الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

وماذا بعد انتهاء الحرب السورية؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تابعنا جميعًا خلال الفترة الماضية التقدم الذى أحرزه الجيش العربى السورى على مسرح العمليات العسكرية، وبدأت مرحلة تسويات ما بعد انحسار قوات المعارضة عن مناطق حول دمشق وبالجنوب السورى. ففى ثالث زيارة له إلى الكرملين فى أقل من عام، والثانية فى أقل من شهرين توجه رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو إلى موسكو للقاء الرئيس فلاديمير بوتين بهدف إبعاد شبح إيران وحزب الله عن الحدود بعد فشل إسرائيل وحلفائها فى إسقاط محور المقاومة فى سوريا. لكن هذه المرة يذهب نتنياهو ليُكمل ما بدأه سابقا مع بوتين، حيث يبدو أن ثمة اتفاقا ضمنيا حصل، وللأردن دور فيه، يقضى بالقبول بعودة الجيش السورى إلى الحدود مع قوات روسية يفضل أن تكون شرطية فقط. فمن الواضح جليًا أن هناك تفاهمات بين روسيا وإسرائيل تقوم بموجبها الأخيرة بالضغط على أمريكا للتأكيد على أهمية الدور الروسى فى سوريا حيث ظهر ذلك من خلال ترويج رئيس الوزراء الإسرائيلى للدور الروسى فى خلال زيارته الأخيرة إلى الاتحاد الأوروبي، فى المقابل فإن الدور الروسى سيتركز على نشر قوات شرطة فى الجنوب السورى بمحاذاة الشريط الحدودى لمنطقة الجولان المحتل وذلك بهدف إرضاء إسرائيل التى تخشى من وصول مسلحين معادين لها حيث تريد أن تبقى على الجولان هادئًا. ولكن ما هى المستجدات التى أدت إلى تسارع وتيرة الأحداث على تلك الجبهة بهذا الشكل؟
يكفى أن نعرف أن وصول الجيش العربى السورى إلى معبر نصيب والسيطرة على معظم درعا، جاء بعد ٨ سنوات من القتال المُضنى والتكاليف البشرية والمادية الباهظة التى دفعها الجيش وحلفاؤه من روسيا وإيران وحزب الله وغيرهم. وبذلك فقد حقق محور المقاومة وروسيا انتصارًا عسكريًا يجعل الحرب السورية تشارف فعلاً على نهايتها لصالحهم وبتسليم أمريكي. ولا شك أن الجيش السورى بهذا المعنى أيضًا كرّس نتيجة عسكرية تستحق التدريس كنموذج فى حروب طاحنة كان الانتصار فيها مخالفًا لكل حدود المنطق علمًا بأنه ما كان يُمكن الوصول إلى هذه النتيجة بلا تفاهمات دقيقة رعتها روسيا وشملت ضباطا أمريكيين وإسرائيليين وأردنيين وقادة من الفصائل المسلحة الذين وجدوا أنفسهم ضائعين بعد تخلى أمريكا عنهم، وتفكك التفاهم الخليجى التركى من حولهم فى سياق مصالح إقليمية ودولية تتخطى اللاعبين الصغار. ولا ننسى أن وزير الدفاع الإسرائيلى أفيجدور ليبرمان الروسى الأصل التقى مرارا بمسئولين روس فى الآونة الأخيرة، كما أن رئيس الشرطة الروسية زار إسرائيل والتقى مسئوليها أكثر من مرة. لا ننسى كذلك أن تسريع وتيرة السيطرة على معبر نصيب جاءت فى أعقاب زيارة وزير الخارجية الأردنى أيمن الصفدى إلى موسكو ولقائه مع وزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف. (مهم هنا الإشارة إلى أن الصفدى ينتمى إلى طائفة الموحدين الدروز الذين يعيشون حساسية خاصة عند الحدود منذ بداية الحرب السورية، وهو من منطقة الزرقاء) حيث جاءت السيطرة على القسم الأكبر من درعا ومعبر نصيب بعد قبول سورى بإرسال وفد إلى لجنة صياغة الدستور الجديد التى ترعاها موسكو وذلك بهدف (الإيحاء) بأن دمشق قابلة بحلول سياسية لجهة تعديل الدستور وإشراك قسم من المعارضة (المقبولة) فى الانتخابات المقبلة وفى الحكومة لكن الأكيد أن لا دمشق ولا موسكو ولا طهران ستقبل اليوم ما رفضته فى خلال ٨ سنوات من فرض عدم ترشح الأسد لولاية جديدة ولن تقبل بحضور قوى للمعارضة فى مستقبل سوريا، وقد كان لافتا ما قاله مستشار الأمن القومى الأمريكى جون بولتون إن «الأسد لا يشكل مشكلة استراتيجية لأمريكا وإنما المشكلة هى إيران» صحيح أن الهدف هو اقناع روسيا ودمشق بإبعاد إيران بهدف بث الفرقة بينهم، لكن الصحيح أيضا أنه ما عاد أمام واشنطن وإسرائيل وبعض الدول العربية إلا محاولة تخفيف دور إيران فى المنطقة بعد العجز عن اسقاط الأسد بالقوة. هذا هو الثمن الوحيد المطلوب حاليًا.
