الخميس 16 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

لست غريبًا.. لكن كُن أديبًا

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
من الصعب الضغط على جرح المآسى الإنسانية وهى تنزف دماء المرارة، تحديدا حين يُثير هذا الاقتراب شهية هواة خلط الأوراق. مصر تحتضن ما يتجاوز 5 ملايين ضيف عربي، أصبحوا جزءا من نسيجها الطيب.. لم تسمح لآلام مشاعر الغربة أن تُزيد من معاناتهم خلافا لما يحدث فى الدول الأوروبية. لعل أجمل كلمة داعبت أذنى على مدى أكثر من أربعين عاما من مختلف فئات الشعب المصرى «أنتِ فى بلدك»، التجربة الشخصية فى الاختلاط بمختلف الجنسيات سواء العربية أو الأوروبية كشفت أن المصريين أكثر الشعوب قدرة على احتواء الآخر بدفْء حين يلمسون صدق مشاعره.
تحتل الجالية السورية النسبة الأعلى بين ضيوف مصر.. العديد من التقارير الإعلامية تطرقت إلى أحوال معيشتهم واحتياجاتهم. نجح عدد فى إقامة مشاريع كبيرة، بينما الغالبية خلقت لنفسها مجالات عمل فى حقل الصناعات المتوسطة والصغيرة، خصوصا أن حجم تعداد مصر السكانى يجعلها سوقا مثالية لاستيعاب هذه الصناعات. من جهة أخرى كم التناحر والتشابك بين أطراف الأزمة السورية يجعل السيطرة على مجمل توجهات كل الجالية من الأمور المعقدة، للأسف نجح أفراد فى الاندساس ضمن مسمى هذه الجالية، بينما انتماؤهم لسوريا لا يساوى الحبر الذى كُتِبت به الجنسية على أوراقهم الرسمية، هؤلاء المغيبون عن الانتماء والحقائق يجب أن يخضع تواجدهم إلى المراجعة الأمنية.
مبدأ الانتماء إلى الوطن يهدم من الأساس الحركة الشيطانية التى قام بها بعض حاملى الجنسية السورية من احتفال فى مدينة 6 أكتوبر بفوز حققه «دكتاتور» تركيا أردوغان عبر طرق التزوير والترهيب.. علما بأن التاريخ لم يرحم الفئات «الشاذة» التى هللت لمحتلى بلدانهم بداية بداعمى الاحتلال النازى لفرنسا، انتهاء بمن باركوا الغزو الأمريكى للعراق، جذور إنكار مبدأ الوطن والمواطنة لم تعد لغز أو مثارا للتكهن خارج إطار حقيقة رسخها تاريخ وحاضر التنظيم الدولى للإخوان وتوابعه من المسميات الجهادية، منطقيا، استيعاب فكرة انتماء هذه الفئة إلى سوريا وهى تشهد أبشع مظاهر الوحشية والتنكيل التى تمارسها قوات الدكتاتور لمدن احتلتها فى شمال سوريا وتهجيِر سكانها تحت تهديد الأسلحة بالهتاف له وتعلق أعلام تركيا وصور أردوغان أعلى المبانى الحكومية!.. على مختلف أوجه المبررات السياسية لا يمكن تفسير تصرف هذه الفئة سواء فى مصر أو باقى الدول إلا فى إطار التهليل لمحتل يُدنِس أرضهم.
أنبل خصائص الشخصية السورية امتزاج كرات دمائها بجينات العروبة.. الأمر الذى يتنافى مع مثل هذه التحركات الصبيانية.. واقعيا، ثورة الشارع المصرى 30 يونيو 2013 لطرد «عصابة إخوان البنا» وإن حدثت جغرافيا ضمن حدود مصر، إلا أن تداعياتها تجاوزت إلى أبعد من ذلك، فقد خلقت تحالفات وتنسيقا عربيا لم تكن الأزمة السورية بعيدة عنه.. من جهة أخرى آن لصوت «العقل» السوري، بعد سبع سنوات من الدمار، إدراك أن أى بارقة أمل قد تحدث برعاية دولية وليس إقليمية مع عجز منظمات المجتمع الدولى فى وقف نزيف الدماء وتكالب الأطماع على سوريا، لكنها قطعا ستكون ضمن دور عربي.. بالتالى هل تقتضى الحكمة استفزاز إرادة دولة وشعب نجحت فى الوقوف قوية ضمانا لاستقرار المنطقة العربية كما تحمِل العبء الأكبر من التحرك السياسى والدبلوماسى لإيقاف نزيف الصراعات الدموية الذى اجتاح بعض دول المنطقة منذ عام 2011.
الدعوة إلى محاسبة هذه الفئة لا يُعقل ربطها- من منظور قاصر وفى خلط للأوراق- بمعتقدات الشوفينية والتعصب بقدر ما هى حرص على ما تبقى من وحدة الموقف العربى وكل المساعى المصرية لإعادة ضخ الدماء إلى شرايينها، حين تُجاهِر مجموعة بما يُثير استفزاز الشارع المصرى وتهلل لدكتاتور لا يتعدى كونه «ظاهرة صوتية» فتح بلاده ملجأ لكل المجرمين ممن استباحوا دماء الأبرياء من هذا الشعب ومنحهم بسخاء الدعم المادى واللوجستى على مدى سبع سنوات فى محاولة خائبة لتقويض الأمن وزعزعة الاستقرار دون أن تتوقف هذه المجموعة لحظة أمام الصورة الكارثية للمنطقة العربية فى حال عدم تماسك واستعادة مصر سيادتها سريعا من مخالب من أرادوا تقزيمها إلى مجرد مساحة ضمن أرض الخلافة الإسلامية!. 
حرية التعبير أيضا بعيدة تماما عن إثارة الاستفزاز، سواء فى هذه الحادثة أو غيرها، والتى قد تمتد تبعاتها إلى إثارة مشاعر الشارع السلبية تجاه الجالية بأسرها، رغم إعلان التأكيد المتكرر لكل أفرادها بأنهم يعيشون فى مصر مواطنين وليسوا لاجئين بكل مشاعر الود التى لمسوها من المصريين، هذه التحركات لا يمكن قراءتها بعيدا عن طرف يمتلك تاريخا عريقا فى نهج أحداث الفتن والشروخ.. فلم تغب عن الذاكرة صور أعداد محدودة من فلسطين أو سوريا وهى تشارك «عصابة إخوان البنا» اعتصام رابعة بينما شعوب هذه الدول الشقيقة براء منهم.. أخيرا، كل التعاطف مع آلام الغربة يفترض أن يقابله فى المعادلة المثل العربى «يا غريب.. كن أديب».