الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

فيروس الإهمال يضرب الصناعة الوطنية.. توقف 9 مصانع ألبان عن الإنتاج.. وخبراء: الأزمة في غياب التشريعات المتصلة بتنظيم العمل والإدارة

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فى مصر الشيء وضده، رئيس دولة يسارع الزمن ويتحدى الصعاب مناديًا بحماية الصناعة المصرية، وجماعات لا تريد النهضة للبلاد وتعبث بصناعتها الوطنية، حلم الرئيس عبدالفتاح السيسى التنمية المستدامة بالبلاد بتشغيل كل المصانع بكامل طاقتها والحفاظ على الصناعات الرئيسية دون انتحارها، لكن الواقع بحسب ما يبدو يعاند «الرئيس» فى مصانع وطنية عديدة لعل آخرها الشرقية للكتان «الذى يعد كيانا وطنيا مهما، والذى تحول بقدرة فيروس الإهمال من مصنع عملاق يُصدر الكتان للشرق الأوسط إلى مقلب قمامة، كما توجد 9 مصانع أخرى لإنتاج الألبان انتهت الأوضاع بها إلى «كبوة» وصارت الصورة داخلها إلى مأساة تحولت إلى أزمة تهدد أهم الصناعات الغذائية فى مصر، والكارثة تتضاعف فى ساحة الغازات الصناعية، حيث الإهمال قتل مصانعها بـ«الضربة القاضية» وسط تصريحات حكومية غير ذات نفع فى مواجهة الخطر ووعود براقة لم تعالج أزمة، فيما بقى الوضع العام، الإهمال الذى يفضى بلا شك إلى كوارث داخل مصانعنا الوطنية فى غياب أى رقابة. 

فى هذه الحلقة نقدم صورة حزينة لـ «٩» مصانع لإنتاج الألبان، توقفت بسبب الإهمال أو فشل المسئولين فى إدارتها والحفاظ على منتجاتها، أو بسبب فقدان الضمير وتحطم حلم المنافسة مع الأسواق الأخرى، ٩ مصانع شاهد حى على غياب الرقابة الحكومية على منفذ مهم لإنتاج مصدر مهم من المنتجات الغذائية والضرورية للمواطنين.
شركة مصر للألبان الغذائية أصبحت مجرد لافتة، فيما بقية المشهد يدعو للحزن، نوافذ مكسورة وظلام دامس وكم كبير من الأتربة الناتجة عن عوامل الزمن والإهمال الذى عصف بالمبانى الخالية من البشر، وبين كل هذا الغموض تجد اللافتة المعلقة بالكاد تستطيع قراءة حروفها بوضوح رغم الغبار الجاسم عليها، وحينما تدلف إلى الداخل لا تجد إلا آثار ماكينات هائلة متوقفة، بنظرة واحدة على المكان تجد آثار تاريخ مضى وولى كان يبدو أنه تاريخ مجيد ولكن كل هذا تبخر وتحطم على صخرة الواقع.
ألبان الأميرية
هنا الفرع الرئيسى لمصنع «مصر للألبان» بالأميرية، أحد أعظم المصانع المصرية التى أنشئت لإنتاج وصناعة الألبان فى مصر، والتى كانت شاهدا على وصول مصر إلى مرحلة متقدمة فى إنتاج الألبان ومنتجاتها، بل وتصديرها إلى العالم أيضًا، قبل أن يتوقف عن العمل ويتم إغلاقه وطرحه للبيع بجانب باقى فروعه على مدار سنوات متتالية كان آخرها عام ٢٠١٣. يقع المصنع على مساحة حوالى ٤٢ ألف متر، وكان يضم داخله خمس وحدات إنتاج تضم: مصنع الجبن المطبوخ، وخطى بسترة وتعبئة اللبن وإنتاج الجبن الأبيض، ومصنع الزبادى، ومصنع إنتاج السمن، ومصنع الآيس كريم. لكن كل هذا تم تدميره بقرارات طائشة بعد بيع أراضى الشركة وتصفية أعمالها لتصفية مديونيات شركات أخرى، الأمر الذى حوّلها إلى ماضٍ لا أساس له من الوجود بالرغم من الماضى العريق لهذه الشركة ذات الكيان العملاق.

