الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

وسط البلد.. محمية أثرية تعاني الإهمال

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كتبت الأسبوع الماضى عن مبادرة محافظ القاهرة التى تهدف إلى إخلاء الأرصفة من الإشغالات وتمكين المشاة وحقهم فى رصيف آمن، ومن ضمن ما قلته إن الموضوع أكبر من محافظ القاهرة، فهو يحتاج إلى جانب الإمكانيات الفنية التى تساعد على الإخلاء بهدوء، يحتاج إلى إرادة وتصور عام وإبداع، ولأننى أتشكك فى موضوع التصور العام والإبداع، فإننى أتوقف عند الجهد المبذول بمنطقة البورصة فى وسط البلد، وكذلك إعادة ترميم وإحياء فندق الكوزموبوليتان وهو فندق شبه أثرى.
الملاحظ هو أن العمل فى التطوير بالقطعة لن يجدى ولن يؤتى ثماره المرجوة، فمنطقة وسط البلد وهى تكاد أن تكون بوابة دخول السائح إلى القاهرة، وهى كارت التعارف الأول الذى من خلاله يشهد الضيف أنه فى بلد متحضر، تلك المنطقة التى تمتد فى مثلث رأسه ميدان رمسيس وزاويتاه ميدان عبدالمنعم رياض وقصر عابدين، هذا المثلث الذى لا يقدر بثمن الذى يعانى منذ سنوات من الفوضى والاستهبال، كنز حضارى يشهد على آلاف القصص التى شكلت تاريخ مصر الحديث.
على كل ناصية واقعة حدثت، وواجهة كل عمارة تحكى حكاية كبيرة، هذا الميراث يكاد أن يتبدد، بعد أن طغت عليه لافتات النيون التافهة على المحلات، كما اعتدى على ذلك الميراث جبروت اللافتات للأطباء والمحامين وغيرهم، زد على ذلك تشوهات أجهزة التكييف الخارجية التى انتشرت كالدمامل لتؤلم العمارة وتفسدها.
معظم المتابعين سافروا إلى إيطاليا وفرنسا وغيرهما، وهناك وقفوا مبهورين على مدخل بناية ليلتقطوا صورة تذكارية، فعلوا ذلك وهم يعلمون أن ذات البناية لها أخت فى وسط البلد بالقاهرة، ولكن اغتالتها يد الإهمال والتسيب، فتعدد المسئولية بمصر، جعل كل مسئول يرمى بهمه على الآخر، جعل المسئول يعد أيامه فى الخدمة ويراقب رصيده بالبنك ولا ينتج أثرًا فى عمله لتشهد له الأجيال القادمة.
عندما شاهدنا السقالات ترتفع فى ميدان باب اللوق لدهان واجهات العمارات استبشرنا خيرًا، ولكن تعود ريما إلى عادتها القديمة، وينخر السوس فى جسد البنايات ليهددها ويهدر ثروات طائلة فى بلد يشكو من نقص الإمكانيات المادية، فلم تمتد يد التطوير إلى تأسيس كود موحد تخضع له لافتات هؤلاء المغرورين فى وسط البلد، ولا أفهم أن تحتل لافتة طبيب أو محام عرض العمارة، فهل يعتقد ذلك المغرور مثلًا أن زبونًا تائهًا سوف يصعد له بالصدفة بسبب اللافتة الحمقاء، كل زبون لهذه الخدمات النوعية يعرف جيدًا أنه يخرج من بيته قاصدًا فلان، أما تلك المنافسة الرخيصة والتشويه المتعمد فهو ليس إلا صورة من صور الانحطاط فى الذوق والاعتداء على وسط البلد التى أُصر على تسميتها بالمحمية الأثرية.
أبدًا ليست الإمكانيات التى تنقصنا، تنقصنا الإرادة والإبداع من أجل التطوير الجذرى، لو كنت فى طائرة وألقيت نظرة خاطفة على سطوح وسط البلد، لوقعت مغشيًا عليك من هول التجاوزات على الأسطح، غابة من القمامة والخزانات ومخلفات البناء حتى الإريال الذى توقف الناس عن استخدامه ما زالت أطنان منه منصوبة على الأسطح، ولأن الأمثال فى الكلام تضىء أدعو المسئولين إلى تلك المقارنة المؤلمة، عن سطح المدرسة الألمانية أو الجامعة الأمريكية فى وسط البلد، وشاهدوا مدى الدقة والانضباط والالتزام، ثم ارصدوا سطح مجمع التحرير مثلًا أو سطح وزارة من الوزارات أو حتى عمارات الأهالى، سوف يعرف المسئول وقتها أن بيننا وبين التطور مسافة زمنية لا يمكن اختصارها إلا بالإرادة الحقة والإبداع فى حل المشكلات، المشوار ليس طويلًا، ولكن القليل من الالتزام يختصر المسافة.