الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

"نظام المرشد" يبتز العالم بإغلاق "مضيق هرمز".. 25% من النفط تمر عبر المضيق.. وطهران تستخدم البترول ورقة ضغط لتغطية ضعف موقفها

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تمثل جغرافيا وحدود إيران البحرية أهمية خاصة لديها، وخاصة مع النظام الحالى الذى سيطر على مقاليد السلطة منذ عام ١٩٧٩.
فوقوع إيران على الخليج العربى غربًا، بحدود تصل إلى أكثر من ألفى كيلومتر يقع أهمها على مضيق هرمز، جعل من حدودها الغربية سلاح تهديد فى يدها، على الرغم من أن إمكانية استخدام هذا السلاح مقيدة بعوامل إقليمية ودولية متعددة تجعل منه فى أغلب الأحيان ما يشبه سلاح تهديد فقط.

وبين الحين والآخر، تحاول طهران الاستفادة سياسيًا من هذا الموقع الجغرافى على الخليج العربي، من خلال إطلاق تصريحات تهديدية من وقت لآخر حول استطاعتها إغلاق مضيق هرمز الحيوى والفعّال أمام حركة النفط والتجارة العالمية، فعندما تتصاعد التوترات ما بين الدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، وإيران، يلجأ قادة الحرس الثورى الإيرانى إلى التهديد بإيقاف حركة السفن الأجنبية فى الخليج العربي.
وكان آخر هذه التهديدات، ما صرّح به الرئيس الإيرانى حسن روحانى فى ٣ يوليو الجارى خلال زيارته إلى سويسرا فى إطار جولة أوروبية شملت النمسا، تهدف فى مجملها إلى محاولة الحصول على ضمانات من الدول الأوروبية تخص الاتفاق النووى لعام ٢٠١٥.
إلا أن السؤال الآن، هو هل تستطيع إيران عمليًا إغلاق مضيق هرمز فى وجه حركة التجارة العالمية؟ وهل يستطيع الرئيس الإيرانى حسن روحانى الإيفاء بوعده الذى أطلقه فى سويسرا؟

معادلة النفط العربى
يمثل الخليج العربى أهمية استراتيجية كبرى لحركة التجارة، سواء النفطية أو السلعية للعالم كله، ولذا فإن توقف الحركة فيه يعنى ضربة شديدة لهذه الحركة.
تبلغ مساحة الخليج حوالى ٢٣٩ ألف كيلومتر مربع وعرضه ما بين ٤٧ كيلومترا إلى ٢٨٠ كيلومتر فى المنطقة الأكثر اتساعًا به، أما عمقه فليس كبيرًا، حيث يبلغ فى أقصاه ١٠٠ متر.
وإذا مثل الخليج العربى أهمية لحركة التجارة العالمية، فإن أهم منطقة فى الخليج هى مضيق هرمز، التى تمثل الأهمية الاستراتيجية للخليج.
ويبلغ عرض مضيق هرمز حوالى ٥٠ كيلومترا، وطوله أكثر من ٢٠٠ كيلومتر، وتنبع الأهمية الخاصة لهذا المضيق الاستراتيجى فى عبور حوالى ١٧ مليون برميل نفط خام منه يوميًا، أى ما يعادل ٤٠٪ من كل النفط العابر بحرًا وحوالى ٢٥٪ من كل نفط العالم.
ويذهب هذا النفط إلى الدول الأوروبية، أو يعبر من الدول الآسيوية إليها، لذا فإن محاولة الإضرار بحركة النفط فى هذا الممر المائى تعنى تهديدًا جديًا للعالم.
كما تنبع الأهمية الإقليمية تحديدًا لهذا الممر المائى فى عبور أغلبية نفط دول الخليج العربى من هذا الممر، حيث يمر ٨٨٪ من صادرات نفط المملكة العربية السعودية من هذا الممر، و٩٨٪ من النفط العراقي، و٩٩٪ من نفط الإمارات العربية المتحدة وتقريبًا كل النفط الكويتي.
وفى ظل الصراع القائم بين النظام الإيرانى الذى وصل إلى السلطة عام ١٩٧٩، والغرب، تعمل طهران بين الفينة والأخرى على إطلاق التصريحات التهديدية حول إمكان إغلاق مضيق هرمز، أى إيقاف حركة التجارة الدولية فى الخليج العربي، إذا ما تعرضت لهجوم عسكري.
وكان أول هذه التهديدات خلال فترة الحرب العراقية الإيرانية (١٩٨٠-١٩٨٨)، حيث هدد الإيرانيون آنذاك بإغلاق الممر المائى أمام حركة التجارة الدولية.

