الثلاثاء 07 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

رحلة البحث عن "المساخيط".. مُغامرة "البوابة" في جبال دشنا للتنقيب عن الآثار

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
منذ بضعة أسابيع ماضية، قامت الدنيا ولم تقعد حينما أبلغت السلطات الإيطالية، السفارة المصرية فى روما، بعثورها على 23 ألفًا و700 قطعة أثرية فى حاوية دبلوماسية، واتخذت الأخيرة على عاتقها التحقيق فى الواقعة، للكشف عن تفاصيلها ومحاسبة المتورطين.

وشغلت وسائل الإعلام العالمية والمحلية، فضلًا عن وسائل التواصل الاجتماعى، بأنها واحدة من مئات عمليات تهريب الآثار المصرية، التى تُستخرج فى صمت وتُهرب إلى الخارج، حيث إن ما يتم الإعلان عنه من آثار مسروقة أقل بكثير من الآثار التى تُباع دون أن يُعرف عنها شىء.
وخلال السنوات الأخيرة، أضحى الجميع يلهث وراء استخراج تاريخ مصر المدفون فى باطن الأرض، لجنى مكاسب طائلة من ورائها، خاصة أن طرق السرقة واستخراج الآثار، تنوعت وانتشرت بفضل التطور التكنولوجى فى عمليات التنقيب والبحث عن الثروة الفرعونية.
«البوابة» عايشت هذا الواقع داخل إحدى قُرى شرق مركز دشنا بمحافظة قنا، حيث تأتى على رأس قائمة محافظات؛ الأقصر والمنيا وأسوان والجيزة والشرقية، التى تكثُر فيها حوادث التنقيب غير الشرعى عن الآثار، حسبما أكدته دراسة بحثية صدرت عن المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية. وانتقلنا إلى الجبل، حيث يسود الاعتقاد لدى الكثير بوجود القطع والتماثيل الأثرية، وهوس البحث والتنقيب عما يُسمونه «المساخيط»، وبدأنا رحلتنا التى استغرقت 7 ساعات، من العاصمة القاهرة، حتى الوصول ليلًا إلى واحدة من قُرى شرق مركز دشنا، التى تضم «العجمى، ونجع عبدالقادر، وأبودياب، والميات، وأبومناع، ونجع سعيد».

مفتاح المقبرة فى «إيد الشيخ»
فى البداية كنا على موعد، مع أحمد فكرى، الاسم المُستعار لدليلنا، الذى رافقنا فى تلك الرحلة بمصاحبة محمد مبارك، أحد أبناء القرية.
ولعل أصدق جملة تعبر عن حالة الهوس والوهم التى وصل إليها قاطنو تلك القرية، وما حولها، هى التى قالها واحد من أبنائها، الذى اشتعل رأسه شيبًا، أثناء سرده لقصته مع التنقيب عن الآثار، حيث قال: «عند المعبد بتاعى فى الجبل».
٩ كيلومترات تقريبًا، هى المسافة التى قطعناها من حدود القرية إلى داخل الجبل فى تمام السابعة صباحًا، وهى نفس المسافة أيضًا لوصولنا إلى أول مجموعة من «الحُفر» التى قام بها عدد من الأشخاص منذ عامين، ولا يتعدى عمق الواحدة منها الأربعة أمتار.
وبدأ «الدليل» حديثه، قائلًا: إن التنقيب عن الآثار فى الجبل بدأ مُنذ حوالى ٥٠ عامًا، غير أنه انتشر بشكل واسع خلال السنوات الأخيرة، خاصة بعد ثورة يناير، مضيفًا أن مجموعة الحُفر التى أمامنا بدأ العمل بها مُنذ عامين.

