الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

محمود صلاح يكتب: مأساة امرأة كانت ملكة "2-12"

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

فى هذه الحلقات يكتب الكاتب الصحفى محمود صلاح حكايات مهمة عن حياة الملكة ناريمان، ابنة حسين صادق ووالدتها أصيلة هانم، والتى جاءت بعدما أصيبت والدتها بـ«الإجهاض» تسع مرات، قبل أن تنجب المولودة ناريمان فى النهاية.

وأصبحت ناريمان فتاة جذابة، وبدت مثل وردة جميلة بين زميلاتها فى مدرسة الليسيه الفرنسية، وسرعان ما كان من الطبيعى أن يجذب هذا الجمال العرسان وراغبى الزواج، كما كان هناك رغبة من والدتها بزواجها من الدكتور الشاب زكى هاشم، إلا أن اليوزباشى صلاح الشعراوى ابن اللواء الشعراوى قائد سلاح الطيران دخل على الخط.

إلا أن البحث عن خاتم مناسب لخطوبة ناريمان، كان هو الطريق الذى ساقها بالمصادفة للزواج من الملك فاروق لأن تكون آخر ملكات مصر.


لم يستغرق الملك فاروق أكثر من ثلاث دقائق لكى يقرر الزواج من الفتاة الجميلة ابنة السادسة عشرة ناريمان صادق!

كان فاروق دبر خطة مع الجواهرجى الشهير أحمد نجيب لكى يرى ناريمان دون أن تشعر به، وحضرت ناريمان مع والدها حسين صادق لاختيار خاتم خطوبتها للدكتور زكى هاشم، وكان فاروق ينتظر فى نافذة شقة الجواهرجى فى العمارة المجاورة، وما أن شاهد ناريمان حتى أسرع يترك الشقة، ويعبر شارع قصر النيل داخلًا محل الجواهرجى.

وفوجئت ناريمان ووالدها بالملك فاروق أمامها!

ولم يستطع الملك أن يرفع عينيه من على وجه ناريمان، وبدا أنه أعجب بها بشدة. حتى إنه طلب من الجواهرجى أحمد نجيب أن يختار لها خاتمًا ماسيًا مناسبًا، بدلًا من خاتم الخطوبة الذى كان فى إصبعها!

وغادر الملك محل الجواهرجى.

وأسرع الجواهرجى يفتح خزانته ويخرج منها خاتمًا سوليتير، ويقدمه لناريمان. حسب رغبة ملك مصر!

وكانت المفاجأة قد عقدت لسانى ناريمان ووالدها.


ـ وقال الجواهرجى لوالد ناريمان: مبروك يا حسين بك.. مولانا كلفنى أتكلم معاك بعدين!

كان الأمر أشبه بحلم غريب بالنسبة لناريمان!

لكنه كان فى نفس الوقت أشبه بكابوس بالنسبة لوالدها!

وكان الجواهرجى أحمد نجيب قد أبلغ حسين صادق بأن الملك فاروق قرر أن يتزوج ناريمان، ولهذا فإن عليه أن يلغى إجراءات عقد قرانها على الدكتور زكى هاشم!

وشعر الأب حسين صادق بأنه وقع فى دوامة سوداء من المخاوف. ولم يكن سعيدًا أبدًا بفكرة زواج ابنته من الملك فاروق. وبأنها ستصبح ملكة مصر!

وكان يسمع بالطبع ما يتردد عن غراميات ونزوات فاروق، وخشى أن تكون حكاية الزواج هذه مجرد حيلة للإيقاع بابنته الوحيدة، وإلا فلماذا طلب فاروق، كما أبلغه بذلك الجواهرجى، التكتم مؤقتًا على حكاية خطوبته لناريمان!

هكذا وجد والد ناريمان نفسه فى هذا الموقف الصعب!

ملك مصر يعجب بابنته ويقرر الزواج منها فى لحظات. لكنه يطلب إبقاء أمر الخطوبة سرًا بشكل مؤقت. فى الوقت الذى تستعد فيه ناريمان لعقد قرآنها. وفجأة جاء الخادم يخبره بأن شقيقه مصطفى صادق قد حضر. وكان قد علم من الأسرة بحكاية خطوبة ناريمان للملك. فنهض متسائلًا ليستقبله.

