الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

إذا أرادوا قتل الحقيقة شكلوا لجنة!!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كان قرار الصحفى الكبير مكرم محمد أحمد رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام بحظر النشر، فيما يتعلق بالوقائع المنسوبة لإدارة مستشفى 57357 غريبًا وصادمًا، لأن الطبيعى أن يكون المجلس وأعضاؤه هم أول من يؤمن ويدافع عن حق المواطن فى المعرفة، وحقوق الإعلاميين وحرياتهم فى ممارسة الدور الرقابى، بالكشف عن مواطن الفساد وملاحقته، لمساعدة أجهزة الدولة الرقابية والقضائية فى محاولة انتشالنا من مستنقع الفساد الذى نعيش فيه، ولكن للأسف فوجئنا باتخاذهم الموقف العكسى الذى يقيد الحرية ويصادر الكلمة، ويعبر عن تكميم الأفواه وقصف الأقلام، وعدم الإيمان الحقيقى بدور الإعلام.. رغم أن الكاتب الكبير وحيد حامد والذى لا يستطيع أحد التشكيك فى وطنيته ومهنيته كان على رأس من يتبنون تلك الحملة، وبالتالى حين يكتب أو يتكلم يجب أن ينصت الجميع ويضعون كلماته نصب أعينهم..أما المفاجأة فكانت قرار النائب العام الذى انتصر لحرية الرأى، فقد أحال الأستاذ مكرم لنيابة أمن الدولة العليا بشأن إصداره قرار حظر النشر، باعتباره تعديًا على اختصاصات السلطتين القضائية والتنفيذية، وبالتالى اعتبره قرارًا منعدمًا ولا أثر له، وطالب المؤسسات الصحفية والإعلامية عدم الاعتداد به.
وأكد النائب العام أن دور المجلس ضمان وحماية حرية الصحافة وحق المواطن فى التمتع بإعلام وصحافة حرة نزيهة فى إطار من المهنية..ورغم تبرير الأستاذ مكرم بأن هذا القرار بالحظر جاء للحفاظ على تلك المؤسسة الطبية، وخوفًا من أن تؤدى استمرار حملة الانتقادات دون قرار حاسم بالبراءة أو الإدانة، إلى أن يشح نهر الخير أو يقل تدفقه ويضعف، بدعوى أن أغلب عائداته تذهب للمنحرفين.. إلا أنه كان من الأولى به وهو من شيوخ مهنة الصحافة، أن يتبنى المطالبة بوقف القائمين على إدارة المستشفى، والمنسوب لهم اتهامات إهدار أموال التبرعات ووقائع أخرى مخيفة، حتى يتم الفصل فى صحة الوقائع المنسوبة من عدمه.. وذلك حتى يطمئن المتبرعون أن التبرعات التى يقدمونها من أجل الأطفال المرضى لن تنفق فى أوجه لا يعلمها إلا الله، وبالتالى لا يتأثر أى من الأطفال المرضى، لأن الحل لم يكن أبدًا فى الصمت والمنع وقطع الألسنة، ولكن بالمواجهة والمتابعة والمحاسبة، وتسليط الضوء على السلبيات وأوجه القصور لمعالجتها، فإذا كان الأستاذ مكرم يخشى على المرضى الذين يعالجون فى المستشفى، فمن الأولى أن نخشى على الأطفال الذين لا يجدون مكانًا للعلاج رغم المليارات التى يقدمها أهل الخير، والتى نشر عن إهدار الكثير منها فى الإعلانات وإنتاج مسلسل تليفزيونى والتبرع لهيئة الصرف الصحى!!..وقد دافع أ.مكرم عن قراره بأنه مؤقت لحين انتهاء التحقيق الذى تقوم به اللجنة التى شكلتها وزيرة الشئون الاجتماعية، رغم أن تلك اللجنة فى الواقع هى لجنة إدارية وليست قضائية، ونحن للأسف لدينا سوابق تجعل البعض قد يتشكك فى نتائج بعض اللجان التى يتم تشكيلها لفحص وقائع الفساد، فنجدهم يقرون بعدم وجود شبهات فساد، ثم تتكشف أمورًا أخرى بعدها بشهور أو سنوات، وما أكثر اللجان فى كل الهيئات والوزارات، وما أكثر الفساد فى كل شبر فى بر مصر!!.. وبالطبع فإن أ.مكرم قد تعرض بعد قراره هذا لحملة انتقادات عنيفة، رغم مواقفه الداعمة لحرية الصحافة حين كان نقيبًا للصحفيين، ولكن طبيعى بعد أن جانبه الصواب فى هذا القرار أن يتعرض لذلك، وبالتأكيد هو من كبار شيوخ المهنة الذين يفترض أن نستفيد من آرائهم وأفكارهم وخبراتهم، ولكن دون أن يكون هو صاحب السلطة ومحرك الأحداث، وبما أنه قبل تولى المسئولية فعليه أن يتقبل انتقاد أدائه بصدر رحب.. ولكن كفانا كلامًا نتغنى به دون أن نطبقه.. فنحن أصبحنا قومًا يقولون ما لا يفعلون!!.. ينادون بدولة الشباب ثم نجد بعض ممن يتولون المسئولية يتخطون مرحلة الشيوخ!!.. وهو بالطبع ما يؤدى إلى التخبط والمواقف غير المحسوبة، والهجوم على شيوخ كبار أصبحوا رموزًا، من المفترض أن ينأوا بأنفسهم عن الدخول فى تلك المعارك التى تنتقص من هيبتهم.. أما أبلغ رد على كل ما سبق من معارك دائرة، ما كتبه المفكر المبدع وحيد حامد فى مقاله الأخير «حدث فى الهند» فكتب: «الوقت الذى تقتل فيه الأفكار ويصبح الإبداع بدعة.. الوقت الذى يغيب فيه العلم وتنتشر فيه الخرافة، ويتحول فيه التاريخ إلى أكاذيب.. الوقت الذى يتألق فيه الفساد وينمو ويعلو ويتحصن ويحكم.. هذا الوقت المر العصيب لابد أن يمضى.. ولا أحد يسأل كيف يمضى وقتى؟ لأن الجواب لا يملكه كاتب أو مفكر أو حتى عالم دين، الجواب دائمًا وأبدًا يكون عند الناس وفى لحظة نفاد صبر مفاجئة ومباغتة.. هذا وقت الكهنة، وقت السحرة.. إذا أرادوا قتل حقيقة شكلوا لجنة، وإذا قرروا حماية فاسد أحاطوه بالرعاية والعناية ورفعوا من قدره وشأنه فقد صار واحدًا منهم بعد أن أصبحت الغنائم متاحة للجميع».