارًا عن نيته فى التحكم فى الاقتصاد بشكل كبير فور إجراء الانتخابات الرئاسية، وأدت القرارات السياسية الخاصة بإعادة هيكلة الاقتصاد التركى وفقًا للرؤية الأردوغانية إلى تأثيرات سلبية على معدلات النمو الاقتصادي، وارتفاع معدلات التضخم والبطالة، فضلا عن انهيار الليرة التركية وهروب الاستثمارات الخارجية. بجانب تراجع العلاقات الاقتصادية مع الدول الخليجية إبان الأزمة مع قطر، فقد اختار «أردوغان» الاصطفاف إلى جانب الدوحة مدعمًا سياساتها بكل الإمكانيات، كما تعد الضربة القاصمة للاقتصاد التركى فى المستقبل القريب فى السيطرة السياسية على السياسات النقدية والاقتصادية والتى ستؤثر بشكل عميق على معدلات النمو والناتج الإجمالى، مما سينعكس على الشارع التركى الذى أصبح فى مرمى سياسات أردوغان الديكتاتورى.
وشهدت تركيا العديد من الانقلابات العسكرية منذ بداية عام ١٩٦٠، إلى الانقلاب المزعوم فى ٢٠١٦؛ حيث عاصرت تركيا ستة انقلابات عسكرية، بيد أن هذا الأخير يختلف عن سابقيه فى المآلات التى أفضت إليه من ممارسات ممنهجة كان من تداعياتها أن تصبح تركيا دولة الرجل الواحد وأصبح أردوغان بمثابة نصف إله فى الحكم.
وخلال الفترة الماضية، كشفت المحاولة المزعومة النقاب عن السياسات التركية الأخيرة المتعلقة بتأميم المجال العام وغياب حكم القانون وإعلان الطوارئ، فبعد محاولة الانقلاب المزعومة مباشرة، عملت الحكومة التركية بقيادة الرئيس أردوغان على تعديل الدستور لتوسيع صلاحيات الرئيس.
ولم تكتف الحكومة بذلك بل أعلن أردوغان فى الثامن عشر من أبريل ٢٠١٨، عن تقديم موعد الانتخابات التركية إلى الرابع والعشرين من شهر يونيو ٢٠١٨، والمقرر لها الانعقاد فى ٣ نوفمبر ٢٠١٩.
وبعد فوز أردوغان فى الانتخابات الرئاسية وفوز حزبه فى الانتخابات البرلمانية، أضحت تركيا الآن أكثر تأميمًا من ذى قبل، ولعل هذه الأهمية تتشكل هذه المرة كونها الأولى التى سوف تسمح لحزب العدالة والتنمية بأن يعيد هيكلة وتشكيل الحياة العامة، والهوية التركية والخيارات الاستراتيجية المستقبلية.
تصفية المعارضة
استغل «أردوغان» حالة السيطرة تلك، وقام بتوظيفها فى الاتجاه الذى يخدم مصالحه؛ حيث عمل على تغيير النظام السياسى بما يخدم مصالحه، كما أعلن حالة الطوارئ وسجن واعتقل العديد من المواطنين وتقديم اتهامات ليس لها أى دلائل والمتعلقة بالانضمام لحركة الداعية التركى المقيم فى الولايات المتحدة «جولن»؛ حيث تم إجراء استفتاء على تعديلات دستورية فى ١٧ أبريل ٢٠١٧، والتى تضمنت ١٨ مادة أبرزها: تولى الرئيس صلاحيات السلطة التنفيذية كاملة وقيادة الجيش وإلغاء منصب رئيس الوزراء، كما يحق للرئيس عدم قطع صلته بحزبه، ورفع عدد نواب البرلمان من ٥٥٠ إلى ٦٠٠ نائب.
وبعد إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المبكرة فى ٢٤ يونيو ٢٠١٨، التى فاز بها الرئيس الحالى «أردوغان» بفترة رئاسية جديدة مدتها ٥ سنوات، عوضًا عن فوز تحالفه (تحالف الشعب) مع الحزب القومى بالأغلبية البرلمانية، بات لدى «أردوغان» العديد من الصلاحيات الواسعة تمكنه من تعيين هيئته المساعدة ووزرائه، عوضًا عن تعيين القضاة وقادة الجيش، فضلًا عن كونه رئيس الحكومة.