ويقول مصطفى صادق فى مذكراته أنه فوجئ بأن أخاه حسين كان حزينًا على غير ما كان يتصور، وكأنه يحمل هموم الدنيا على كتفيه لمجرد أن الملك سيخطب ابنته!

وجلس حسين صادق يروى لشقيقه ما حدث وكأنه نفسه غير مصدق، ثم سالت الدموع من عينيه.


وقال فى لهجة حزينة: تعرف يا مصطفى.. أنا خايف يكون الملك بيلعب علينا وعلى البنت.. دى ابنتى الوحيدة.. وماليش غيرها فى الدنيا!

ـ رد عليه: الموضوع عايز حكمة وتأنى.

قال والد ناريمان فى يأس: مافيش غير حل واحد.. آخد ناريمان وأهرب من مصر بعيد عن يد فاروق!

وكان الأب حسين صادق معذورًا حين فكر فى الهروب من مصر. فقد كان من قبله يتمنى حياة سعيدة لابنته الوحيدة ناريمان. وكان متأكدًا أنها لو تزوجت الملك فاروق فسوف يكون مصيرها التعاسة!

وكان قد ذهب فى نفس اليوم يستشيره ففى الموضوع، فأكد له صديقه أن الحكاية كلها أن الملك فاروق يتحايل للتعزيز بابنته ناريمان.

- وقال له: فاروق مش بتاع جواز أبدًا.. حاسب على نفسك وعلى ابنتك منه!

- ثم أضاف قائلًا له: لو كنت مكانك.. أخذ بنتى وأهرب بره مصر بعيد عن فاروق خالص!

لكن حتى فكرة الهروب من مصر لم تكن سهلة!

وأسقط فى يد الأب حسين صادق، وأصبحت حالته النفسية يرثى لها.

ورغم ذلك فقد كان عليه أن يبدأ فى تنفيذ أول أوامر الملك فاروق، وهو فسخ خطوبة ناريمان للدكتور زكى هاشم.

واتصل به وحدد معه موعدًا للقائه..

وعندما جلس حسين صادق مع خطيب ابنته الدكتور زكى هاشم كانت حالته النفسية منهارة تمامًا!

ونزلت الدموع من عينى الأب تأثرًا بالموقف.

وقال له وغصة فى حلقه: يا ابنى.. لقد طلب منى أن أبلغك بأن تنسى أنك خطبت ناريمان فى يوم من الأيام.. أو أنك كنت تريد الزواج منها!

لم يكن قد تبقى على حفل عقد قران ناريمان وزكى هاشم سوى أسبوع واحد. وكان قد تم طبع بطاقات المدعوين للحفل. ثم جاءت حكاية خاتم الخطوبة. الذى كان بداية دخول الملك فاروق مسرح الأحداث. وإعجابه بناريمان وإعلان عزمه على الزواج منها!

وأطرق الدكتور زكى هاشم برأسه إلى الأرض. بعد أن فهم كل شىء!

وعقد الصمت لسانه!

وأخذ يفكر مذهولًا من المفاجأة..

إن ملك مصر «خطف» منه خطيبته الحبيبة ناريمان. ومطلوب منه الآن أن ينساها. وينسى أنه فى يوم من الأيام كان خطيبها!

ولم يكن فى حاجة إلى جهد ليصل إلى قرار!

وأخيرًا رفع رأسه فى تثاقل..

ـ وقال لحسين صادق: الموقف صعب.. ولا أنا ولا إنت نقدر عليه!

وغلبت عليه مشاعر التأثر والانفعال..

وقبل أن ينتهى اللقاء الغريب الحزين..

بكى الأب حسين صادق مرة أخرى..

وقال لزكى هاشم وهو يصافحه: ما تزعلش نفسك يا ابنى.. إنت عارف إن الموضوع كله قسمة ونصيب!