وتصاعدت اللهجة لاحقًا فى عهد الرئيس الإيرانى السابق محمود أحمدى نجاد، الذى تصاعدت فى فترة رئاسته حدة الصراع اللفظى ما بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الغربية، حيث تستخدمها طهران كورقة ضغط سياسى حينما تشعر بضعف موقفها أو أنها مهددة من قِبل القوى الغربية.
ثم هدأت هذه التهديدات نوعا ما منذ التوصل إلى الاتفاقية النووية فى يوليو ٢٠١٥، ما بين إيران وبعض القوى الغربية، إلا أن الموقف تغير كثيرًا حينما جاء الرئيس الأمريكى دونالد ترامب إلى السلطة عام ٢٠١٧، حيث تصاعدت التهديدات مرة أخرى، واشتعلت أكثر منذ خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووى فى مايو الماضي، وباتت إيران تعود مرة أخرى إلى التهديد بإيقاف حركة التجارة الدولية فى الخليج العربى عن طريق إغلاق مضيق هرمز.
إذًا، إيران تعمل على توظيف مرور حركة النفط فى الخليج العربي، ومن مضيق هرمز الدولى لتحقيق مكاسب سياسية تساندها فى العملية التفاوضية، إلا أن الأهم من ذلك هو الإشارة إلى أن إيران لا تلوح بذلك إلا عندما تشعر حقًا بتهديد جدى وحقيقي.
وانطلاقًا مما سبق، يتبقى السؤال: هل تستطيع إيران عمليًا، وبالنظر إلى المتغيرات والفواعل الإقليمية والدولية، إغلاق مضيق هرمز فى وجه التجارة الدولية؟
وإذا ما نظرنا إلى الأهمية الاستراتيجية للخليج العربي، عبر ما ذُكر مسبقًا من حجم النفط الذى يمر عبره ومن خلال مضيق هرمز، وإذا ما ألقينا نظرة على الفواعل الدوليين، سواء من الشركات العملاقة أو الدول الكبرى التى يهمها استمرار عمل هذا الممر، سنجد أن إيران من الصعب عمليًا على إيران أن تقوم بإغلاق مضيق هرمز، إلا فى حالة واحدة وهى تعرضها لهجوم عسكرى مباشر أو تهديد وجودى للنظام الإيرانى نفسه، وذلك للعديد من الأسباب، وأهمها الأهمية النفطية الاستراتيجية للممر المائي، وذلك كما سلف ذكره.
وكذلك حشد دول المنطقة لكل إمكاناتها فى سبيل التصدى لمحاولة إغلاق المضيق من قِبل إيران؛ حيث إن إغلاقه سيهدد تجارتها بنسبة كبيرة للغاية؛ لأن أغلب نفط المنطقة يمر من الخليج العربي.
ويأتى أيضا الدعم العسكرى الأمريكى لمياه الخليج العربي، كممر دولى لحماية الممر المائى من أى تهديد محتمل، وخاصة التهديد الإيراني. فلطالما هددت إيران فى السابق بإغلاق مضيق هرمز، إلا أن البحرية الأمريكية عملت فى السابق على التصدى لذلك، إضافة إلى إدراك النظام الإيرانى لخطورة التهديد بالأساس بإغلاق المضيق.

احتمالية الإغلاق الفعلى
يدرك الساسة والعسكريون الإيرانيون، أن إغلاق مضيق هرمز فى ظل التطورات الأخيرة على الساحة الدولية وبعد خروج الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق النووى فى شهر مايو المنصرم وبروز العديد من الساسة والعسكريين الأمريكيين المعادين لإيران على الساحة السياسية الأمريكية وداخل الإدارة، مثل وزير الخارجية مايك بومبيو ومستشار الأمن القومى جون بولتون وغيرهما، من الممكن أن يعجل بخيارين، يتمثل الأول فى توجيه ضربة عسكرية أمريكية أو إسرائيلية، أو ربما مشتركة كذلك ما بين الأخيرتين والدول الأوروبية، مباشرة إلى إيران، وإلى المنشآت النووية الإيرانية المشتبه بها.
حيث إنه إذا كان أحد الأسباب التى لم تدفع الأمريكيين إلى توجيه حملة عسكرية إلى إيران هو محاولتهم عدم الإضرار بمسيرة التجارة النفطية الدولية فى الخليج العربي، فإن إغلاق المضيق نفسه من قِبل إيران سيعطى دافعًا قويًا لواشنطن وإسرائيل، التى تريد بالفعل توجيه ضربة عسكرية إلى طهران، وربما إلى الدول الأوروبية كذلك على الرغم من حالة التوافق أو التناغم الظاهرى بينهم وبين طهران، لضرب إيران لأن «ما كان يُخشى منه قد وقع بالفعل».
أما الخيار الثانى فهو تكثيف الجهود العربية والأمريكية دوليًا من أجل معاقبة النظام الإيرانى على قيامه بإغلاق الممر المائى الدولي، مما يمكن أن يرفع القضية إلى مجلس الأمن الدولى الذى يمكن له أن يدرج القضية تحت بنود الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذى يتخذ فى البداية إجراءات عقابية ثم بعد ذلك يل فى النهاية إلى الخيار الأول الذى تم الحديث عنه وهو الخيار العسكري.
وبناءً على ذلك، يمكن القول إن إغلاق طهران للمضيق المائي، ربما يعنى فى حد ذاته نهاية النظام الإيرانى نفسه إذا ما تم بصورة موسعة وعمل على توقف حركة التجارة النفطية وحتى السلعية.
كما ينبغى القول إن الدول العربية والغربية ليست وحدها المتضررة من إغلاق المضيق؛ حيث إن العديد من دول العالم الأخرى تستفيد تجاريًا من حركة التجارة فيه، وذلك مثل اليابان التى تعد أكبر مستورد للنفط عبر مياه الخليج العربي.