الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

محمد علي إبراهيم يكتب: الأنظمة لا تسقطها مظاهرات.. الأردن مثالًا!

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
قابلت صديقا أردنيا يعمل فى صحافة الخليج مر فى زيارة عابرة للقاهرة.. سألته عن الأخطار التى نسمعها تتردد عن الأردن وأنه فى سبيله للحاق بالعراق وسوريا واليمن.. لكن هدوء الصديق جعلنى أنصت لمنطقه الهادئ فأهل مكة أدرى بشعابها.
قال عدنان: انطباعات الصحافة والإعلام على العقل العربى مدمرة.. الناس تقرأ تويتات وبوستات فتأخذ انطباعا باهتا وغير حقيقى لما يجرى فى الواقع.. أى مظاهرات تندلع فى أى دولة عربية أصبحت تقارن فورا بالربيع العربى وهذا ليس صحيحا فى مجمله..
بالنسبة للأردن بوجه عام فقد عاش طويلا معتمدا على مساعدات عربية ودولية.. وهذه هى مشكلة عمان الحقيقية.. ما حدث ببساطة أن الأردنيين اعتادوا زمنا طويلا على استقرار اقتصادى دائم لا يعلمون من أين يأتي.. لكن الحقيقة أننا كنا نعيش فى دولة رعاية.. أو لنقل تعبيرا سيئا وهو دولة «محتلة بالمعونات». وأى دولة تعيش على هذا المفهوم لن يكون لها ضمانات البقاء والاستمرار.. من هنا أخذ الملك عبدالله الثانى قرارا بفرض ضرائب وإصلاحات ليعدل ميزان المدفوعات وحتى لا يظل أبد الدهر رهين المحبسين «القروض والمجاملات المشروطة».. لا تنس أن الملك المتهم دائما بأنه عميل الغرب وجزء من المخطط الإسرائيلى رفض صفقة القرن التى ستجعل الأردن دولة كونفيدرالية وهو إحياء لمفهوم قديم طرحته إسرائيل وأعنى به الخيار الأردني.. ببساطة تريد تل أبيب تسكين الفلسطينيين هناك لتظل الأرض المحتلة كلها أو يهودا والسامراء كما يسميها اليهود أرض الميعاد ولتذهب الأردن للجحيم.
ومن عندى أقول لا تتصوروا أبدا أن الثقة تزعزت فى الملك.. هذه رومانسيات الثوريين والناصريين الذين يملكون كراهية وعداء ضد أى ملكية.
ليس الأمر ببساطة هذه الرومانسية القاتلة، فالكيانات السياسية التى نشأت بعد انهيار السلطنة العثمانية ما لبثت أن أصبحت أوطانا ترتبط بها شعوب وتنتمى إليها، وتريد العيش كما يعيش مواطنو دول أخرى فى العالم. لقد صار حقيقيا وملموسا وواقعيا وجود مواطن أردنى وآخر سورى وثالث عراقى ورابع لبناني، بل أيضا مواطن فلسطينى ينتظر أن تتحقق مواطنته فى دولته ومن هنا فالأزمة الأردنية ليست ناتجة عن نهاية دور للهاشميين لأن الأدوار تتغير والأوطان تبقى. المواطن الأردنى يعيش هذه الحقيقة، والمجموعات المتظاهرة اعتراضا على مشاريع قوانين اقتصادية، إنما بعثت برسالة عتب إلى النظام أو إلى بعض مكوّناته، لكن الثقة باقية والخطاب الموجّه إلى الملك عبدالله الثانى كان موحّدا بين المتظاهرين ورجال الشرطة الذين يحرسونهم.
الأردن واحد من الكيانات السياسية فى المشرق العربى التى اعتاد القوميون الرومانسيون اعتبارها مرتبطة بأدوار، حتى إذا انتهى الدور ينتهى الكيان. هذه النظرة التى سادت لدى حركة القوميين العرب وحزب البعث منعت أو أضعفت تشكّلات الإدارة السياسية والاجتماعية والاقتصادية فى كل من هذه الكيانات. وحيث حكم البعثيون، أى فى سوريا والعراق، جرى احتقار الشعور الوطنى واعتباره خيانة للأمة الواحدة الكبرى: من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر وهى جملة شعرية أهداها الشاعر سليمان العيسى لاحقا لزعيم ثورة ٢٣ يوليو المصرية حين حقق الوحدة مع سوريا، وأردفها بالقول «لبيك عبدالناصر».
الثقة الإجماعية بالملك صار مطلوبا أن تنسحب على القياديين الرئيسيين فالوضع لا يحتمل اجتهادات غير محسوبة، والمساعدات الآتية من خارج الحدود هى أرقام وليست فقط كلاما يؤكد الصداقة. صارت نظرة المحيط القريب والمحيط البعيد فاترة فى خصوص العون الاقتصادي، وقد تغيرت الأولويات مع التعقيد السياسى والعسكري، وبالتالى الاقتصادي، الذى تعيشه أوروبا وأمريكا ودول الشرق الأوسط. من هنا يفترض المراقبون الحسنو النية أن تعمد الحكومة الأردنية الجديدة إلى التأكيد على الثقة بين الحاكم والمحكوم، انطلاقا من الشفافية والمصارحة، فما هو مطلوب من أركان الدولة مطلوب مثله من المواطنين: حسن التدبير والصبر على ندرة الموارد، والسعى الواقعى إلى تحسين الإنتاج فى الزراعة والصناعة والسياحة والتجارة ومناجم الفوسفات وغيره، والتعاون بين المقيمين والمغتربين لتخطى مرحلة الشحّ الاقتصادى التى يمر بها الأردن ويعانى منها مواطنوه. ولحسن الحظ فإن أوروبا والولايات المتحدة لا تزالان تدعمان فى الأردن مشاريع إنمائية وإنسانية، مثل إنشاء المدارس وتحسين أدائها وإنشاء وتطوير مستشفيات وتمكين المرأة عبر مؤسسات تقدم لها آفاق العمل والحضور الاجتماعي. هذا الدعم يخفف عن خزينة الدولة أعباء يمكن تخصيصها لمجالات أخرى يحتاجها المجتمع.
وقبل أى أمر آخر يجب توضيح الصورة: ما معالم الأزمة الاقتصادية حقا فى الأردن؟ وما هى مشاريع القوانين التى تتحاور الحكومة والمجتمع حولها لإقرارها ومراقبة تطبيقها على أرض الواقع؟ رئيس الحكومة الجديد عمر الرزاز من أهل الوضوح والتفاعل مع الآخر، ويمكن بالشفافية والثقة المتبادلة بين مختلف الأطراف، بمن فيهم الحرس القديم، أن يعبر الأردن دولة ومجتمعا هذه المرحلة الحرجة.