الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

معارك المؤلفين والناشرين تحتدم ونصيحة نجيب محفوظ لا تموت!

نجيب محفوظ
نجيب محفوظ
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لعل مشهد الأديب النوبلي نجيب محفوظ يلوح الآن ويسترجع كل المبدعين في العالم نصيحة هذا المبدع المصري العظيم وسط المعارك التي تحتدم بين المؤلفين والناشرين!
فنجيب محفوظ الذي قضى في الثلاثين من أغسطس عام 2006 والحاضر دوما بإبداعاته كان لا يمل إسداء النصح لأي مبدع وخاصة من الشباب بألا يغريه الأدب بترك عمله أو وظيفته الثابتة ويضرب المثل بنفسه وهو الذي استمر في وظيفته حتى الإحالة للمعاش مؤكدًا أن "الكتابة الأدبية وحدها لا تكفي لعيش حياة كريمة".
وواقع الحال كما تفيد معطيات المشهد الثقافي العالمي يؤكد أن نصيحة المبدع النوبلي المصري نجيب محفوظ تبقى مفيدة لكل المبدعين دون تمييز ما بين شرق وغرب.. وها هم الكتاب الذين يوصفون في الغرب بأنهم أصحاب أعلى مبيعات الكتب او "البيست سيلر" يتهمون الناشرين بأنهم لا يدفعون سوى "أقل القليل" للمؤلفين، فيما يطالب نجوم البيست سيلر وكتاب من المشاهير في بريطانيا مثل فيليب بولمان وأنطوني بيفور وسالي جاردنر "بتقاسم أكثر عدلا للأرباح بين الناشرين والكتاب".
وجاءت هذه الدعوة بعد أن أظهرت دراسة مسحية أن الكتاب الذين يكرسون كل وقتهم للكتابة دون أن ينخرطوا في أي عمل آخر لا تصل دخولهم حتى إلى مستوى الحد الأدنى للأجور، وهو وضع يصفه الكاتب فيليب بولمان بأنه "يلحق أضرارا بالحالة الثقافية والإبداعية للأمة".
وهذه الدراسة المسحية التي شملت أكثر من 5500 كاتب محترف أظهرت "انخفاضا مأساويا في عدد هؤلاء الكتاب الذين بمقدورهم العيش من ناتج عملهم في الكتابة"، فيما دخلت الدراسة ضمن أحدث تقرير "لجمعية التراخيص والتحصيل للمؤلفين" في بريطانيا.
وضمن المؤشرات الصادمة في تلك الدراسة أن المتوسط العام لإيرادات الكتاب المحترفين في بريطانيا انخفض بنسبة بلغت 42 في المائة منذ عام 2005 وبات دون مبلغ العشرة آلاف وخمسمائة جنيه استرليني سنويا، وهو ما لا يصل حتى للحد الأدنى للأجور في هذا البلد والذي قدر سنويا ب 17 ألفًا و900 جنيه إسترليني.
ورأى فيليب بولمان وانطوني بيفور وسالي جاردنر أن هذا الوضع يهدد في الصميم المشهد الثقافي البريطاني وتنوع وجودة الكتابات الإبداعية الأدبية، فيما أنحوا باللائمة على الناشرين؛ سواء كانوا من ناشري الكتب الورقية أو الرقمية، معتبرين أنهم يبخلون على مؤلفي الكتب بجزء من أرباحهم التي تتزايد بصورة كبيرة مقابل تزايد بؤس المؤلفين ويصف بولمان الوضع ككل بكلمة "الاستغلال".