من الأمور الملفتة أيضًا الفترة الماضية أن الرئيس الأسد أكد فى تصريح لإحدى القنوات الروسية أنه لم يقرر بعد ما إذا كان سيترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة فى ٢٠٢١، وقال«إن هناك عاملين لهذا الترشح: الأول هو رغبتي، أما العامل الثانى فيتوقف على إرادة الشعب السورى، وما زال أمامنا ثلاث سنوات أخرى».
هذا الموقف يساهم طبعًا فى زرع البلبلة عند الخصوم، لكنه يمنح الروس هامشًا واسعًا للتفاوض مع الأمريكيين فمما لا شك فيه أن سيطرة الجيش العربى السورى برعاية روسيا على معبر نصيب والجزء الأكبر من درعا، كان مطلوبا بشدة الآن قبل لقاء الرئيسين الروسى والأمريكى فى هلسنكى فى ١٦ يوليو الجاري. فهناك ستصاغ تفاهمات دولية (فعلية)، فى حال تخفف دونالد ترامب من الضغوط الداخلية الهائلة عليه تجاه روسيا، وفى حال نجح هو وبوتين فى ذلك، فلا شك أن الحرب السورية ستكون دخلت فعليًا فى مرحلة النهاية، لكن السؤال الأهم هنا، ماذا بعد انتهاء الحرب السورية فيما يتعلق بصفقة القرن؟ ما هو حجم التفاهمات الممكنة؟ أعتقد أن هذا هو السؤال المحورى حاليا، لأن أمريكا كانت ولا تزال أمام ٣ تخوفات أساسية، حماية إسرائيل ضد (كل) العرب وإضعاف محور المقاومة وعلى رأسه إيران، وضمان المصالح الأمريكية بعد تسليم سوريا إلى روسيا فهذه التخوفات هى المبرر الوحيد للضغوط الأمريكية على إيران، والتحاق بعض الأوروبيين بها، أما روسيا فهى تحاول لعب دور الوسيط، وتأمل أن تقنع سوريا وإيران وحزب الله وإسرائيل، بالعودة إلى منطق مفاوضات السلام وذلك بالتفاهم الضمنى مع أمريكا.
لا شك أننا أمام لحظات مهمة من تاريخ الشرق الأوسط، جديرة بالمراقبة الدقيقة، فإسرائيل ستعمل ما تستطيع (حتى الحرب) فى محاولة لمنع إيران وحزب الله من الاستقرار عند حدودها، وربما ليس من مصلحة أحد لا إسرائيل ولا إيران ولا حزب الله ولا سوريا الذهاب صوب الحرب، التفاهمات مطلوبة إذن، لكن المهم ما هى حدودها، ولعل ما حصل فى درعا هو جزء بسيط من هذه التفاهمات، وكما قلت فى مقالات سابقة فى معرض حديثى عن دول المنطقة وموقفها من صفقة القرن الأمريكية المزعومة فإنى أحاول قدر الإمكان أن أربط الحلقات الموجودة على مسرح الأحداث ليتشكل أمام القارئ سلسلة واحدة من الأحداث المترابطة فعليًا والمنفصلة ظاهريًا عسى أن ندرك حجم التحديات المحيطة بنا، والأخطار الواجب علينا مجابهتها شئنا أم أبينا.
حفظ الله مصر وشعبها وجيشها