وتابع فى لهجة صعيدية: «كانوا ٣ أفراد بينقبوا هنا، ولسه شغالين، بيجيبوا كل فترة شيخ فيؤكد لهم أن المكان فيه «مساخيط» بس لا يستمر معاهم، أو ممكن تقول إن الشيوخ دى خدمتها من الجن ضعيفة، فمبيعرفوش يخلصوا»، مؤكدًا أن تأكيد الشيوخ لوجود الكنوز شرط للاستمرار فى الحفر والتنقيب، وعن سبب التنقيب بعيدًا عن القرية، وفى أماكن لا يبدو أن قدماء المصريين سكنوها، قال «فكري»: إن المدينة القديمة لمحافظة قنا كانت قريبة من منطقة الجبل، بحكم مجرى النيل أو فيضان النيل، ومن المعروف أن الحضارة المصرية كانت تُقام على ضفاف النيل، وبعيدة عن المياه حتى لا يلحق بها ضرر.
ونوه إلى أن التنقيب عن الآثار موجود فى القرية نفسها، لكن السبب الرئيسى خلف سعى الناس للتنقيب فى الجبل، هو البُعد عن الأنظار والعمل والحفر بحرية أكثر.
وبالعودة إلى رحلتنا، فلم يفصلنا عن المنطقة الأخرى من الحفر والتنقيب سوى ٥ كيلومترات، لنكون بذلك على بعد ١٤ كيلومترًا أو أكثر من حدود القرية، وأثناء السير، لَفت «الدليل» انتباهنا لزاوية فى أحد الجبال، وهو يقول: إنه فى هذا المكان يوجد معبد «فيلة».
ووجهنا حديثنا له: «معبد فيلة فى أسوان مُش هنا»، ليقول: إن بعض الأشخاص المنقبين بهذا المكان هم من أطلقوا عليه هذا الاسم، وأنه قد يكون ذلك ناتجًا عن مدى ما وصلوا إليه من اعتقاد و«عشم» فى الخيرات الموجودة بداخله».

وذَكر «فكري»، أن بعض المنقبين فى هذا الحيز من المكان عثروا على «مسلة» فرعونية يصل طولها إلى أكثر من ثلاثة أمتار، وباعوها إلى «ناس تقيلة»، على حد قوله، منذ ما يقرب من خمسة أعوام، بمساعدة وسطاء معروفين فى تجارة الآثار، ولذلك لا يستبعد أن يكون فى هذا المكان معبدًا أو اكتشافًا كبيرًا.
ووصلنا إلى حفر كبير، يبدو أنه مختلف عما سبقه، ففى حيز المكان توجد بقايا معدات بدائية للتنقيب، وسلم خشبى، وحبال كانت مستخدمة فى البحث، وأدوات أخرى مثلت دليلًا على أن المنقبين كانوا يُقيمون خيمة صغيرة تستخدم فى أوقات النوم والراحة.
الحفر يبدأ بعمق ٢ متر، وعرض أقل من المتر الواحد، لتجد منحدرًا أو مدخلًا بسيطًا، ثم يأخذ التنقيب طريقين، الأول إلى الأسفل وعلى عمق أربعة أمتار وأكثر، والثانى متوازٍ مع سطح الأرض وعلى مسافة ٣ أمتار، وتبدو جوانب الحفر من الحجارة فى شكلها الطبيعى، وعلى غير العادة ما يتركه التنقيب من خدش وتكسير فيما عدا المداخل.
ولا يعلم «فكري»، عن هذا المكان غير أنه بدأ العمل به من بعد ثورة يناير مباشرة، وأنهم ما زالوا يأتون لاستكمال التنقيب من فترة لأخرى، وأن العمل قائم بدليل ما كُتب على حجر صغير بجوار الحُفرة: «راجعين بإذن الله».
وكانت الساعة تقترب من الواحدة ظهرًا، عندما اصطحبنا الدليل، سيرًا على الأقدام، إلى قمة جبل، تبدو وكأنها قريبة ولا تستدعى كل ما حملناه من مياه شرب حتى نصعد، لكنها كانت أشبه بالمعاناة، حيث الصعود إلى ما يقارب من ١٢٠٠ متر، وعلى القمة؛ توجد مجموعة كبيرة من الحُفر الصغيرة، التى لا يتعدى عمق الواحدة منها الـ٣ أمتار.
ويقول «فكري»: إنه فى واحدة من تلك الحُفر وجدوا إناءً فرعونيًا، ولذلك سعى الكثيرون للتنقيب فى نفس المكان، ويشير بيده إلى الجانب الآخر، وهو يؤكد أنه لولا الضباب والغيوم البسيطة لكُنا رأينا مجرى نهر النيل من تلك القمة.
وسألناه، ونحن على مشارف نهاية رحلتنا، عما إذا كانت هناك مقبرة تم فتحها واستخراج ما بها من قطع أثرية فى تلك الأماكن، وأوضح «فكري» قائلًا: «كل اللى طلع من الأماكن دى قطع منفردة، و٩٠٪ من اللى بيدوروا ما بيلقوش حاجة، لأسباب كتيرة، أولًا الرصد الفرعونى على الحاجات دى شديد لأن المدفون لكهنة، والكاهن محصنها كويس، تانى حاجة أن الجبل هنا مش ملك لحد، ولا تابع لقرية بعينها، وفيه ناس بتيجى من حتت بعيدة معاها شيوخ وأجهزة بتطلع وإحنا منعرفش».
بينما تحدث محمد مبارك، دليلنا الثانى، عن أن التنقيب انتشر بقوة أيضًا فى داخل المنازل، وأن قرى كثيرة يتملكها الهوس بالتنقيب فى غرب وشرق المحافظة، وعلى رأسها؛ المراشدة، وبركة نجع حمادى، والساحل، والعركى، والحاج سلام، وشنهور، ويُرجع السبب الرئيسى فى كل ذلك إلى الاعتقاد بأن الآثار هى الطريق الوحيد والأسرع للهروب من الفقر.
وكُنا على يقين تام، أثناء رحلة العودة إلى القرية، أن هناك أماكن أخرى فى الحيز الذى وصلنا إليه؛ ما زال الحفر والتنقيب قائمًا بها، وأنه من حولنا أشخاص يضربون بعزم فى صخر الجبل للوصول إلى قطع أثرية، بالإضافة إلى يقيننا بأن فكرى دليلنا فى الرحلة، لم يعطنا الفرصة كاملة للوصول إلى أماكن جديدة، لها شأن ودليل كبير على عمليات التنقيب الخطير، أو حتى إلى أماكن حية وما زال العمل بها قائمًا، وربما يرجع ذلك إلى حرصه على سلامة نفسه وعلى سلامتنا.