بداية الأزمات
بعد تولى الوزير على مصيلحى حقيبة وزارة التموين، رأى أن «مصنع مصر للألبان» لا أهمية له تحت ذريعة خسارة الشركة ووجود منافسة شرسة من شركات القطاع الخاص، وقال مصيلحى فى أحد المؤتمرات «إن عملية إعادة هيكلة شركة مصر للألبان، التابعة للشركة القابضة للصناعات الغذائية، وتشغيلها لا جدوى اقتصادية منها»، مؤكدًا أنه تم الاتفاق على إعادة هيكلة الشركة لمزاولة أنشطة أخرى بالتعاون مع مستثمرين، وهو ما شكل أزمة ومطبا بين الوزير والبرلمان؛ حيث تقدم أكثر من نائب برلمانى بطلب إحاطة بخصوص بيع وخصخصة شركة مصر للألبان. وفى النهاية، تم إغلاق الفرع الرئيسى بالقاهرة والكائن بمنطقة الأميرية بعد تصفية باقى الفروع الأخرى، الأمر الذى بدأ فى حكومة عاطف عبيد خلال عهد الرئيس الراحل حسنى مبارك بالتخلص منها بعد الاتجاه للخصخصة وطرح الشركات للبيع فى البنوك. وهو ما ظهرت ملامحه منذ ١٩٩٨ ببيع جميع المصانع مثل: فرع كفر الشيخ، وكوم أمبو، والإسماعيلية، والإسكندرية «أدفينا»، والذى تحول لشركة «لبنيتا» فى ما بعد، وباقى الشركات الأخرى التى انتهت بالفرع الأم.

غياب التشريعات
كشف المهندس محمد شكري، رئيس اتحاد الصناعات الغذائية باتحاد الصناعات، عن أن المشكلة تكمن فى فشل الإدارة لا سيما إدارة المال العام فيما يتعلق بالشركات والمصانع داخل القطاع الصناعى، وهو ما يعود إلى العديد من الأسباب أبرزها غياب التشريعات المتصلة بتنظيم العمل والإدارة داخل القطاع الصناعى، وعدم وجود الرؤية الخاصة بالعمل على تطوير ودعم المصانع والشركات فى الوقت نفسه، وهو ما يتمثل فى القطاع الإدارى بصورة كبيرة. وتابع شكري نأخذ هنا مثالا شركة «مصر للألبان»، والتى تم إنشاؤها منذ فترة طويلة من خلال بنك «مصر»، والتى خرجت منها حوالى ٩ مصانع للإنتاج شكلت أسطورة فى صناعة وإنتاج منتجات الألبان المختلفة».
ولفت شكرى إلى أن من بين التشريعات الخاطئة اتجاه مصانع الدولة لتقديم السلع بأسعار مخفضة، وعدم السماح لها بالتحكم فى السعر الخاص بها، وهى المشكلة التى عانت منها مصانع شركة «مصر للألبان»، ففى الوقت الذى كانت قد ارتفعت فيه أسعار مستلزمات الإنتاج دون أن يقابل هذا تحريك فى تسعيرة منتجات شركة «مصر للألبان»، وهو ما ترتب عليه أن الشركة خسرت ولم تعد وزارة المالية تقدم الدعم المادى لها.. وطالب شكرى بضرورة وجود سياسة مرنة تسمح للشركات بالقطاع الحكومى بأن تتعامل مع السوق وفق المتغيرات المختلفة، وهو ما يجب تفعيله على القطاع الصناعى بأكمله، فلا يمكن تطبيق الدعم للسلع والمنتجات فى الوقت الذى ترتفع فيه الأسعار، الأمر الذى يؤثر فى الإنتاج حال التأخر فى الإنفاق خاصة، مؤكدا أن صناعة الألبان تتطلب مرونة وسرعة فى القرارات التى تكفل استمرارها، وإلا تحولت صناعة الألبان إلى صناعة فاشلة، فالألبان تتميز بأنها سريعة التلف وصلاحياتها لا تستغرق أكثر من ٧ ساعات.