أما عن موقف «أصيلة هانم» أم ناريمان فقد كان عكس موقف الأب حسين صادق!

ويقول العم مصطفى صادق فى مذكراته إن أصيلة هانم بدأت تهيئ نفسها للمركز المرموق الذى ينتظرها بزواج ابنتها ناريمان من ملك مصر. وأنها ستكون أم الملكة.. وحماة الملك!

ويقول إن الأغرب أنها بدأت تهاجم الدكتور هاشم خطيب ابنتها السابق. والذى كانت منحازة إليه من قبل.

- وقالت عنه ناريمان: عمل إيه زكى هاشم بشهاداته.. الحمد لله.. خدها يبلها ويشرب ميتها!


حتى ناريمان نفسها وكانت أقرب إلى الطفلة فى ذلك الوقت. بدأت تتصرف، وكأنها أصبحت فعلًا ملكة البلاد. وبدأت تتحدث مع الموجودين فى البيت باستعلاء وتكبر!

أما الأب المسكين حسين صادق. فقد مضت أيام، ولم يسمع جديدًا فى موضوع خطوبة الملك فاروق لناريمان. ولهذا بدأ يتردد على الجواهرجى أحمد نجيب ليطمئن على ما يحدث. وكان فى قرارة نفسه لا يصدق أن فاروق جاد فى طلبه الزواج من ناريمان!

لكن ها هى الأيام والأسابيع تمضى حتى مضت ثلاثة شهور، ولم يحدث جديد.

- وفى كل مرة يذهب للجواهرجى أحمد نجيب يقول له الرجل: اطمئن.. كل شىء يسير حسب الخطة المرسومة. والملك وحده هو الذى سوف يقرر متى يتم إعلان الخطبة رسميًا!

لكن الأب حسين صادق زاد توتره مع الأيام..

وانقطع عن الذهاب إلى عمله.. وعادت إليه آلام مرض القلب.

وكان الملك فاروق خلال تلك الشهور أجرى تحريات عن كل أفراد أسرة ناريمان. وعرف عنهم الصغيرة قبل الكبيرة..

ثم حدثت مفاجأة لم يكن أحد يتوقعها!

ذات صباح توفى حسين صادق والد ناريمان!

وأسرع شقيقه مصطفى صادق يتصل بالجواهرجى أحمد نجيب، وأبلغه بخبر الوفاة.

ووضع أحمد نجيب سماعة التليفون ليرفعها مرة ثانية، ويطلب قصر عابدين. ليبلغ فاروق بخبر وفاة والد ناريمان!

ولم يمض أكثر من نصف ساعة على ذلك.

حتى فوجئ أهل بيت المتوفى حسين صادق بالملك فاروق وقد حضر بنفسه لأداء واجب العزاء!

وكانت هذه أول مرة تشاهد فيها ناريمان الملك فاروق وجهًا لوجه. بعد لقائهما الأول فى محل الجواهرجى!

وكانت منفعلة تبكى بحرقة على والدها الراحل..

وتقدم منها الملك فاروق..

ومد يده يربت على كتفها لتهدئ من روعها!

ويقول العم مصطفى صادق فى مذكراته إن تعزية الملك فاروق فى وفاة والد ناريمان كانت بمثابة إعلان رسمى للخطبة الملكية!

وأنهم أدركوا ذلك أثناء تشييع الجنازة. عندما فوجئوا بحضور كل زعماء الأحزاب. ورجال القصر الملكى إلا شخص واحد. وهو رئيس الديوان حسين سرى. الذى لم يحضر واعتذر عن تشييع الجنازة، لأنه مريض. لكن الرجل فى الحقيقة لم يكن مريضًا.

فقد همس بعض أعداء حسين سرى فى أذن الملك فاروق بأن رئيس ديوانه لم يشترك فى الجنازة ولم يكن مريضًا. بل كان يلعب الطاولة وقتها!

وقالوا للملك إن زوجة رئيس الديوان ناهد سرى. والتى هى فى نفس الوقت خالة الملكة فريدة التى طلقها. هى التى أوعزت لرئيس الديوان بعدم الاشتراك فى تشييع جنازة والد ناريمان!


