الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

"الحرس الثوري".. يجني ثمار "العقوبات الأمريكية".. الجهاز الأمني يسيطر على 40% من الاقتصاد بـ"100 مليار دولار".. استعاد نفوذه الاقتصادي بعد خروج الشركات الأجنبية من السوق الإيرانية

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
«الحرس الثورى».. يجنى ثمار «العقوبات الأمريكية».. الجهاز الأمنى يسيطر على %40 من الاقتصاد» بـ«100 مليار دولار».. استعاد نفوذه الاقتصادى بعد خروج الشركات الأجنبية من السوق الإيرانية «العقوبات الغربية» عززت دوره طوال 29 عامًا بـ 800 شركة 
مما لا شك فيه أن «الحرس الثوري» الإيرانى يملك النسبة الأكبر من تيارات الاقتصاد الإيرانى داخليًا؛ حيث تتبع له العديد من الشركات الاقتصادية الكبرى داخل إيران، تأتى أبرزها «قرارگاه سازندگی خاتم الأنبیاء»، أو مؤسسة «خاتم الأنبياء» الإنشائية الكبرى، وشركة «والفجر» التابعة بالأساس إلى مؤسسة خاتم الأنبياء، وغير ذلك الكثير. 
وإذا كانت مؤسسة الحرس الثوري، تسيطر بالأساس على المقدرات الحقيقية السياسية فى إيران، سواء داخليًا أو خارجيًا؛ فإنها بالتالى باتت تسيطر على النسبة الأكبر من الاقتصاد الإيراني، مما يجعل عملية الانفتاح السياسى أو الاقتصادى الإيرانى على الدول الخارجية، أمرًا غير مرغوب فيه إلى حد ما من قيادات الحرس الثورى الإيراني.
وكان قادة الحرس الثورى الإيراني، قلقين فى البداية كثيرًا، حينما أبدت حكومة الرئيس الإيرانى الجديد عام ٢٠١٣، ميلًا إلى التفاوض مع الدول الغربية، وأبرزها الولايات المتحدة الأمريكية، حول عقد الاتفاقية النووية الحالية، التى خرجت منها واشنطن لاحقًا، خوفًا من ابتلاع الشركات الأجنبية ذات الذخائر المالية الضخمة والإمكانات الأكبر للسوق الإيرانية.
أما الآن، وقد توصلت مختلف القوى إلى الاتفاقية النووية فى يوليو ٢٠١٥، وخرجت منها الولايات المتحدة الأمريكية الشهر الماضي؛ فإن السؤال الأهم هنا يدور حول موقف الحرس الثورى الإيرانى من خروج الشركات الأجنبية الأوروبية من السوق الإيرانية، وما هى الإجراءات التى من المتوقع أن يشاهدها المتابع للمشهد الداخلى الإيرانى خلال الأيام القادمة. 
كشف العديد من المراقبين، عن مدى سيطرة الحرس الثورى على الاقتصاد الإيرانى منذ ثورة «الخميني» والإطاحة بحكم الشاه محمد رضا بهلوي، حيث تطور دور «الحرس الثوري» على مدى عمر النظام الإيرانى منذ ١٩٧٩ وحتى الآن، ليصبح الفاعل الحقيقى سياسيًا وعسكريًا، وإلى جانب ذلك، بات الحرس الثورى تدريجيًا المسيطر الأول على السوق «البازار» الإيرانى عبر امتلاك العديد من الشركات الكبرى التى تعمل فى العديد من المجالات المختلفة.
يشتمل الاقتصاد الإيرانى داخليًا على ثلاثة قطاعات، هى: القطاع العام، والقطاع الخاص، بالإضافة إلى قطاع ثالث وهو القطاع «شبه الحكومي» الذى تندرج تحته أنشطة الحرس الثورى الاقتصادية داخليًا. 
بات اقتصاد الحرس الثورى الإيراني، داخليًا، يُقدر إجمالًا بأكثر من ١٠٠ مليار دولار، ويبلغ حجم هذا الاقتصاد فى إيران حوالى ١٥٪ من إجمالى الناتج المحلي، وكذلك فى ظل ارتفاع نسبة مساهمة القطاع شبه الحكومى الإيرانى فى الاقتصاد الداخلى إلى ٤٠٪ ثم ٢٥٪ للقطاع الخاص و٣٥٪ للقطاع العام. 