ويقول فيليب بولمان مؤلف "سلسلة المواد القاتمة" التي دخلت قوائم أعلى مبيعات الكتب في بريطانيا والغرب إن الناشرين يتعاملون بصورة سيئة مع المؤلفين ويوغل في هجومه حتى أنه اعتبر بعض هؤلاء الناشرين "فاقدين للضمير كما يفتقرون للوعي الكافي بأن ممارساتهم يمكن أن تدمر مستقبل صناعة الكتاب ككل ناهيك عن بيئة الكتابة والإبداع".
كما تظهر الدراسة المسحية تمييزا نوعيا لصالح الذكور على حساب الإناث حيث أوضحت الأرقام أن الكاتبة تحصل على ما لا يزيد على نسبة قدرها 75 في المائة من مجموع الإيرادات التي تدخل لنظيرها الكاتب وهو وضع يتفاقم في السنوات الأخيرة على وجه الخصوص.
ومن هنا تبدي القاصة والصحفية البريطانية اماندا كريج شعورا بالسخط حيال هذا التمييز من جانب الناشرين بين الكتاب الذكور والإناث فيما تلفت مؤلفة "الأكذوبة في الأرض" إلى أن المبدعات يكفيهن متاعب تربية الأبناء وتدبير شئون بيوتهن ومن ثم فأي كاتبة ليست بحاجة لمزيد من المتاعب من جانب الناشرين.
أما الكاتب أنطوني بيفور وصاحب كتاب "ستالينجراد" الذي دخل بدوره في قوائم البيست سيلر فيلفت إلى أن الكاتب في العصر الحالي بحاجة للبحث وهي مهمة تتطلب توافر المال وليس العكس، كما يفعل الناشرون الآن عندما لا يمنحون سوى أقل القليل للمؤلفين.


وتنعى كاتبة الأطفال البريطانية سالي جاردنر والتي دخلت قصصها قوائم أفضل مبيعات الكتب الوضع الحالي للمؤلفين، معتبرة أن الوضع منذ سنوات بعيدة خلت كان أفضل بكثير من المشهد الحالي حتى أنها تتحدث بحسرة على "الأيام الخوالي التي مضت وكانت تعيش فيها بصورة جيدة بفضل ما تتقاضاه مقابل ما تكتبه".
وترى سالي جاردنر أن النهج الحالي للناشرين حيال المؤلفين "يقوض قدراتهم على التحليق بالأفكار والكتابة في قضايا مهمة كما أن غياب الدعم المالي يفضي لتغييب المواهب الشابة وإبعادها عن ساحة الكتابة والإبداع". 
وفي رد فعل يشير لوضع قابل للانفجار وتبادل الضربات والاتهامات بين المؤلفين والناشرين انتهج اتحاد الناشرين في بريطانيا "أسلوب التشكيك"، وذهب إلى أن الأرقام الواردة في هذه الدراسة والتي تكشف عن انخفاض مريع في دخول الكتاب "لا يمكن التحقق من صحتها". 


