الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

العالم

الاقتصاد التركي في مرمى نيران "السلطان الطائش"

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
حُسم السباق الرئاسى فى تركيا لصالح الرئيس «رجب طيب أردوغان» إثر إجراء الانتخابات الرئاسية يونيو الماضى، وعليه ستدخل أنقرة مرحلة جديدة من النظام الرئاسي، ووفقًا لهذه التعديلات سيتمتع «أردوغان» بصلاحيات واسعة تمكنه من تشكيل حكومته بدون قيود، فضلًا عن قدرته على اتخاذ قرارات مستقلة بدون الرجوع إلى موافقة البرلمان، وخاصة فى فيما يتعلق بسياساته الخارجية التي تتوافق مع طموح السلطان العثماني، وعليه بدأ «أردوغان» فى تشكيل حكومته بشكل مستقل متجاهلًا كل ما يعوق طموحه فى السيطرة على مؤسسات الدولة التركية.
ديكتاتورية السلطان
تمكن «أردوغان» بالفعل من تحقيق أهدافه الداخلية والخارجية فى الآونة الأخيرة، مستغلًا محاولة الانقلاب التى تعرضت لها أنقرة فى يوليو ٢٠١٦ لتكون ذريعة جديدة لديكتاتوريته وانفراده بالسلطة، تجلى ذلك فى التدخل العسكرى فى المنطقة العربية بحجة حماية الأمن القومى التركى من الإرهابيين خاصة فى سوريا من خلال عملية «درع الفرات»، و«غصن الزيتون»، تمهيدًا لخلق موطئ قدم له فى دمشق، بالإضافة إلى تحركاته فى البحر الأحمر ومنطقة شرق أفريقيا، بالتزامن مع توجهاته الخارجية نحو منطقة شرق المتوسط، تمهيدًا لاستعادة أمجاد الإمبراطورية العثمانية.
ورغم أن التنمية فى تركيا مستمرة فضلًا عن تنامى الاستثمارات الداخلية والخارجية، إلا أن الاقتصاد التركى فى وضع حرج نتيجة ارتباط قيمة العملة الوطنية، ومعدلات التضخم بالاستقرار السياسى والتحركات الخارجية.
تمثل ذلك على سبيل المثال عندما عين «أردوغان» فور تنصيبه صهره «براءت ألبيرق» وزيرًا للخزانة والمالية فى الحكومة الجديدة، تكريسًا للهيمنة الفردية، والسيطرة على السياسات المالية والنفدية فى تركيا، أدى ذلك إلى انخفاض مباشر لقيمة الليرة التركية لتسجل أسوا معدلات خلال العام الجاري.
وبالنسبة للمؤشرات الخاصة بمعدلات النمو التى يشهدها الاقتصاد التركى من ٢٠١٣ وحتى ٢٠١٧ ؛ فقد أثرت التدخلات الخارجية على السياسات النقدية والاقتصادية، مما أدى إلى ارتفاع معدلات التضخم إلى أعلى من ١٠٪، بجانب ارتفاع معدلات البطالة أيضا فوق ١٠٪، ما يعنى عدم قدرة الحكومة على زيادة عائدات الضرائب لتغطية العجز فى الميزانية، البالغ ٥٠ مليار دولار انعكاسات مضادة
بدأ «أردوغان» حكمه بالسيطرة على الاقتصاد التركى ليكون رهن أوامره من خلال السيطرة عليه وفقًا لتوجهاته الخاصة من خلال تعين «ألبيرق» فى هذا المنصب، لتكون مرحلة جديدة من تراجع سياسات السوق الحر، وتقويض استقلال البنك المركزي، ليكون محل وزير المالية «ناسى أغبال». وعليه فقد تأثرت العملة الوطنية بشكل كبير تمثلت فى انخفاض الليرة من ٣.٨ ٪ إلى ٤.٧٤٨٨ ٪ مقابل الدولار.
الأمر الذى أثار قلق المستثمرين بشكل كبير، لأن القيادة السياسة الجديدة انتهجت سياسات نقدية من شأنها زيادة معدلات التضخم وعجز الميزانية نتيجة الضغط السياسى على البنك المركزى لتخفيض سعر الفائدة، ظنًا منهم أنه سيكون دافعًا لزيادة الاستثمارات الخارجية.
والجدير بالذكر؛ أن أردوغان قد أعرب مرارًا عن نيته فى التحكم فى الاقتصاد بشكل كبير فور إجراء الانتخابات الرئاسية، متعهدًا بخفض سعر الفائدة، مستغلًا النمو الاقتصادى الذى شهدته أنقرة فى العام الماضى بشكل أسرع من الصين.