تبرز أولى الوحدات الاقتصادية الضخمة للحرس الثورى الإيراني، فى شركة خاتم الأنبياء العملاقة للإنشاءات، والتى استطاعت خلال العقود الثلاثة الماضية، أن تقوم بتنفيذ الكثير من المشروعات خاصة بعد انتهاء حرب الخليج الأولى. 
ففى أكتوبر من عام ١٩٨٩، استطاع الفرع الهندسى التابع للحرس الثورى الإيراني، أن يشكل وحدة اقتصادية ضخمة عبر الشركة، وأن تدخل مجال إعادة البناء والإعمار، تحت إشراف المرشد الإيرانى الحالى على خامنئي. 
وكانت «خاتم الأنبياء» قد عملت فى البداية فى إعادة إعمار المناطق التى شهدت العمليات الحربية خلال فترة الحرب «العراقية- الإيرانية» خلال سنوات (١٩٨٠-١٩٨٨)، فأنشأت سد «الكرخة» فى إقليم الأحواز غربى إيران، وتوجهت الشركة فى هذه الأثناء إلى مشروعات كانت فى الغالب متوسطة أو ما دون ذلك، إلا أنها وخلال السنوات التالية توسعت كثيرًا وبدأت تعمل فى المشروعات الكبرى التى كانت تتولاها فى السابق شركات أجنبية. 
وعملت العقوبات الغربية والأممية على إيران على تعزيز دور مؤسسة «خاتم الأنبياء» داخل إيران خلال الـ ٢٩ عاما الماضية، خاصة فى عهد الرئيس السابق محمود أحمدى نجاد، فباتت تسيطر على المشروعات الإنشائية الكبرى داخل إيران حتى أصبحت تتمتع بمئات العقود الحكومية الإيرانية، ويعمل بها حوالى ٢٠ ألف موظف، حيث تنضوى تحتها أكثر من ٨٠٠ شركة داخل وخارج إيران، إلا أن مسئول مجموعة شركات «خاتم الأنبياء»، عبدالله عبدالله قال فى مقابلة له عام ٢٠١٤، إن مجموعة هذه الشركات يعمل بها حوالى ١٣٥ ألف موظف، وأن الهيكل التنظيمى يتضمن أكثر من ٢٥٠٠ فرد ينتمون للحرس الثورى الإيراني، ثم عاد عبدالله عام ٢٠١٦، وقال إن عدد العاملين فى الشركة يُقدر بحوالى مليون شخص.
أما المشروعات التى تتولاها الشركة فهى عديدة، ومنها حقل «بارس الجنوبي» للغاز، وسد «كتوند» فى الأحواز، ومصنع لإنتاج النحاس فى محافظة آذربيجان الشرقية، وشركة «سباينر» العاملة فى مجال النفط، وشركة «سباسد» العاملة فى مجال بناء السدود، ومؤسسة المهندسين الاستشاريين.
إلى جانب ذلك، يسيطر الحرس الثورى على ٥١٪ فى شركة الاتصالات الإيرانية، ويمتلك أكبر منجم للزنك والرصاص فى إيران والشرق الأوسط عبر شركة «أنغواران»، كما يدير الحرس الثورى مطار الخمينى الرئيسي، وذلك على الرغم من تولى إدارته إحدى الشركات النمساوية التركية منذ عام ٢٠٠٤، فـ«الحرس الثوري» يسيطر على المطار الرئيسى فى البلاد بسبب ما قال إن تشغيله من قبل «أجانب» يعرض سلامة البلاد للخطر.
وشركة «إيران للصناعات الثقيلة» التى تعمل فى الأنواع المتعددة من الصناعات الثقيلة كالجرارات والشاحنات، وتقوم سنويًا بصناعة حوالى ٢٠ ألف شاحنة، وشركة «مهر الاقتصادية للاستثمارات بإيران» التى تقع ضمن مجموعة «بنك مهر الاقتصادي»، وتُعد الشركة من الفواعل الأساسية والمساهمين فى العملية الاستثمارية داخل إيران.
