الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

"نقاد": جرائم الجماعات المتطرفة فاقت الفانتازيا والخيال

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
انشغلت الكتابة الروائية الجديدة بالاشتباك مع الخيال والعجائبى كطريقة جديدة لتعبير المؤلف عن علاقته بالكون وأسئلة الواقع المعيش، إن الحوادث والوقائع اليومية التى يمر بها العالم الآن أثبتت تجاوز المتخيل، وباتت الكتابات الخيالية فى مواجهة مع ذلك الواقع وحتى مع ما تعرضه السينمات العالمية من أفلام فاقت التصورات.
وعن كتابة رواية الواقعية السحرية والفانتازيا واستثمار الأساطير والغرائب والثقافات المغمورة والرحلات التاريخية العجيبة تستطلع البوابة آراء النقاد الأدبيين الذين لاحظوا تنامى تلك الظاهرة فتحدثوا عن الأسباب والدوافع وشكل الظاهرة.
صيغ خيالية مبتكرة
قالت الناقدة الأدبية الدكتورة اعتدال عثمان: لا شك أن الواقعية السحرية فى واقعنا الأدبى قد تأثرت بموجة ترجمة أدب أمريكا اللاتينية، التى لفتت أنظار كتابنا من مختلف الأجيال إلى أساليب جديدة لاستلهام تراثنا الشعبى الغنى بالأساطير والحكايات التى تحتفى بالخارق المدهش مثل ألف ليلة وليلة وغيرها، وهو ما كان يحدث، غير أن انتشار «الواقعية السحرية» فى العالم أعطى هذا التوجه دفعة إضافية لدينا.
وأضافت «عثمان» فى تصريحات خاصة لـ«البوابة»: تواصل الاهتمام بهذا المنحى فى الكتابة لدى جيل الشباب. ويقاس نجاح النص القصصى فى هذه الموجة الإبداعية الجديدة بمدى قدرة الكاتب على تقديم صيغ خيالية مبتكرة، مستنبتة من محيط الواقع، ومصوغة بفاعلية التخييل المدهش الذى يناوش مخيلة القارئ، ويجذبه للدخول فى عالم النص، ويثير فضوله لكى يحاول فك شفرته وكشف خباياه، فيكون مشاركا فى الحالة الإبداعية التى لا تقتصر على اللعب مع الخيال، بل تمثل رؤية وموقفا حافزا على تنبيه العقول لإدراك مغاير للأشياء.
وتابعت: مع النزعة التجريبية المتنامية فى الأنواع السردية الصادرة حديثا لم يعد الأمر يتعلق بإعادة إنتاج الحياة المعيشة، بل باكتشاف جوانب خافية من تجربة الذات والعلاقة بالواقع وبالآخر عبر لغة مشحونة بطاقات تخييل لا تسعى إلى محاكاة الواقع، بل تتعمد كسر الإيهام بالمحاكاة مقابل تقديم صورة تخييلية لذلك الواقع نفسه، يتداخل فيها الواقعى والسحري، وذلك بما يساعد على إعادة ترتيب المكونات والأولويات، واستبدال الهامشى بالمركزى الذى طالما احتل الصدارة فى القص التقليدي، وثار عليه المجددون بصرف النظر عن الانتماء إلى جيل بعينه.
واختتمت «عثمان» قائلة: إن مثل هذا التحول يحدث أيضا نتيجة لتغير طبيعة التجرية الحياتية التى تعيشها الأجيال الجديدة، واهتزاز القيم والإيديولوجيات التى كانت سائدة فى القرن الماضي، والتى انبنت عليها رؤى العالم المستقرة نسبيا، برغم تحولاتها الدراماتيكية لدى الأجيال السابقة. هذه الرؤى قد تخلخلت على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ومن الطبيعى أن تكون لهذه التحولات بعدها الثقافى غير المنفصل عن أدائها الجمالي. وتبدو «الواقعية السحرية» بآفاقها المفتوحة بغير حدود مرسومة مجالا لانطلاق الخيال، إذ تتيح قدرا من الحرية ربما يكون مفتقدا فى مسار الحياة اليومية، كما تعطى للكتاب فرصة للمناورة الفنية بعيدا عن الرقيب المترصد.