كما أدت القرارات السياسية الخاصة بإعادة هيكلة الاقتصاد التركى وفقًا للرؤية الأردوغانية إلى تأثيرات سلبية على معدلات النمو الاقتصادى بجانب تراجع قيمة السندات السيادية التركية وفقًا لقيمتها بالدولار، فعلى سبيل المثال انخفض الإصدار المستحق فى ٢٠٤٥ بمقدار ٤.٣ سنت إلي ٨٧.٢ سنت، كما تراجع إصدار السندات الدولية استحقاق ٢٠٣٨ بواقع ٣.٩ سنت إلي ٩٥.٨٧ سنت.
«الليرة».... والاقتصاد التركي
تعانى العملة الوطنية التركية حالة من التدهور، وتعد من بين أسوأ عملات الاقتصادات الصاعدة أداءً خلال عام ٢٠١٨، فضلًا عن تراجع سعر الصرف بأكثر من ١٥٪، وذلك فى إطار الإدارة السياسية الضاغطة على الاقتصاد الوطنى بما يدعم توجهاته على كل الأصعدة. فبرغم من تمكن الاقتصاد التركى من تحقيق معدلات نمو عالية، ونأى بنفسه من الأزمة الاقتصادية العالمية التى تعرضت لها الاقتصادات الغربية فى ٢٠٠٨، إلا أنه لم يتمكن من الصمود وأخذ فى التراجع نتيجة التحكم السياسى فى القطاع المصرفى، وذلك منذ ٢٠١٠ تماشيًا مع النهج السياسى الجديد الذى تقوده النخب الحاكمة.
وفى هذا الصدد؛ تزايدت الديون الخارجية المستحقة للمصارف الأوروبية لتصل إلى ما يقرب من ٢٢٤ مليار دولار (نحو ٢٠٠ مليار يورو)، كما تأثرت أسهم تلك البنوك الأوروبية بانهيار الليرة بنسب تتراوح بين ١٠٪ و٢٠٪ بسبب ديونها فى تركيا. وهنا يقف البنك المركزى عاجزًا عن تفادى هذه الأزمة لإنقاذ الشركات والمؤسسات التى لم تتمكن من تسديد ديونها الدولارية، لأن الاحتياطى التركى من النقد الأجنبى معظمه احتياطى من الذهب برغم أنه يصل إلى ١٣٥ مليار دولار.
ختامًا؛ يبدأ «أردوغان» سياساته الجديدة وفقًا لقواعد النظام السياسى الرئاسى بترسيخ هيمنته على جميع مؤسسات الدولة التركية ومقدراتها بما يتوافق مع توجهاته الداخلية والخارجية بالتزامن مع تطويق المعارضة الداخلية وقمعها باعتبارهم من مؤيدى الانقلاب والراغبين فى إزاحته من الحكم، وعليه فإنه يعد من القيادات السياسية التى تستمد شرعيتها الداخلية من تنامى الصراعات على كل الأصعدة التى من شأنها تعزيز تدخله فيها، ليكون بذلك القائد العظيم الذى استطاع تحويل بلاده من دولة متوسطة هامشية إلى دولة مركزية فاعلة فى النسق العالمي. لذا لم تكن الأزمة الاقتصادية التى يواجهها الاقتصاد التركى وليدة اللحظة، ولكنها كانت كامنة منذ ٢٠١١ واستمرت مع تحركاته الخارجية الداعمة لإعادة التمركز والانتشار للسيطرة العثمانية على المنطقة العربية مستغلًا حالة عدم الاستقرار. كما حاول الرئيس التركى أن يتدخل فى الأزمات العربية بشكل مباشر عبر المزج بين الأدوات الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية لتأمين مصالحه، الأمر الذى انعكس بشكل سلبى على الاقتصاد التركى تمثل فى هروب العديد من الاستثمارات الأجنبية خارج البلاد.
بجانب تراجع العلاقات الاقتصادية مع الدول الخليجية إبان الأزمة مع قطر، فقد اختار «أردوغان» الاصطفاف إلى جانب الدوحة مدعمًا سياساتها بكل الإمكانيات. كما تعد الضربة القاصمة للاقتصاد التركى فى المستقبل القريب فى السيطرة السياسية على السياسات النقدية والاقتصادية والتى ستؤثر بشكل عميق على معدلات النمو والناتج الإجمالى، مما سينعكس على الشارع التركى الذى أصبح فى مرمى سياسات أردوغان الديكتاتورى.