أزمات اقتصادية
أوضح رئيس اتحاد الصناعات الغذائية: كانت مصانع «مصر للألبان» تدار بأحدث وأعلى التكنولوجيا الصناعية المستخدمة فى مصر، وهو ما عزز من قوة الإنتاج للمصنع الذى تم إنشاء العديد من الفروع الأخرى الخاصة به على مستوى الجمهورية، ولكن بمرور الوقت قابلت المصنع أزمات اقتصادية أثرت فيه وفى إنتاجه، فتمت تصفية أعماله وإغلاقه بعد أن رفضت وزارة المالية تمويله..
ولفت إلى أن جميع الكوادر التى كانت تدير شركة «مصر للألبان» وصناعاتها، كوادر ذات كفاءة كبيرة جدًا، وبعد تصفية المصنع أصبحت تلك الكوادر المسئول حاليا عن تطوير صناعة الألبان داخل القطاع الخاص، مؤكدًا أن تلك الكوادر نجحت بالفعل فى قيام صناعة الألبان داخل القطاع الخاص..
واستطرد شكري: أن عودة المصنع من عدمه أمر يتحدد من خلال الإجراءات الإدارية الناجحة فى مواجهة الأزمات والقدرة على التشغيل، وبغير هذا؛ فإن إعادة فتح شركة «مصر للألبان» لن يكون لها أى جدوى وستغلق من جديد بسبب عدم حل مشكلة الإدارة، لافتًا إلى ضرورة وجود دراسات جدوى تحدد المحاور المهمة التى يجب الانتباه لها فى تسيير العمل داخل قطاع الصناعة الذى يتأثر بشكل كبير بالتمويل، قائلًا: «النشاط الصناعى لا يحتمل دعم الدولة، وإذا أرادت الدولة دعم الشعب فهذا يكون من خلال وزارة التموين وليس من خلال المصانع.
خطة عاجلة
لكن القصة بالرغم من هذا لم تنته، ففى عام ٢٠١٤، زار المهندس إبراهيم محلب رئيس وزراء مصر فى هذا الوقت مصنع «مصر للألبان» والأغذية التابع للشركة القابضة للصناعات الغذائية والمتوقف عن العمل، ورافقه وقتها كل من محافظ القاهرة، ورئيس مجلس إدارة الشركة القابضة للصناعات الغذائية، للتعرف على المشكلات التى تواجه المصنع، وأدت إلى توقف العمل به، حيث وجه رئيس الوزراء بسرعة وضع خطة عاجلة لإعادة تشغيل المصنع فى أقرب وقت ممكن فى إطار النهوض بالصناعات الوطنية، خاصة الصناعة الغذائية، لتحقيق الأمن الغذائى، ولكن بعد هذا لم تخرج أى تصريحات أخرى فى الوقت الذى لا يزال فيه مصنع «مصر للألبان» قابعًا فى مكانه صامدًا ومنتظرًا لقرارات أخرى تعيد عمله ليكون أسطورة أو لتقتلع تاريخ شركة وطنية كبيرة، لطالما أحب المصريون منتجاتها. أما عن الأسباب الرسمية للإغلاق ففتش عن التقارير الرسمية الصادرة خلال فترة ما قبل الإغلاق، وهو ما ظهر فى تقرير رسمى صدر عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء خلال عام ٢٠١٠، والذى كشف عن أن ما حدث من بيع كان ضمن خطة لوزارة الاستثمار وتحديدًا «الشركة الأم» وهى الشركة القابضة للصناعات الغذائية، للتخلص من ديون بشركات تتبع الوزارة لدى البنوك، وهو ما تم من خلال بيع مصنعين من المصانع هما دمياط والمنصورة، بمبلغ ١٥٠ مليون جنيه لبنكى «مصر والأهلي».
وذكر التقرير، أن جميع خطوط الإنتاج بشركة «مصر للألبان والأغذية» توقفت عن الإنتاج خلال العام المالى ٢٠٠٩-٢٠١٠، كما توقفت الآلات لعدم وجود الأموال لتشغيلها. وعام ٢٠٠٨، وبعد توقف الشركة عن الإنتاج، تم عرض معداتها للبيع خردة بمزاد علنى، وفى عام ٢٠١٤ أعلن المهندس إبراهيم محلب، رئيس الوزراء السابق، عن إعادة تشغيلها، ووضع خطة عاجلة لذلك، وشكل وقتها الدكتور خالد حنفي، وزير التموين الأسبق، لجنة فنية تضم أعضاء من الشركة القابضة للصناعات الغذائية لمعاينة المصنع وإعادته للعمل خلال ٢٠١٥، وهو ما لم يحدث رغم تصريحات الوزير نفسه..