تحالف «النصابين والعفاريت» للعثور على «اللقية»
وبالانتقال إلى موقع آخر بالقرية، يحكى عم حسين محمود، أنه قضى ٣ أشهر فى الجبل للوصول لسقف المقبرة، وأن شيوخ «فتح المقابر وتسخير الجن» على رأس أولويات المُنقبين للكشف عن «المساخيط».
أمسك الرجل بفأسه وبدأ فى البحث والتنقيب عن «اللقية» المدفونة فى حوش منزله، فهو يتذكر أن والدته كانت تحكى أنها ترى أشياء مضيئة ليلًا فى المساحة الخالية من منزلهم.
ووصل «عم حسين» إلى عمق يقترب من ٢٠٠ سنتيمتر أثناء البحث، وخرجت المياه متدفقة من أسفل التنقيب، مؤكدًا أنه لا يملك مالًا حتى يطلب المساعدة من الشيوخ المعروفين بقدرتهم على السيطرة وفك رصد «اللقايا».
وعم «حسين»، أحد أبناء القرية، على عتبة الستين من العمر، نحيف الجسم بوجه بدت عليه علامات التقدم فى السن المصحوبة بالحسرة، دعاه شخص منذ عدة سنوات أن يكون رفيقًا لمجموعة أُخرى تبحث وتنقب عن الآثار فى الجبل، حتى أصبح مشهورًا بين أبناء قريته بأنه صاحب أطول فترة مكوث فى الجبل بحثًا عن الآثار بعدما قضى هناك ٣ أشهر كاملة.
«ليه كده يا عم حسين؟» وجهنا له السؤال، ليقول نصًا: «كنت فاضى، ومفيش شغل، ورُحت معاهم وقلت يمكن أسترزق»، مضيفًا أنه كان يرافقه فى تلك المهمة فردان، وفرا ما يحتاجونه من طعام وشراب، وثلاثة آخرون مهنتهم الحفر، ومثلهم، إسكندرانية، مُشرفون وممولون لتلك المهمة. وكانت بداية التنقيب معهم باستخدام لودر، حتى تعطل ورفض صاحبه العمل معهم مرة اُخرى، ثم بدأوا باستخدام أدوات التنقيب التقليدية؛ من مطارق، وفُئُوس، وغيرها، دون أن يصلوا إلى شيء مما يبحثون عنه، حتى تدخل مجموعة أشخاص آخرين، وكان بصحبتهم؛ خبير فى الآثار، على حد قوله، وقال لهم إنهم على ارتفاع خمسة أمتار من سقف مقبرة، وإن ذلك يتطلب مادة مُعينة تقوم بتفتيت تلك المسافة من الصخور والحجارة وتتعدى تكلفتها الـ١٠٠ ألف جنيه.
ويُتابع عم «حسين»، أن المشرفين على العمل اتفقوا مع الخبير على دفع المبلغ وإنهاء العمل فى الوقت الحالى، والعودة إليه بعد تجهيز تلك المادة، شهور قليلة بعدها، وجاءهم خبر وفاة الخبير.
ويوضح أن الفرق بين ما قام به فى منزله، وما قام به فى فترة الثلاثة شهور التى قضاها بالجبل، أنه فى المرة الأولى كان يبحث عن «لقية»، أما فى المرة الثانية فكان يبحث عن قطع وتماثيل فرعونية، حيث إن «اللقايا» عبارة عن ذهب ومشغولات، ويطلق عليها البعض أنها الكنز أو «الدافون» وليس شرطًا أن تكون فرعونية.
وفى السياق ذاته، قال بدوى السيد، اسم مُستعار لأحد أبناء القرية، إن السحر واستخدام الجن كان من القدرات المميزة لقدماء المصريين و«شغلانتهم»، وأن من يستطيع التعامل وفك الرصد الفرعونى عدد قليل من المشايخ، منوهًا بأن الرصد يكون عبارة عن «جني» يقوم الكاهن بتكليفه بحراسة المكان وما بداخله من أشياء، وأن «الخدمة» عبارة عن جنى أيضًا، ولكنه يرافق واحدًا من الإنس ويعملان معًا بطريقة خدمة مقابل خدمة.
ويوضح «السيد»، أن الشيوخ، ممن يعملون بالتنقيب والبحث عن الآثار، ما هم إلا مجموعة مشعوذين يصل بهم استخدام الجن ومرافقته إلى حد الشرك بالله، مُشيرًا إلى أنه كان فى السابق واحدًا منهم، لكنه تعلم تلك المهنة بـ«الفهلوة»، وحفظة لمجموعة من النصوص الواردة فى كتب السحر، وهو ما كان يعود عليه بالمال الكثير.

