الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

"تقشير بطاطس" الصحفيين.. هل اقتربت الساعة؟!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
حسمت حالة الجدل الدائر حاليًا بشأن مواد قانون تنظيم الإعلام والصحافة الجديد.. ما ذكرناه منذ عدة أسابيع حول أن الإعلام بوجه عام والصحافة بصفة خاصة تمر بأقوى التحديات التى واجهتها خلال العقود الأربعة الأخيرة.
ففى حين ترى دوائر إصدار القانون أنه يضع قواعد صحيحة لما يجب أن يكون عليه الأداء الإعلامى الملتزم، وأنه ينظم عملية النشر بشكل مسئول، ترى جموع الصحفيين أنه يفرض قيودًا غير مسبوقة، ويقزم إلى حد غير مسبوق أدوار الصحفيين فى إدارة المؤسسات.
وخلال احتدام المناقشات حول هذه المواد الخلافية.. جاء قرار الكاتب الصحفى مكرم محمد أحمد، رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، بحظر النشر فيما يتعلق بالاتهامات الموجهة لإدارة مستشفى ٥٧٣٥٧، ليشعل حالة جدل أخرى لا تقل عن سابقتها.. حيث رأى فيها العاملون ببلاط صاحبة الجلالة تضييقا على النشر فى قضية تهم الرأى العام، وخصوصا أن قرار الحظر لم يصدر من القضاء أو النائب العام.. الأمر الذى أثار مخاوف عدة من أن يتحول المجلس إلى ذراع تنفيذية جديدة تمارس الرقابة وتفرض القيود الإعلامية.
خصوصًا إذا ما وضعنا فى الحسبان حالة الاستنفار لاستشعار القلق التى تصل أحيانًا إلى حد «الوسواس القهري» لدى الصحفيين خوفًا من أى قيود تنال من الحرية التى طالما خاضوا معارك كبرى من أجلها.. فى مقابل حالة الانفلات الإعلامى التى لا بد أن نعترف بممارستها من جانب بعض الصحف والمواقع الإخبارية التى لا تتحرى الدقة بل تترك العنان لنشر أخبار وموضوعات لا تمت للحقيقة بصلة، بل تسهم فى إثارة الفتنة وزعزعة الأمن القومي.
على الجانب الآخر.. فقد أوحت لى حالة الهدوء السياسى والأمنى الملموسة على أرض الكنانة، والتى نحمد الله عليها ونتمنى دوامها، بأن أمارس هوايتى البغيضة فى تخيل الوضع الذى سيصل إليه حال الإعلام والإعلاميين بعد عدة شهور إذا لم نبادر بتطوير أدائنا وتعديل أهدافنا.. وهذه بالمناسبة ضرورة مهنية لكل ذى عقل وليست بدعة من عمل الشيطان.. وكالعادة رسم خيالى السيناريو الأسوأ فرأيت أننا ربما نواجه اعتزال مهنة الصحافة ونلجأ إلى تقشير البطاطس أو تنقية الأرز فى المنزل.
فخلال السبعة أعوام الماضية، مر المشهد الإعلامى بعدة أطوار لا تخطئها عين.. فمنذ أحداث ثورة ٢٥ يناير تصاعد دور الإعلام بصورة غاية فى السخونة والمتابعة بل والتوجيه.. بعدها دخلنا فى طور التحفيز واستدعاء المشاعر الوطنية بصورة أو بأخرى ووقتها كانت الأخبار فى الشارع.. ثم وصلنا إلى مرحلة الهدوووووء الذى يرتاح إليه البعض.. بينما يستشعر منه الكثيرون خطورة على الأداء الإعلامى الذى من المستقر عليه أنه ينشط خلال الأحداث المشتعلة.
وبين هذا وذاك يرى فريق ثالث، وهو الأقرب لصوت المنطق، أنه لا بديل أمام الإعلام بمختلف وسائله من البحث عن أدوار بديلة أو «نيولوك» يقنع من خلاله الجمهور بأهمية وجوده، بدلًا من انتظار وقوع انفجار هنا أو تظاهرة هناك، ويتحول من خلاله إلى لاعب أساسى فى حركة المجتمع، بدلًا من الجلوس على دكة الاحتياط، وتتفق جميع الدراسات، وبإجماع الخبراء، على أن تطوير الأداء المهنى للإعلاميين ضرورة لا غنى عنها وهى فريضة مؤكدة، بما يتطلب على المدى القريب تدريب وتأهيل المنتمين للحقل الإعلامي، من خلال المؤتمرات وورش العمل وحلقات النقاش التى تجمع الإعلاميين بالعلماء فى مختلف المجالات، على الطرح الجديد للإعلام، وذلك بهدف خلق قاعدة معرفية لديهم على أهمية تطوير الأهداف وفقًا للمحددات الزمنية والمكانية الحالية.. أما على المدى البعيد، فإن الأمر يتطلب الاهتمام ببرامج التدريس فى الكليات والمعاهد الإعلامية المتخصصة، وعلى مستوى الدراسات العليا، بفتح المجالات أمام الخريجين من مختلف التخصصات للجمع بين تخصصاتهم وفنون الإعلام والأدوار والأهداف المنوطة به لخدمة أهداف التنمية.
إن دور الإعلام فى التأثير فى الجماهير، ليس موضع تشكيك، إلا أن درجة التأثير ترتبط ارتباطًا كبيرًا بالفروق الأساسية بين البشر، وإطاراتهم المرجعية، واهتماماتهم التى تحدد درجة تقبلهم لما يقرأون ويسمعون ويشاهدون.. فهناك من يرى أن «الناس زهقت سياسة».. فهل نواجه ذلك بتقديم جرعة ترفيهية مثلًا؟.. وإذا أخذنا مثالًا حديثًا لحالة التفوق والانتشاء التى أوجدها نجم كرة القدم «محمد صلاح» فى نفس كل مصرى لدرجة أن أى حرف يكتب عنه يتلقفه القراء بلهفة وشغف.. فهل فى هذه الحالة علينا الالتجاء إلى الصحافة الرياضية مثلًا؟.
وهذا بالضرورة ينقلنا إلى مسألة فى غاية الخطورة تتعلق بالإجابة عن السؤال الآتي: هل سينجرف الإعلام وراء رغبات الجمهور، فيما يعتبره الكثيرون ارتدادا أو انقلابا على الدور المنوط بالإعلام الذى من المفترض أنه يحمل مشعل التوجيه وترتيب أولويات اهتمام الجمهور.. فدور الإعلام فى التأثير فى النظم السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية يتوقف إلى حد كبير على وضعية وسائل الإعلام من نظام إلى آخر، وهى وضعية تحدد طبيعة ونوع واحتياجات كل مجتمع لوسائل إعلامه، والدور المنتظر منها، وهى مسألة تختلف بلا أدنى شك من مجتمع إلى آخر.
الخلاصة إذًا أننا بتنا كمنتمين لبلاط صاحبة الجلالة وإعلاميين فى أمس الحاجة لوقفة حاسمة مع الذات يتم خلالها تقييم ما قد سبق وما سيأتي.. وإن لم نفعلها ونمسك بزمام تطوير أنفسنا أولًا وأدائنا ثانيًا؛ فإننا على الأرجح سنكون مضطرين «لتقشير البطاطس فى المنزل»، وما أقساها من مهمة على أى صحفى حقيقى يؤمن برسالته وأن له قيمة حتى لو كان وزن هذه «البطاطس» ذهبًا.
عادل عبدالرحيم