هروب من الواقع
من جانبه قال الناقد الأدبى الدكتور محمد سليم شوشة: أعتقد أن لجوء بعض الأصوات الروائية إلى الفانتازيا والواقعية السحرية، يمثل نوعا من الهروب من الواقع وتجاوزه أو الاستعلاء عليه، وقد يبدو لهذا الشكل من السرد مظهران، الأول أقرب لرؤية مغايرة للواقع عبر خيال متجاوز، والثانى قد يكون هروبا كاملا للذات من الواقع، وهنا قد تبدو الكتابة إنكارا للواقع وتجاهله.
وأضاف «شوشة» فى تصريحات خاصة لـ «البوابة»: وفى المقابل هناك الكتابة الواقعية عن المجتمع، وعن ما قد يتصور الكتابة أنه مستهلك، وتم تداوله على نحو ممل. والحقيقة أن قناعتى الشخصية أن إنتاج الدهشة الأدبية من الواقع دليل موهبة فريدة، ولذلك فأنا دائما ما أميل إلى هذه الكتابة التى تؤمن بالواقع والإنسان بشكله الحاصل أو المتحقق بالفعل، والكتابة المؤسسة عن الواقع أعتقد أنها تحتاج إلى تأمل عميق وطويل، ومداومة هذا التأمل حتى يملك السارد رؤية جديدة داخل هذا الواقع أو يتمكن من رؤية ما لا يقدر غيره على رؤيته فى هذا الواقع. وتابع: يمكن كذلك تخيل الواقع نفسه بصورته الحاصلة أو المتحققة شكلا من أشكال الغرابة والفانتازيا، فالجماعات الرجعية أو الأصولية هى شكل من أشكال الغرابة وجمودها أقرب للفانتازيا. ولأستاذنا الدكتور شاكر عبدالحميد كتاب فريد ومهم فى هذه المسألة، وطرح رأيا وافيا حول هذا التصور عن هذه الجماعات وما قد ينتج عنها من غرابة وفانتازيا تبدو عبثية أو لا معقولة.
وأكد: أن المسألة فى النهاية تربط بالرؤية، فمن يقدر على رؤية ما بالواقع من الغرابة قد لا يحتاج إلى كتابة الفانتازيا بشكلها التقليدى كما هى عند كافكا مثلا، المسألة ترتبط برؤية الواقع وكيفية التعامل معه أدبيا. المسألة كذلك لها صلة باشتغال الشكلين من الكتابة على مساحة المشتركة من الوعى الجمعى للمتلقين للسرد الأدبي. وأتصور أن النقد العربى الغارق فى ترديد مقولات الآخرين والتشدق بها يبدو بعيدا جدا عن مقاربة هذه المسائل بجدية من جوانبها كافة، فلجوء بعض الكتاب للفانتازيا فى عصر ما يمثل ظاهرة لها أبعادها النفسية والاجتماعية والسياسية كذلك، كما هو أمر مرتبط بأولويات فنية وانحيازات لذوق بعينه أو لكيفية معينة فى التعبير.
نبع قديم
عبر الناقد الأدبى الدكتور حسين حمودة، عن رأيه فى تلك الظاهرة قائلا: إن ما يمكن ملاحظته الآن، خلال العقود الأخيرة، من حضور كبير للروايات التى تعتمد على «الفانتازيا» أو تتأسس على «الواقعية السحرية».. ليس استحداثا من عدم، بقدر ما هو عودة إلى نبع قديم ثري، ظل قائما خلال تاريخ الحكى كله، منذ «الأساطير» إلى «الملاحم»، إلى أعمال شهيرة لعل على رأسها «ألف ليلة وليلة»..
وأضاف «حمودة» فى تصريحات خاصة لـ«البوابة»: أن هذا الانتشار الآن فى كتابة الرواية، فى هذا الاتجاه، يرتبط بأسباب عدة، منها أن الفانتازيا والواقعية السحرية لهما من إمكانات التعبير مساحة كبيرة جدا، فهما يتيحان للمبدع قدرا كبيرا من الحرية، ومقدارا هائلا من التخيل، ويترتب على هذا قدرة على إثارة التشويق لدى القراء.. وهذا كله يتجاوز الحدود الضيقة التى ارتبطت بها اتجاهات وتيارات فى الكتابة قبل عقود طويلة، مثل تجربة «الواقعية»، أيا كانت: واقعية محدودة، أو «واقعية بلا ضفاف» حسب تعبير روجيه جارودي..
«عثمان»: مثل هذا التحول يحدث أيضا نتيجة لتغير طبيعة التجرية الحياتية التى تعيشها الأجيال الجديدة، واهتزاز القيم والإيديولوجيات التى كانت سائدة فى القرن الماضي، والتى أنبنت عليها رؤى العالم المستقرة نسبيا.