الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

حوارات

هاني عبد المريد في حوار لـ"البوابة نيوز": الكتابة الواقعية حاليًا أشبه بشخص يرتدي "بدلة" كاملة في صالة "ديسكو".. أكتب الرواية بروح القاص

الروائي هاني عبد
الروائي هاني عبد المريد في حواره لـ البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يغزل الروائي «هاني عبد المريد»، في روايته «أنا العالم»، الحاصلة على جائزة الدولة التشجيعية 2017، عالمًا يتسم بفضاء حكائي خاص يجد ضالته في الواقعية السحرية، والفانتازيا، والعوالم الغرائبية، عبر خيوط متشابكة ومترابطة، و«كادرات» منتقاة من الواقع ليؤسِّس بها معمار العمل، وهو يبني كل شيء، من خلال شخصية العمل الرئيسية «يوسف»، الذي انقلب إحساسه بالحياة في لحظة وفاة والده عبد الجليل، ومع تعاظم شعوره بالوحدة والاغتراب في هذا العالم، يطلب طارق صديق والده منه أن يذهب للدكتور بإلحاح، فيذهب إلى شاكر الطبيب النفسي، الذي يشخِّص حالته بالاضطراب العصبي، ويدعوه على إثر التشخيص للكتابة.
كان لـ«البوابة نيوز»، حوارًا معه بشأن «أنا العالَم»، الحاصلة على جائزة الدولة، وقضايا أدبية أُخرى مثارة على الساحة.. وإلى نص الحوار:



