الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة لايت

"الشيخ ورمضان وسامي وعوض" جمعتهم "دقة الشاكوش" و"شكشكة المسامير"

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
«يا ولاد بلدنا من جنوبها لشرقها.. يا مشمرين عن السواعد كلها.. النور حضن بلادنا وضمّها
والشمس هلّت بالأمل ع الشقيانين.. يسعد صباحكم كلكم يا شغالين».
فى كل صباح يخرج «العمال الأرزقية» كالطير باحثين عن رزقهم اليومي، على أكتافهم أدواتهم ومتاعب الحياة فى صدورهم وأعباء المصاريف فى عقولهم، تلونت بشرتهم بصبغة الشمس الحارقة لكن ابتسامة لم تغادر وجوههم.
رصدت «البوابة» مجموعة من النجارين الشقيانين الذين يعملون تحت أشعة الشمس الحارقة وسط دقات «الشواكيش»، يقفون على ألواح خشب على مسافات مرتفعة، تعرضهم للخطر المميت فى حالة افتقاد التركيز ولو دقائق.
«العم رمضان»
٥٦ عامًا، وما زال يعافر فى الحياة، ما زال يقاوم تدابير الزمن ويقول: «بخرج كل يوم من الفجر وبرجع بيتى بعد العشاء وبقالى ٩ سنين ع الحال دا، هو أكل عيشى كده والنجارة هى مصدر رزقى الوحيد وربيت منها ٤ أبناء وجوزت اتنين منهم ولسه ولد وبنت».
وأضاف: «كل اللى طالبه من ربنا إنى آكل أنا وولادى بالحلال، بس أنا زهقت من الشغلانة دى ومبقتش جايبة همها»، هكذا شكا العم رمضان من ضيق العيش وكد الحياة وأعبائها، وأضاف «زمان كانت اليومية ١٠ جنيهات وتكفي، لكن دلوقتى مفيش حاجة مكفية وكل حاجة غليت».
وتابع: «قولوا للى تعرفوه يدعيلى إن حالتى تتحسن وأعرف أجوز بنتى واسترها وأقدر أربى ابنى وبنتى اللى لسه متجوزتش فى الغلاء اللى بقينا فيه دا».
ويختتم عم رمضان: «أنا بجهز بنتى وناقصها أجهزة كهربائية وأول مرة أطلب من حد يساعدني، بس أنا مش قادر هعمل إيه ولا إيه.. ربنا يسترها من عنده». 
«حسن الشيخ»
يقف صاحب، الـ٣٨ عامًا، وهو يطرق على بعض الألواح الخشبية بكل ما أوتى من قوة وكأنه ينفث من غضبه على رأس المسامير ويقول: «أنا بقالى ٢٥ سنة شغال فى النجارة واتعلمت الشغلانة من أخوالي.. يجفف عرقه ثم يتابع: «إحنا خدنا على الحر خلاص جسمنا نحس وعلى رأى المثل كتر الحزن يعلم البكا، وأضاف: «أنا اتعرضت كتير للخطر فى الشغلانة دى بس لازم أركز عشان أكل عيشي، فلو وقعت مين هيأكل عيالي» هكذا قال العم حسن واختتم: «يوميتى يدوب بتكفى العيال وأدينا مستورين».
«سامى ممدوح»
«من يوم ما وعيت ع الدنيا وأنا بشقى عشان لقمة العيش، بنبرة من اليأس وحالة من المعاناة تحت لسعات الشمس.. هكذا وصف حاله قائًلا: «من صغرى بخرج مع أبويا لحد ما شربنى المهنة واتضربت كتير وكنت بصحى غصب عنى واتعرضت للخطر كتير لحد ما بقيت مبخافش وفاهم شغلانتى كويس وهو أكل العيش كدة فكان لازم اتعلم عشان محدش بياكلها بالساهل». 
وأضاف: «إحنا غلابة ورزقنا من وقفتنا على رجلينا فلازم نحفر فى الأرض زى الديابة عشان نلاقى لقمة ناكلها بعد شقا طول اليوم»، وأضاف: «بس تعب الشغل بيروح لما ألاقى مكان ارتاح بيه وسط عيالى وإحنا راضيين ومبسوطين ونعم ربنا كتير والحمد لله على كل حال». 
ووصف «سامي» كيف تمر أوقات الشقاء قائًلا: «ساعات نغنى مع الست أم كلثوم ونقعد ندندن معاها مع كوباية شاى فى الخمسينة وأهو الوقت بيعدى طالما قلبنا على شغل بعض وبنراعى ضميرنا فى شغل الناس عشان ندخل على ولادنا لقمة حلال تكفينا وتغنينا عن الحرام، وأهى لقمة هنية تكفى مية». 
وعلى عكس الحال ظهرت ابتسامة سامى تعاند حرارة الشمس وقال: «نعم ربنا كتير والرزق مش كله فلوس، لمة عيالى حواليا بصحتهم بالدنيا كلها وان ربنا مبينقصش مننا حد وصحة عيالى عندى بكنوز الدنيا».
«محمد عوض»
يقول: «الرزق يحب الخفية، أنا كل يوم بشرب حر الشمس كله وأفضل واقف على رجليا لحد ما بقيت حاسس إنها مش قادرة تشيلني، وبفضل أدق بالشاكوش طول اليوم، ومع كل خبطة ع الخشب بقول يارب هونها عشان أقدر أربى عيالى بالحلال والتعب كله بيهون لما ألاقى ضحكة منهم». 
«احنا بنجيب اللقمة بطلوع الروح وبنطفح الكوتة وشايلين همومنا على كتافنا مع الخشب، وبيقولوا مايقعش إلا الشاطر ولما تقع قوم اقف من جديد، بس الوقعة هنا من فوق السقالة ممكن تقصف عمر الواحد أو تعجزه»، هكذا انطلقت الكلمات من «محمد عوض» معبرًا عن شقاء حرفته، فبدت الكلمات كأنها دموع وعبرات وليست حروفا.
قال محمد بنبرة حزينة لكن راضية «أنا ساعات بسرح وأنا بشتغل فى مصاريف ولادى وإنى نفسى أجيبلهم الدنيا بحالها لكن العين بصيرة والإيد قصيرة، كنت بقول عايز أعوضهم وأجيبلهم اللى اتحرمت منه، بس برجع أقول منين يارب وانت عالم بحالنا، لكن دايما بنحمد ربنا على نعمه ومش طالبين غير الستر والرضا». 
«الفقر مش عيب، العيب هو اللقمة الحرام، وطول ما الواحد بيكسب بعرق جبينه فتجارته مع ربنا هتكسب حتى لو كانت ملاليم» هكذا أعطانا «محمد» درسًا فى الصبر على ضيق الحال والرضا بما قسمه الله ليضيف قائًلا: «مش طالب غير إن ربنا يديم عليّ صحتى عشان أقدر أشتغل».
وما بين هذا وذاك آلاف الحكايات التى ورث أصحابها الفقر وظلوا طيلة حياتهم يبحثون عن مخرج من تلك الهوة العميقة وبرغم استماتة المحاولات وتكرارها إلا أن معظمهم قضى نحبه هناك، ليس هذا فحسب ولكنه ترك من خلفه ذرية ما زالت تصارع من أجل الحياة.