الـGP وسيلة الشباب للثراء السريع
على جانب آخر من القرية، كان الشاب العشرينى أحمد طه، أحد أبناء القرية، على موعد مع الآمال والخروج من الفقر، عندما قرر أن يجمع مبلغًا ماليًا يصل إلى ٣٠ ألف جنيه، ليشترى جهاز (GP)، ووظيفته الأصلية البحث والكشف عن المعادن على مسافة لا تتعدى المتر ونصف المتر.
وحينما تسلم «طه»، الجهاز بين يديه، من خلال إعلان عنه فى واحد من مواقع الإنترنت، اتفق مع صديقه له عاطل عن العمل، أن يذهبان إلى الجبل للبحث والتنقيب عن المشغولات المعدنية، وبعد أن قضوا ثلاثة أيام ذهابًا وإيابًا بين الصخور والحجارة والرمال فى قلب الجبل، لم يعثروا على شيء، فكل ما وجدوه مجرد أدوات تنقيب مدفونة وبفعل الزمن احتضنتها الرمال، وأيضًا ٢٧ قطعة من عملة معدنية لا تعود إلى العصر الفرعونى، وعندما عرضوها للبيع لم يصل سعرها إلى ٣٠ جنيهًا.
ويقول «طه»، وتعلو وجهه الحسرة: «زى ما أنت شايف، مفيش شغل وكل اللى قدرت أوفره من شغل سنين استلفت عليه عشان أشترى الجهاز، وفى الآخر طلعت مديونًا، اللى عرفته إن الحاجات دى بتيجى للمحظوظين».
أما أحمد عامر، الباحث الأثرى، فقال إن البحث عن الثراء السريع هو الدافع الرئيسى لكثرة عمليات التقيب عن الآثار وتهريبها خارج البلاد فى صورة أشكال مُتعددة، سواء شنط دبلوماسية أو أساليب تهريب أُخرى مُبتكرة، حيث إن الكثيرين يتعاملون مع الآثار على أنها سلعة تُباع وتُشترى ولا يتأثرون بالوعى الأثرى، بالرغم من كونها تاريخًا لحضارة الدولة المصرية القديمة.
وأكد «عامر» أهمية تعديل المواد الخاصة بالتنقيب عن الآثار بطريقة غير شرعية، وتغليظها، حيث إن المواد الموجودة حاليًا غير كافية لحماية الآثار المصرية من المُنقبين والمهربين، على الرغم من أن قيمة الأثر نفسه لا تُقدر بثمن، بالإضافة إلى نشر الوعى الأثرى وخضوع أى شخص داخل الوزارة لعمليات تفتيش دورية حتى لا يتورط فى مثل تلك الوقائع.