خطوط الإنتاج الأحدث فى العالم
وقال الدكتور محمد الحوفى، المستشار الفنى السابق بشركة «مصر للألبان»، إن الشركة إحدى شركات قطاع الأعمال، التى كانت تقدم منتجات بجودة عالية للغاية وبأسعار منخفضة مقارنة بالأسعار الأخرى، الأمر الذى كان يحقق الاكتفاء الذاتى للمواطنين من الألبان ومنتجاتها المختلفة، مؤكدا أن خط إنتاج مصنع «مصر للألبان»، لا سيما إنتاج الجبن المطبوخة بالفرع الرئيسى فى القاهرة، كان ينتج أحدث خطوط إنتاج الجبن المطبوخ فى العالم من خلال أحدث تكنولوجيا الإنتاج فى الألبان، لكن كل هذا توقف وتم تسريح العمالة التى تقدر بالآلاف على مستوى المصانع فى الجمهورية، رغم أهمية شركة «مصر للألبان» التى وصلت إلى أن تورد منتجاتها لكبرى المؤسسات المهمة فى الدولة ومستشفيات عدة، علاوة على أنها كانت تصدر للخارج لا سيما الدول العربية التى كانت تعتمد عليها فى الحصول على إنتاج مصر من الجبن المطبوخ، وهو ما يعنى خسارة استثمارات بمليارات الجنيهات فى صناعة سهلة وبسيطة مثل صناعة منتجات الألبان.
وأضاف الحوفى أن إغلاق الشركة تسبب فى تأثر السوق بعد احتكار ورفع شركات القطاع الخاص أسعار منتجاتها دون مبرر، فنجد سعر كيلو الجبن الرومى يصل إلى ٨٠ جنيهًا، والجبن البيضاء ٥٠ جنيهًا، وهى أسعار غير منطقية، حتى لو أخذنا بالاعتبار وجود ارتفاع فى أسعار تكاليف الإنتاج -على حد قوله، بينما كان سعر الجبن الرومى لا يتعدى ١٤ جنيهًا للكيلو وعلبة اللبن لم تتجاوز ٧ جنيهات داخل مصانع «مصر للألبان».
كواليس إغلاق «مصر للألبان» 
أشار الحوفى إلى أن الإغلاق تم على مراحل؛ حيث بدأ بإغلاق مصانع المنصورة ودمياط وطنطا والإسكندرية وكفر الشيخ وكوم أمبو أيضًا، ليتم وقف مصنع دمياط والفرع الرئيسى بالقاهرة فى النهاية، مؤكدًا أن إغلاق مصانع «مصر للألبان» إما ببيع أراضيها أو بمصادرتها، وهو ما يعد بمثابة خسارة كبيرة، وهى نتاج لقرارات خاطئة طالت قطاع الألبان فى مصر بسبب غياب الرؤية من قبل المسئولين، مشيرًا إلى أن مسلسل الهدم لأسطورة إنتاج الألبان بدأ خلال عهد مبارك، حينما كانت الدولة بدأت فى الاتجاه إلى خصخصة القطاع الحكومى وبيع أصول الشركات القومية وقطاع الأعمال، ولكن الإغلاق النهائى كان خلال فترة تولى مصيلحى الأولى لوزارة التموين خلال عام ٢٠١٣، ولكن الأزمة الحقيقية التى واجهت الشركة كانت باتجاه الدولة إلى بيع القطاع الحكومى وبدأ الأمر عام ١٩٩٨، حينما تم بيع جميع المصانع أو أغلقت؛ حيث تم بيع أول مصنع من مصانع الشركة التى دخلت خطة الخصخصة، وجاءت حجج الغلق فى صورة مذكرة حررتها لجنة من وزارة الصحة، بسبب وجود عيوب إنشائية وتسريب ببعض الحنفيات، إلا إن الهدف الباطن كان فى الأصل الاتجاه للخصخصة وبيع المصانع وهو ما قد كان. وقال الخبير الزراعي: لدى أمل بعودة شركة «مصر للألبان» مرة أخرى بفلسفة جديدة وهيكل صناعى وإدارى جديد، مع ضخ استثمارات جديدة لدعمها، مما يعمل على تمكن الدولة من صناعة الألبان ومنتجاتها والتوقف عن استيراد ٥٠٪ من منتجاتها من الخارج لتحقيق الاكتفاء الذاتي.