يذكر أن «أردوغان» أعلن حالة الطوارئ بعد محاولة الانقلاب المزعوم مباشرة؛ حيث يتضمن قانون الطوارئ سحب بعض الصلاحيات من السلطات التشريعية والقضائية وإسنادها إلى السلطة التنفيذية -رئيس الجمهورية- مما يمنحه صلاحيات واسعة، كما أن إعلان الطوارئ يعنى أيضًا مراقبة سائر أنواع المراسلات ووسائل الإعلام المختلقة المقروءة والمرئية والمسموعة ودور العرض وما فى حكمها وشبكات وسائط المعلومات والاتصالات والمؤلفات والنشرات وكافة وسائل التعبير والدعاية والإعلان ومنعها وضبطها ومصادرتها وتعطيلها وإغلاق مقارها وأماكن طباعتها.
وما لبثت أن بدأت حملة اعتقالات بحق العديد من المواطنين والمسئولين بدعوى المشاركة فى الانقلاب، حيث تم اعتقال حوالى ثلاثة آلاف عسكرى من بينهم رتب رفيعة، كما تم إصدار مذكرة توقيف بحق قائد اللواء ٥٥ مشاة الجنرال «بكر كوجاك»، وأقيل خمسة جنرالات و٣٤ ضابطًا رفيعا من وزارة الداخلية بأمر من الوزير «أفكان على». كما أعلنت وسائل إعلام تركية أن أجهزة القضاء عزلت ٢٧٤٥ قاضيًا، بينما تم اعتقال نحو مائة عسكرى بقاعدة جوية بديار بكر على خلفية المحاولة الانقلابية المزعومة.
كما تخضع تركيا منذ المحاولة الانقلابية المزعومة لحالة طوارئ، تم تجديدها سبع مرات ومن المقرر أن تنتهى الفترة الأخيرة منها رسميًا فى ١٩ يوليو ٢٠١٨، وعليه قام «أردوغان بالعديد من الإجراءات التى من شأنها تأميم المجال العام وتصفية معارضيه؛ حيث أصدر مرسوما يوم ٨ يوليو ٢٠١٨، بفصل أكثر من ١٨ ألف موظف فى الدولة، بينهم العديد من عناصر الجيش وقوات الأمن ومدرسون وأساتذة جامعيون، بموجب مرسوم له قوة القانون نشر فى الجريدة الرسمية.
وورد فى المرسوم أسماء ١٨٦٣٢ شخصًا، بينهم أكثر من ٩ آلاف موظف فى الشرطة و٦ آلاف عنصر من القوات المسلحة، بينهم نحو ٣ آلاف من أفراد الجيش، وألفان من أفراد سلاح الجو وأكثر من ألف فرد من البحرية، وذلك للاشتباه فى صلاتهم بمنظمات إرهابية ومجموعات تعمل ضد الأمن القومي، عوضًا عن إصدار ٣٤ مرسومًا من قبل فى هذا الشأن بموجب حالة الطوارئ.
فى حين أغلقت السلطات التركية ١٢ جمعية من بينها جمعية الفرقان للعلوم والخدمات وثلاث صحف وقناة تليفزيونية، بموجب مرسوم القرار الصادر ضمن حالة الطوارئ المعلنة فى البلاد منذ عامين.
ونص مرسوم القانون الصادر فى ظل حالة الطوارئ على غلق عدد من المؤسسات بزعم قيامهم بنشاط داعم للتنظيمات الإرهابية أو أنها تمثل تهديدًا للأمن القومى وفقًا لمجلس الأمن القومى التركي.
ومن بين المؤسسات المغلقة، جمعية خريجى مراكز دروس تقوية FEM فى مدينة أديامان، جمعية العلم والخدمات فى أنقرة، وجمعية Suffem للتضامن والتعليم بأنقرة، وجمعية فرقان للعلم والخدمات فى غازى عنتاب، وجمعية أوزار للحقوق والرأى فى كهرمان مراش، وجمعية الطلاب الوليين فى كهرمان مراش، وجمعية خريجى وحفظة القرآن بثانوية الأئمة والخطباء فى كيليس، وجمعية الزنبق الأبيض للتعليم والتضامن الاجتماعى فى مدينة كوجالي، وجمعية الفرقان للعلوم والتضامن فى ملاطيا، وجمعية الشباب الحر فى سامسون، وجمعية رجال الأعمال فى شانلى أورفا.
كما صدر القرار بغلق عدد من الصحف والقنوات التليفزيونية بموجب مراسيم حالة الطوارئ، من بينها صحف نبض الشعب ومقرها إسطنبول، والديمقراطية الحرة، وجريدة «ويلات» فى ديار بكر، بالإضافة إلى قناة AVANTAJ التليفزيونية.