وصدق الملك فاروق ما قالوه عن رئيس ديوانه حسين سرى!

وكانت تلك هى القشة قبل الأخيرة التى أدت لأن يخرج من القصر الملكى!

وكان أعداؤه يوغرون صدر الملك ضده. ويسعون لإقصائه عن منصبه المهم.

وكان أحد هؤلاء الأعداء الجواهرجى أحمد نجيب!

فذات يوم ذهب العم مصطفى صادق، كما روى فى مذكراته، لأحمد نجيب فى محله بقصر النيل ليطمئن على أخبار خطوبة الملك لناريمان ومتى يتم إعلانها رسميًا.

- وقال له فى حديثه معه: الناس بيقولوا إن الملك قرر طرد رئيس ديوانه حسين سرى، لأنه لم يشترك فى تشييع جنازة المرحوم حسين أخى؟

وهنا انفجر الجواهرجى الشهير من الضحك..

ورد عليه قائلًا: لسه بدرى عليك يا مصطفى عشان تفهم.. إنت عارف. فيه مسمار لما تشده من الحيطة ينخلع بسهولة وسرعة.. ولكن سى حسين سرى مسمار ناشف قوى. وعشان تخلعه لازم تلخلخه.. لازم تهزه كذا مرة. وتجيبه شمال ويمين، وهو فى الحيطة. ولما يطرى ويتلخلخ، تقوم تشده وترميه بره!

ظل مصطفى صادق يستمع مبهورًا..

والجواهرجى أحمد نجيب يواصل: واحنا خلاص لخلخنا حسين سرى.. هزناه.. وفى الوقت المناسب حنشده ونرميه بره.. نرميه بره.. فهمت.

ـ رد مصطفى صادق: آه.. فهمت خالص يا أفندم!

***

وبدأ الملك فاروق يخطو خطوة جديدة ناحية ناريمان..

لكنها كانت أشبه بخطوات المراهقين!

فقد بدأ يبعث برسائل غرامية إلى ناريمان!

وكان فاروق يبعث برسالة غرامية لها كل أسبوعين!

ومع كل رسالة.. كان يرسل وردة حمراء.. مثل المحبين!

ورغم أن فاروق كان يكتب هذه الرسائل الغرامية باللغة الفرنسية، فإنه كان يكتبها على طريقة تلاميذ المدارس. ويرسم فيها قلوبًا تقطر دمًا أحمر!

وعندما بعث فاروق بأول رسالة غرامية إلى ناريمان، جلست مع أمها «أصيلة هانم» وعمها مصطفى صادق وبعض أفراد العائلة يقرأون الرسالة. ويحاولون ترجمة معانيها. وما بين السطور كلمة.. كلمة!

ثم ظهرت مشكلة!

كيف ترد ناريمان على هذه الرسائل الغرامية؟!

إنه لا يليق بالطبع أن تتلقى رسالة غرامية. من خطيبها القادم ملك البلاد دون أن ترد عليها!

وماذا سوف تكتب ناريمان فى رسائلها؟

هل تفعل مثل الملك «المراهق» وترسم سهم كيوبيد، وهو يخترق قلبًا ينزف دمًا؟!

وأية تعبيرات «دبلوماسية» ينبغى عليها أن تلجأ إليها. عند الرد على رسائل الملك الغرامية الساخنة؟

وما الكلمات بالضبط التى لا تغضب الملك. ولا تقلل من شخصية ناريمان. التى يمكن كتابتها؟

كانت هذه هى المشكلة التى وجدت ناريمان وأهلها أنفسهم فيها عندما وصلت أول رسالة غرمية من الملك فاروق!

وجدت ناريمان ووجدوا أنفسهم فى حيرة أمام هذه المشكلة. لكن العم مصطفى صادق كان عنده الحل. الذى لم يخطر على بال أحد.

قال لهم مصطفى صادق: يا جماعة.. الوحيد اللى ممكن يكون عنده الحل. هو إنسان واحد!

ـ سألوه بلهفة: مين؟

قال: الجواهرجى أحمد نجيب!