ماذا يعني لك الفوز بجائزة الدولة التشجيعية؟
يعني أنني كتبت رواية نالت الاستحسان، وفرضت وجودها، وأعادت نفسها للمشهد مرة أخرى بعد مرور عامين ونصف على صدورها، أرى دومًا أن الكاتب الذي تحصل روايته على جائزة، يصير كرجل لديه ابنه جميلة، يشعر بفخر لكونه أحد أسباب وجودها في العالم، ولكن طبيعي أن من ينال المجد والثناء والشهرة الابنة وليس الأب، لذا أعتبر نفسي وأنا معك الآن مجرد متحدث باسم الرواية.
عنوان روايتك الأخيرة «أنا العالَم»، يُثير في ذهن القارئ هذا التقليد الفلسفي الحداثي القائل بمركزية الإنسان في الكون.. هل أردت التأكيد على ذلك؟
بالعكس، أنا أرى أن الرواية تنطلق من عكس هذا الشعور؛ «يوسف عبد الجليل» الذي يشعر بالوحدة، ويتخلى كل من حوله عنه، يواجه العالم وحيدًا تمامًا، فيبدأ في إقامة عالم بديل، مع وجود عالمه الحقيقي، وهنا يحدث التداخل بين العالمين الحقيقي والمتخيل، بالإضافة للمخاوف والهواجس التي يمر بها، شعوره بأن العالم جاء من ضعف لا من قوة، ومن قلة حيلة لا من إرادة حرة.
الرواية ترتكز على تصوير شعور البطل بالاغتراب، وهو أمر متكرِّر لديك.. هل تعتبر باعثك على تصوير الاغتراب اجتماعيًا أم فلسفيًا؟
الشعور بالاغتراب والوحدة يعتبران من أكبر المشاكل التي يعاني منها العالم، وتزداد وستزداد في كل يوم، فتحول العالم نحو الاستهلاك، جعل الأحلام والطموحات تزداد، وجعل معدل تحقيقها يقل، هذا الفشل والعجز، هو أحد أسباب الشعور بالاغتراب والوحدة، التطور التكنولوجي الرهيب، الذي جعلنا أكثر وحدة وانعزالًا سبب آخر، الوحدة تؤثر في سلوكنا، فزواجك ورغبتك في تكوين أسرة، دافعه الهروب من الوحدة، شبكة علاقاتك الاجتماعية سببها الهروب من الوحدة، وإذا تحدثنا عن الباعث أعتقد أنه فلسفي واجتماعي في آن واحد، فالشعور بالعجز وأننا مجرد دمى بين يد القدر، الشعور بلا جدوى الحياة في لحظة ما، الشعور بالاغتراب عن منظومة المجتمع المحيط، كلها قضايا ذات بعد فلسفي واجتماعي، وقد تناولتها بشكل أو بآخر في أعمالي.
كتبت الرواية في 10 سنوات على فترات متقطعة.. ألم تخف من فقدان الجو العام للرواية؟ أم أنك تكتب الرواية بروح القاص الذي ينتظر التقاط لحظات بعينها؟
سأبدأ من أنني بالفعل أكتب الرواية بروح القاص، ولكن ليس القاص الذي ينتظر التقاط لحظات بعينها فقط، ولكنني أحاول كتابة الرواية بلغة القصة المكثفة اللاهثة، فكرة كتابة الرواية في 10 سنوات به شيء من المبالغة، لأنني فعليًا حين أمسكت بالفكرة الحقيقية، انتهيت من الرواية خلال عدة أشهر، فما حدث أنني بدأت كتابة الرواية بفكرة، وظللت أعاني أنا والرواية، وكأننا «اثنان مخطوبان دون رغبتهما»، كنت أكتب، وأهدم ما كتبت، حتى وجدت ما كنت أبحث عنه، فكتبت الرواية في الوقت الطبيعي.
تحب أن يكون لك «سر» في كل عمل.. ماذا كان سرَّك في «أنا العالَم»؟
أعني بالسر، فكرة أو لعبة صغيرة، أحب تحقيقها حتى لو لم تلفت نظر أحد، ذات مرة كان سري في قصة قصيرة بعنوان «ولكني قلت مباشرة»، هو أن أكتب كل القصة داخل جملة اعتراضية، كانت القصة هكذا، في العام السابق مباشرة، كنت سعيدًا وداخل الجملة الاعتراضية كل الحكي، حتى لو لم يلحظ أحد ذلك، لكن هذا يشبعني، في رواية «أنا العالم»، وددت أن أضمّن الرواية قصة قصيرة كنص موازٍ، ضمنتها أيضًا مشهدًا مسرحيًا قصيرًا، لعبة صغيرة، سرًا صغيرًا بيني وبين الكتابة.
غالبًا ما تنطلق في كتاباتك من فكرة لديك تسعى لأن تكسوها بالعالم الروائي، أي أنك تنطلق من داخلك إلى العالم الموضوعي.. هل لهذا علاقة بتكوينك الشخصي؟
بالتأكيد.. أي تعامل مع الكتابة سيرتبط في النهاية بالتكوين الشخصي والثقافة والخبرات، وأعتقد أن معظم الكتابة تنطلق من فكرة، ولكن أحيانًا يكون الدافع شخصية «character»، أو لوحة، أو موسيقى، وربما بيت شعر، كما حدث في «أنا العالم»، فما جعلني أخرج من حالة «الخطوبة المزعجة»، لـ«الزواج عن قناعة»، كان بيت شعر «لماذا أيها الماضي تنام في حديقتي؟»، ظل يتردد بداخلي لما يزيد على 6 أشهر بلا داعٍ، حتى تسبب في تحويل مسار الرواية، فقلت ماذا لو كتبت رواية تفتتح هكذا «لماذا أحبك هكذا يا ريم؟»، فأعطاني ذلك الخيط، الذي كنت أبحث عنه دون أن أشعر، وإن كنت غيرت بداية الدخول للرواية فيما بعد.
هل ترى أن الشخصية ما زالت تحتفظ بأهميتها في العالم الأدبي بخلاف ما تشيعه بعض النظريات النقدية المعاصرة؟
النظريات النقدية تقول ما يحلو لها، إن الشخصية الروائية «مجرد كائن من ورق» فليكن، ولكنني سأظل أتعامل مع «السيد أحمد عبد الجواد»، ككائن حقيقي من لحم ودم، وأستطيع أن أعدد لك العشرات من الشخصيات الروائية القديمة والحديثة، ما زالت تحتفظ الشخصية بأهميتها، وإن كان بشكل أقل مما هو موجود في الكلاسيكيات، فلم يعد هناك بطل أوحد تدور حوله الأحداث، بل هي مجرد شخصيات تتكامل، أو تحتمي في بعضها البعض كما في الحياة.
لماذا أصبحت الفانتازيا أشبه بعمود الخيمة في الأدب المصري خلال السنوات الأخيرة؟ هل لكونها تنطوي على إمكانية المراوغة والتحايل؟
ربما كما تقول بخصوص المراوغة والتحايل، وربما لأن الفانتازيا هي الشكل الأقرب لما نعيشه، ونمارسه في حياتنا اليومية، الحياة صارت فانتازيا، وسقط بالفعل الفاصل بين الواقع والخيال، وبين الواقعي والفانتازي، وبالتالي ربما تبدو الكتابة الواقعية الآن كمن يرتدي بذلة كاملة في صالة ديسكو.
من أكثر الكتّاب الذين تأثّرت بهم أدبيًا؟
في كل فترة من حياتك، يكون هناك عمل تحب قراءته بشكل خاص، وربما تعيد قراءته أكثر من مرة، سأتحدث هنا، عن هذه الأعمال التي شعرت باختلافها في حينها، «فوق الحياة قليلًا» سيد الوكيل، و«رائحة النعناع» حسين عبد العليم، و«إنه ينبثق» صلاح عبد السيد، و«سفر» محمد المخزنجي، و«عشاء برفقة عائشة» محمد المنسي قنديل، و«الكرة ورأس الرجل» محمد حافظ رجب، و«تصاوير من التراب والماء والشمس» يحيى الطاهر عبد الله.
هل لديك عمل أدبي تعمل على إنجازه حاليًا؟
انتهيت من رواية بعنوان «محاولة الإيقاع بشبح»، وستصدر قريبًا عن الدار المصرية اللبنانية، وهي تنطلق من فكرة أننا في بعض الأحيان نتعرض لموقف ما يجعلنا نعيد التفكير في حياتنا، ومحاولة اكتشاف ذواتنا من جديد، أبطال الرواية تدريجيًا سنكتشف معهم أن حياتنا تدور بين نوعين من الأشباح، أشباح تطاردنا ونحاول طوال الوقت الفرار منها، وأشباح نطاردها، وربما ندفع حياتنا طائعين ثمنًا للإيقاع بها.