كذلك شركة «إيران» للاتصالات، التى تأسست قبل اندلاع الثورة الإيرانية عام ١٩٧٩، وتملك الآن حوالى ٣٠ شركة محلية أخرى داخل إيران، وبنك «بارسيان» أو البنك الفارسي، الذى يتبع بشكل غير مباشر الحرس الثورى الإيراني، والذى يملك فروعًا فى دول أخرى كالعراق.
على جانب آخر، كان المتشددون الإيرانيون بشكل عام والحرس الثورى الإيرانى بشكل خاص، من أشد المعارضين للاتفاق النووى الإيرانى فى يوليو ٢٠١٥، وذلك لأن مثل هذا الاتفاق سيقيد كثيرًا من وضعهم ومكانتهم الدينية، إلى جانب وضعهم الاقتصادي.
فمن الناحية السياسية، عمل الاتفاق النووى الإيرانى خلال مرحلة ما قبل وصول الرئيس الأمريكى الجديد، دونالد ترامب، إلى الرئاسة فى الولايات المتحدة الأمريكية، على تعزيز مكانة ودور الإصلاحيين فى إيران، وكان من المتوقع أن يستمر الأمر كذلك إذا لم يأت «ترامب» إلى البيت الأبيض فى ٢٠١٧، مما وضع مكانة الحرس الثورى بالأساس فى مواجهة أخطار سياسية داخلية ساعدت الأوضاع الإقليمية على إزالة كثير من هذه الأخطار عن طريق بروز دور الحرس بشكل أكبر بصفته الذراع العسكرية للنظام الإيرانى فى الخارج. 
فقد عمل دور «الحرس الثوري» الإيرانى فى سوريا والعراق واليمن ولبنان منذ ٢٠١٣، وفيما بعدها على تعزيز المكانة السياسية له داخل إيران بالتزامن مع عدم وضوح الرؤية أو نهاية الاتفاق النووى قبل قدوم ترامب إلى البيت الأبيض، إلا أنه ومنذ تنصيب ترامب العام الماضي، بدأ الحرس الثورى يستعيد مكانته السياسية، التى كان بعضها على حافة الخطر خاصة قبل مجيء الرئيس ترامب.
أما من الناحية الاقتصادية، فقد كان رفض كثير من مسئولى الحرس الثورى للاتفاقية النووية، حتى وإن لم يعلن بعضهم عنها، ينبع من مخاوف اقتصادية كثيرة ومتشعبة، فدخول الشركات الأجنبية للسوق/ البازار الإيراني، سينحى جانبًا كثيرًا من شركات الحرس الثوري؛ وذلك لأن هذه الشركات الأجنبية تملك ذخائر مالية أكبر بكثير مما يمكن للحرس بشكل إجمالى أن يمتلكها. 
لذا، عملت هذه الشركات فى الواقع على تهديد نفوذ الحرس الثورى الاقتصادى داخل إيران، فبدلًا من أن تسند الحكومة الإيرانية المشروعات المعتادة إلى شركات ومؤسسات الحرس الثورى كـ«خاتم الأنبياء» بدأت الحكومة تتجه إلى إسناد المشروعات والتعاقد مع الشركات الأجنبية، وكان من أسباب ذلك أن الحكومة الإيرانية كانت بحاجة إلى تدفق الأموال من الشركات الخارجية بدلًا من نظيراتها من الحرس التى لا تتمتع بنفس هذه الميزة الاقتصادية عند المقارنة بينهما.
وعليه، فقد كان «الحرس» ينتظر كثيرًا وصول المرشح الأمريكى الفائز دونالد ترامب إلى سدة الحكم أوائل العام الماضي؛ وذلك لاستعادة النفوذ الاقتصادى والسياسي، وربما هذا يفسر من ناحية أخرى التصعيد الأخير ما بين الحرس الثورى و«الرئيس الامريكي»؛ حيث إنه كلما صعّد «ترامب» من لهجته وسياساته تجاه إيران، سيعنى ذلك منح مزيد من القوة السياسية والاقتصادية، له. 
ومن المتوقع أن يعمل خروج الشركات الأجنبية من السوق الإيرانية خلال الأيام والشهور القادمة، على تصاعد دور المؤسسات والشركات الاقتصادية التابعة للحرس الثورى داخل إيران، فضلًا عن تصاعد دوره مرة أخرى وبشكل أكبر سياسيًا.