بالإضافة إلى مصادرة كافة ممتلكات ومنقولات ومستحقات المؤسسات المصادرة لصالح خزانة الدولة. وتم تعديل سندات ملكية العقارات وغير الملكيات إلى خزانة الدولة لدى السجلات وجهات القيد الرسمية، وكانت السلطات التركية أغلقت عشرات الصحف من بينها صحيفة زمان بنسختها التركية ضمن مراسيم حالة الطوارئ.
كما اعتقلت السلطات التركية ٥٧٣ شخصًا بسبب تدوينات على وسائل التواصل الاجتماعى واحتجاجات تنتقد العملية العسكرية فى عفرين السورية، من خلال الشكوى التى تقدمت بها وزارة الداخلية ضد اتحاد أطباء تركيا بعد نشره بيانًا ينتقد بشكل ضمنى التدخل العسكرى التركى فى سوريا، كما بدأت الحكومة التركية موجة من التحقيقات الجنائية، والاعتقالات، والفصل لأعضاء هيئة التدريس بالجامعات فى ما يبدو وكأنه أكبر حملة على الأكاديميين منذ عقود؛ حيث قضت محكمة فى إسطنبول بسجن ثلاثة أساتذة للاشتباه بهم بالترويج «لدعاية إرهابية».
إدانة دولية
وعلى ذلك تزايدت الانتقادات مع اتساع نطاق الاعتقالات، ويقول معارضون إن الحملة استخدمت لسحق جميع المعارضين للرئيس «أردوغان»؛ ووفق تقرير صادر عن مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان فى ٢٠ مارس ٢٠١٨، أفاد بأن تمديد حالة الطوارئ فى تركيا أدى إلى وقوع انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ضد مئات آلاف الأشخاص ممن تعرضوا للحرمان التعسفى من الحق فى العمل وحرية الحركة، والتعذيب، والاعتقالات التعسفية، والتعدى على الحق فى تكوين الجمعيات والتعبير، وأن العدد الكبير من «مراسيم الطوارئ» وتكرارها وغياب العلاقة بينها وبين أى تهديد وطني، كل ذلك يشير إلى استخدام قوة الطوارئ لتضييق الخناق على أى انتقاد أو معارضة.
وذكر مفوض حقوق الإنسان «زيد رعد الحسين» «إن الأرقام هائلة، إذ اعتقل ما يقرب من ١٦٠ ألف شخص خلال فترة حالة الطوارئ التى امتدت ١٨ شهرًا، وعزل ١٥٢ ألف موظف مدنى من وظائفهم، الكثير منهم تعسفيًا. كما عزل أو حوكم مدرسون وقضاة ومحامون، وألقى القبض على صحفيين، وأُغلقت مواقع على الإنترنت أو حُجبت».
كما دعا الحكومة التركية، مرة أخرى، إلى السماح لمكتبه بزيارة تركيا بشكل كامل وبدون قيود لتقييم أوضاع حقوق الإنسان فى جنوب شرق البلاد، بشكل مباشر ومستقل ومحايد.
وعن الخطوات التى اتخذها الحزب الحاكم لتقليص نفوذ الجيش، ذكر تقرير لصحيفة «حرييت» التركية، فى ٢٥ يوليو ٢٠١٧، عدة إجراءات، أبرزها إلغاء القوانين التى كانت تجيز للجيش الاستيلاء على السلطة فى حال رأى أن أمن البلاد فى خطر، كما تم وضع الصناعات التى تقوم بها القوات المسلحة التركية تحت المساءلة، وكذلك ما يتعلق برواتب موظفيها. أيضًا، وفق الصحيفة، تم تجريد مجلس الأمن القومى من صلاحياته التنفيذية، وإدخال عدد كبير من المدنيين وسط أعضائه، كما أن النفقات العسكرية التى لم تكن تخضع لأى رقابة ولا حتى للسلطة التشريعية، خضعت لـ«ديوان المحاسبة» فى عهد حكومة «العدالة والتنمية».
ومن خلال هذه الإجراءات يتضح العديد من المؤشرات أهمها: استغل أردوغان الأوضاع السياسية التى حدثت لتمرير التعديلات الدستورية فى أبريل ٢٠١٧، لتوسيع صلاحياته وتغيير النظام السياسى من النظام البرلمانى إلى النظام الرئاسى ليعظم مكاسبه السياسية.