خبراء: بعض المواطنين يعتقدون أن الآثار «مغارة على بابا»
قالت دراسة بحثية صادرة عن المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، إن هناك ما يقرب من ٣ آلاف قضية تنقيب وإتجار فى الآثار تُسجل كل عام.
وبرغم التعديلات التى أُدخلت على القانون ١١٧ لسنة ١٩٨٣ برقم ٣ لسنة ٢٠١١ لتغليظ عقوبة تهريب الآثار إلى خارج البلاد، لتصل للسجن المؤبد «٢٥ عامًا» وغرامة لا تقل عن مليون جنيه، ولا تزيد على ١٠ ملايين، إلا أن وجود شُبهات فساد إدارى داخل وحدات وزارة الآثار يعطى الفرصة لاستمرار استنزاف مُفردات تاريخ مصر إلى الخارج.
ويقول الدكتور غريب سنبل، رئيس دائرة الترميم بوزارة الآثار، إن التنقيب خِلسة يُعد سرقة وانتهاكًا لمفردات التاريخ المصرى التى ما زالت موجودة فى باطن الأرض، مؤكدًا أن هذا النوع من التنقيب انتشر بشكل واسع إبان فترة حكم الإخوان، حينما أفتى بعض شيوخهم؛ أن من يمتلك مساحة من الأرض يمتلك أيضًا ما فى باطنها، ما أعطى للكثيرين الشرعية فى للحفر والتنقيب عن الآثار.
ويُضيف «سنبل»، أن معظم المدن والقُرى فى مصر شهدت فترة من فترات التاريخ الفرعونى، لكن حدث لها اندثار نتيجة العوامل الطبيعية كالسيول والأمطار والزلازل، مُشيرًا إلى أن وزارة الآثار، لا تستطيع السيطرة على الحفر داخل المنازل الذى يُهدد حياة أصحابه.
ويؤكد «سنبل» أنه بالرغم من المساحات الشاسعة للتلال الأثرية فى مصر، إلا أن عدد الحراس المسئولين عن حمايتها تراجع بشكل كبير، نتيجة لقرارات منعت وزارة الآثار من التعيين، والتى اتخذت فى ٢٠١٢، وكذلك عدم الإحلال والتجديد لمن يخرج إلى المعاش منهم، وهو ما يفرض على الحكومة ضرورة السماح للوزارة بتعيين هذه النوعية من العمالة لحماية المناطق والتلال الأثرية.
ويُتابع «سنبل»، أن القانون ١١٧ لسنة ١٩٨٣ يُعد رادعًا بعد التعديلات الأخيرة، لكن يظل نقص عدد أفراد حماية الأثر سببًا فى إعطاء الفرصة للكثيرين للتنقيب خلسة. منوهًا بأن خطورة تهريب القطع الأثرية المستخرجة خلسة يتمثل فى عدم قدرة الدولة على استردادها مرة أخرى لعدم وجود وثيقة أو سجل يؤكد أن الأثر خاص بنا، كونه خرج بشكل غير شرعى.

وفى السياق ذاته، قال الدكتور سيد حسن، خبير الآثار الفرعونية، إن التنقيب خلسة يضُر بالأثر، ففضلًا عن التقليل من قيمته المادية، وأيضًا من الناحية العلمية فإنه لا يعطى الفرصة للمتخصصين والباحثين لدراسة هذا الأثر، نتيجة تهريبه للخارج بطرق غير شرعية ما يُضيع معلومات تسرد وتوثق وتُضيف معلومات جديدة لتاريخ قدماء المصريين.
وأضاف حسن، أن نابشى القبور الفرعونية يلجأون إلى التنقيب فى الجبال، وبعيدًا عن المناطق المأهولة حتى يكونوا فى مأمن من عيون الناس وإعطائهم وقت أكبر للبحث بحُرية.
مُشيرًا إلى أن الآثار تُغرى الكثيرين فى الحفر أو الاتجار أو التهريب للخارج أو سرقتها، كونهم يعتقدون أنها «مغارة على بابا» الحقيقية والسبيل الوحيد للغنى الفاحش فى وقت قياسى.
ونوّه حسن بأن الشيوخ، ممن يوهمون الناس بقدرتهم على تحديد أماكن المقابر الأثرية وفتحها وفك رصدها، عبارة عن دجالين، يستغلون هوس البعض بالآثار والغنى الفاحش لاستنزاف أموالهم حتى لو كانت بسيطة. مختتمًا: «للأسف هناك مُتعلمون ومثقفون مؤمنون بتلك الخرافات».