نصيب الفرد من الألبان 
تشير الإحصائيات إلى انخفاض مستوى استهلاك المواطن المصرى من الألبان ومنتجاتها، فنصيب المواطن من استهلاك الألبان فى مصر يصل لـ٢٣ كيلو جرام سنويًا، بينما الاستهلاك العالمى عند ١٠٠ كيلو جرام، وهو ما يرتفع بالتفاوت مع الدول المختلفة؛ فمثلًا قد يصل إلى ١٨٠ كيلو جراما فى الولايات المتحدة الأمريكية، ويرجع نقص الاستخدام إلى ارتفاع أسعار الألبان التى تصل فى بعض المناطق إلى ١٢ جنيهًا للكيلو الواحد، فى الوقت الذى كانت تباع فيه عبوة اللبن الواحدة بـ ٧ جنيهات، مما يشير إلى تحديات تواجه صناعة الألبان وإنتاجها، لا سيما مع أهمية البروتين الحيوانى لجسم الإنسان، علاوة على اعتبار الجبن والزبادى وغيرها من المنتجات الغذائية المهمة للأطفال وصغار السن.
وفى تقرير حديث للهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات، زادت واردات «الألبان ومنتجاتها» بنحو ١٧.٤ ٪ لتبلغ ما قيمته ٥٨.٣١ مليون دولار مقابل ٤٩.٦٥ مليون دولار منذ بداية العام ٢٠١٨، وهو ما يشير إلى الخسائر بسبب غياب الصناعة والإنتاج بعد توقف شركة «مصر للألبان»، التى كانت توفر على السوق المحلية إنتاجا كبيرا وتوفر الاحتياجات المحلية، الأمر الذى وصل إلى ٢٠٪ من احتياجات مصر من الألبان فى فترة من الفترات. فى السياق ذاته، قال الدكتور محمد الشهاوي، أستاذ الاقتصاد الزراعى بكلية الزراعة جامعة الإسكندرية، إن مصر عانت فى الفترة الأخيرة نقص نصيب الفرد من الألبان؛ حيث أشارت تقديرات منظمة الأغذية والزراعة، إلى أن متوسط نصيب الفرد من الألبان فى الدول المتقدمة يعادل أو يزيد على خمسة أمثال نظيره فى الدول النامية بما فيها مصر. ولفت إلى أن هناك العديد من التحديات التى تواجه إنتاج الألبان فى مصر فى ظل غياب الرؤية فى التعامل معها، مثل ضعف الإنتاج الحيوانى من الألبان، فالجاموسة المصرية لا تنتج أكثر من ٥ إلى ٧ لترات فى اليوم الواحد، بينما نجد الجاموسة الواحدة فى الهند تنتج ما يصل إلى ٢٥ لترا فى اليوم الواحد، بسبب تطوير السلالات الذى تعمل عليه الهند، وتوفير العلف اللازم للتغذية، وهى أمور نفتقدها فى مصر، بالرغم من وجود بيئة مناسبة للجاموس فى مصر، لكى يكون كثيف الإنتاج للألبان، هناك أيضا نقص فى عدد الرءوس داخل مصر، مبينًا أن مشكلة العلف تكمن فى ارتفاع أسعاره ونقص المساحات المزروعة من العلف بسبب تقلص الأرض الزراعية، فنضطر لاستيراد الأعلاف من الخارج. وشدد على ضرورة تطوير صناعة الألبان ومنتجاتها، مثل تحديث المعدات وأدوات الصناعة أيضًا، وهو أمر ليس بالصعب لأن تكنولوجيا الإنتاج ليست صعبة التصنيع أو الإنتاج، مضيفًا أنه يوجد الكثير من المعامل البلدية البسيطة تعمل على إنتاج وصناعة الجبن بصورة غير مرخصة، ولا تتبع الممارسات الجيدة للصناعة والإنتاج وهنا تكمن الخطورة.

«كوب لبن لكل طفل ومواطن» كان هذا الشعار القومى لمصانع مصر للألبان منذ نجحت فى تحقيق طفرة فى صناعة الألبان المصرية ومنتجاتها المختلفة، عبر ٩ مصانع على مستوى الجمهورية، بمساحة تجاوزت ٤٧ فدانًا داخل محافظات: القاهرة والإسكندرية والإسماعيلية وطنطا والمنصورة وحتى أقصى الجنوب بكوم أمبو، بجانب إنشاء مركز لتدريب العمال بالإسكندرية للتأهيل على صناعة وإنتاج الألبان لإنتاج منتجات بجودة عالية، وكان يعد الأول من نوعه على مستوى الجمهورية. وكانت تنتج الألبان والزبادى وأنواع الجبن المختلفة والقشطة والزبدة والآيس كريم وغيرها من المنتجات الأخرى بأسعار رخيصة الثمن وعالية الجودة، حتى استطاعت أن تصدر الألبان إلى الخارج مع مراعاة الاشتراطات والمعايير العالمية..
وهو الدور الذى عكف المصنع بفروعه على تحقيقه منذ أن افتتحه الرئيس الراحل جمال عبدالناصر فى عام ١٩٥٦، فلاقى نجاحا كبيرا لدرجة إطلاق اسم «الأسطورة المصرية» عليه، وفى عام ١٩٧٣ كان قد وصل إنتاج «مصر للألبان» إلى مختلف مناطق مصر.