وحسب الرئيس التنفيذي لجمعية المؤلفين في بريطانيا نيكولا سولومون فإن مؤلفي الكتب لا يحصلون سوى على نسبة قدرها 3 في المائة من مجموع مبيعات الناشرين لتلك الكتب مستندة في ذلك لإحصاءات وأرقام معلنة في عام 2016 بشأن أرباح الناشرين.
وقالت نيكولا سولومون إن ما يثير القلق والجزع في نفوس الكتاب انه في هذه الفترة الزمنية التي تتدنى فيها دخول المؤلفين نشهد ارتفاعا فلكيا في مبيعات الناشرين الكبار وهو تصريح أثار المزيد من غضب الرئيس التنفيذي لاتحاد الناشرين في بريطانيا ستيفن لوتينجا ليقول في المقابل إن تلك الأرقام غير المعترف بها من جانب الناشرين لا تعكس حجم استثماراتهم في صنع مواهب إبداعية.
غير أن لوتينجا استدرك ليقول بمفردات لغة أكثر هدوءا :"إن أردنا الدخول بصدق في حوار بناء حول هذه القضية فنحن بحاجة لقاعدة أكثر موثوقية لنستدل بها" فيما أكد مجددا أن "الناشرين يثمنون المؤلفين عاليا وصناعتهم ككل تعتمد على دعمهم للكتاب".
وفي المقابل ردت نيكولا سولومون لتقول في رسالة مفتوحة لستيفن لوتينجا نشرتها الصحافة الثقافية البريطانية لتؤكد بدورها على سلامة وصحة الأرقام والبيانات الواردة في الدراسة المسحية التي أجرتها "جمعية التراخيص والتحصيل للمؤلفين في بريطانيا" والتي "تعبر عن معطيات مشهد عالمي وحالة تتكرر في بلدان شتى حول العالم" واتفقت مع الرئيس التنفيذي لهذه الجمعية اوين اتكينسون في مطالبة الناشرين "بنشر حساباتهم بصورة مفصلة توضح ما دفعوه للمؤلفين والمترجمين ورسامي الكتب".
وواقع الحال أن الأرقام المعلنة لعام 2016- حسب دانوتا كين في جريدة الجارديان- تكشف عن زيادة نسبتها 7 في المائة لمجموع مبيعات الناشرين في بريطانيا وهو الاتجاه التصاعدي الذي استمر أيضا في عام 2017 أما المبيعات لعملاق متخصص في الكتب الرقمية على مستوى العالم أي الكيان الشهير "أمازون" فقد زادت بصورة مثيرة للدهشة من 8,49 مليار دولار أمريكي في عام 2005 لتصل الآن الى 177,87 مليار دولار أمريكي.
ومع أن كاتبة قصص الأطفال الشهيرة سالي جاردنر ترى أن الناشرين لا يهتمون على صعيد المسائل المالية سوى بمشاهير الكتاب فهي نفسها ككاتبة دخلت قوائم أفضل مبيعات الكتب تعاني مثل غيرها من المشاهير ما يوصف بسوء التقدير المالي من جانب الناشرين.
ويقول كاتب آخر للأطفال في بريطانيا وهو توني برادمان إن "ممارسات الناشرين الآن حيال المؤلفين ستكون لها عواقب طويلة الأمد على المشهد الإبداعي والثقافي في البلاد" معتبرا أن "رؤيتهم قصيرة النظر". 
ورأت اليسون فلود وهي صوت بارز في الصحافة الثقافية البريطانية وإسهامات مميزة في جريدة الجارديان أن هناك من الأدلة والشواهد ما يكفي بالفعل للقول بثقة بأن دخول المؤلفين تتراجع بصورة خطيرة فيما تتزايد مكاسب وارباح الناشرين مستندة لدراسات وتقارير منشورة وبعضها لاتحاد الناشرين تتفق على أن أرباح الناشرين تدور حول نسبة الـ13 في المائة.
وكما ذهبت نيكولا سولومون واوين اتكينسون فإن الرئيس التنفيذي لاتحاد الناشرين في بريطانيا ستيفن لوتينجا لا يمكنه الطعن في صحة أرقام تؤكد أن المساهمين في دور النشر الكبرى ببريطانيا تقاضوا أموالا تزيد بثلاثة أضعاف ما تقاضاه مؤلفو الكتب.
ولا مانع بالطبع كما تقول نيكولا سولومون من أن تتعاظم أرباح المساهمين في دور النشر شريطة ضمان دخول معقولة ومناسبة للكتاب والمؤلفين حتى لا يتراجع مستوى إنتاجهم مع تراجع مستوى حياتهم وظروف معيشتهم بما يؤثر سلبا على صناعة الكتاب ككل.
وهكذا تدعو الرئيس التنفيذي لجمعية المؤلفين في بريطانيا نيكولا سولومون اتحاد الناشرين للعمل مع الجمعية من أجل دراسة أسباب التراجع في دخول المؤلفين و"ضمان تقاسم عادل للأرباح" وهي مسألة لا غنى عنها لتشجيع المواهب على الانخراط في إبداعات الكتابة وتوسيع قاعدة القراء "وبالتالي زيادة نصيب كل طرف في الكعكة".
وإذا كانت نيكولا سولومون مازالت في انتظار رد اتحاد الناشرين في بريطانيا على دعوتها ومازالت تنتظر حلا فإن النصح الذي أسداه النوبلي المصري نجيب محفوظ لكل مبدع قد يكون هو الحل وسط هذا المشهد الموجع: "إياك أن يغريك الأدب بترك عملك فالأدب وحده لا يكفي دخله لتعيش حياة كريمة"!