الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

"ضريبة الأغنياء".. الطريق لإنقاذ الميزانية.. "الضرائب التصاعدية".. أولى خطوات "العدالة الاجتماعية".. التهرب جريمة اقتصادية مكتملة الأركان وتهدر إيرادات الدولة السيادية

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
«الضريبة التصاعدية».. أحد الملفات الموسمية التى تظهر عندما يشتد الصراع حول أزمة عجز الموازنة، وأيضًا هو أحد الملفات التى لم تحسم رغم المطالبات حول تطبيقها منذ أكثر من ثمانى سنوات، حينما طالب الكثير من الخبراء بتطبيقها انطلاقًا من خطة وضع خارطة طريق لتحقيق العدالة الاجتماعية بين المصريين، وعلى هذا المنوال ظهرت الاختلافات بين مؤيدين ومعارضين وصامتين من المتابعين للملف، خاصة أن هناك فريقًا ينادى بسرعة تطبيقها على الأغنياء لسد عجز الموازنة المالى المتصاعد والقافز لأعلى، بينما يرفض فريق آخر تطبيقها، مبررًا وجهة نظره بأن تطبيقها على الأغنياء يشترط تعديل قانون الدخل وتغليظ العقوبات لتجريم التهرب من دفع الضرائب، فيما يقف فريق ثالث متحفظًا ومراقبًا يعانى هاجس عرقلة عجلة الاستثمار حال تطبيق هذه الضريبة ما قد يزيد من مؤشرات الجوع والفقر والبطالة فى مصر.

بدأت أزمة تطبيق الضريبة التصاعدية،منتصف عام ٢٠١١ فى ظل المطالبات بتحقيق العدالة الاجتماعية، أعقبها مد وجزر وسخونة وتراجع فى النقاش خلال هذا الفترة، وقبل أيام تصاعدت حدة النقاش والمطالبات بضرورة تطبيق الضريبة التصاعدية فى ظل سعى الحكومة لتوفير مزيد من الإيرادات لخزانة الدولة بعد أن قفز العجز المالى إلى نحو أكثر من ٤٤٠ مليار جنيه بحسب الإحصائيات الأخيرة. 
ومن جانبهم اتفق خبراء الاقتصاد ونواب البرلمان على ضرورة العمل على إعادة هيكلة منظومة الضرائب بشكل كامل من أجل تحقيق مزيد من الإيرادات والموارد لخزينة مصر، وتحقيق العدالة الاجتماعية بشكل جدى هذه المرة من أجل تخفيف أعباء برامج الإصلاح الاقتصادى على المواطن البسيط من خلال تحصيل هامش ضريبى من أصحاب الدخول المرتفعة من رجال أعمال ومستثمرين سواء فى الداخل والخارج. 
وفى فبراير الماضى ٢٠١٨، ارتفع سقف المطالبة بضرورة وجود حلول جذرية لمواجهة الأزمة الاقتصادية وعجز الموازنة، ومعها عاد الحديث مجددا حول الضريبة التصاعدية إلى دائرة الجدل بعد اقتراح مقدم من قبل صندوق النقد الدولى بضرورة العمل على حماية الأسر الأقل دخلًا، من خلال التوسع فى جمع الإيرادات للإنفاق على الخدمات الاجتماعية الأكثر إلحاحًا، والاستثمار فى التعليم والصحة والبنية التحتية، عن طريق الحد من الإعفاءات الضريبية، وجعل النظام الضريبى أكثر تصاعدية. 
وقد أوصى صندوق النقد الدولى، فى ورقة عمل بحثية عن مصر، ضمن وثائق نتائج المراجعة الثانية للاقتصاد المصرى، نشرها منتصف يناير الماضى، بضرورة رفع كفاءة إدارة وتحصيل الضرائب، مشددًا على أن هذه الاقتراحات تسهم فى زيادة إيرادات الحكومة بنسبة ٤٪ من الناتج المحلى الإجمالى فى المدى المتوسط.
على الجانب الآخر، شدد الدستور المصرى على العدالة الاجتماعية، ودعت المادة ٣٨ إلى ضرورة العمل على تطبيق العدالة الاجتماعية من خلال فرض ضريبة بشكل تصاعدى على أصحاب الأجور المرتفعة.
وتنص المادة ٣٨ من الدستور: «على أن النظام الضريبى وغيره من التكاليف العامة يهدف إلى تنمية موارد الدولة لتحقيق العدالة الاجتماعية، والتنمية الاقتصادية ولا يكون إنشاء الضرائب العامة، أو تعديلها، أو إلغاءها، إلا بقانون، ولا يجوز الإعفاء منها إلا فى الأحوال المبينة فى القانون، ولا يجوز تكليف أحد أداء غير ذلك من الضرائب، أو الرسوم، إلا فى حدود القانون ويراعى فى فرض الضرائب أن تكون متعددة المصادر. وتكون الضرائب على دخول الأفراد تصاعدية متعددة الشرائح وفقًا لقدراتهم التكليفية، ويكفل النظام الضريبى تشجيع الأنشطة الاقتصادية كثيفة العمالة، وتحفيز دورها فى التنمية الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية».
كما تنص المادة ٣٨: «على أن تلتزم الدولة بالارتقاء بالنظام الضريبى، وتبنى النظم الحديثة التى تحقق الكفاءة واليسر والإحكام فى تحصيل الضرائب. ويحدد القانون طرق وأدوات تحصيل الضرائب، والرسوم، وأى متحصلات سيادية أخرى، وما يودع منها فى الخزانة العامة للدولة وأداء الضرائب واجب، والتهرب الضريبى جريمة».

ضرورة حتمية
من جانبه كشف محمد فريد خميس، رئيس الاتحاد المصرى لجمعيات المستثمرين، عن تحفظه على أداء وزارة المالية فى تطوير المنظومة الضريبية والجمركية خلال الفترة الماضية، مشددًا على ضرورة التوسع فى تحصيل الضرائب من المتهربين، خاصة من أصحاب الأعمال الحرة ذوى الدخول المرتفعة، وتشديد الرقابة على المنافذ الجمركية، وذلك لزيادة الحصيلة الضريبية بما يسهم فى تخفيض عجز الموازنة العامة.
وقال محمد فريد خميس، فى بيان للاتحاد منتصف مايو المنصرم: «إن الحصيلة الضريبية هى العمود الفقرى لإيرادات الدولة، حيث تمثل نحو ٧٠٪ من إجمالى هذه الإيرادات، وتابع: «رغم تحفظى على هذه النسبة الرهيبة لهذا المكون فإن التهاون أو التباطؤ يصبح أمرًا بالغ الأهمية شديد الخطر»، مضيفًا: «ولذا أجدد دعوتى بزيادة الضرائب على الأغنياء». وأضاف خميس: «فى كل الأحوال كان المقصود العودة إلى نظام الضرائب التصاعدية حتى ٣٠٪ دون المساس أو الزيادة على أصحاب الدخول المحدودة والمتوسطة، والبديل فرض رسم تنمية ٣٪ على أصحاب الدخول من ٢-١٥ مليون جنيه يرتفع إلى ٥٪ على أصحاب الدخول من ١٥-٣٠ مليون جنيه، يزداد إلى ٧٪ لمن يتجاوز دخله ٣٠ مليون جنيه».
ودعا خميس، عبر بيان الاتحاد إلى استخدام الشدة والضرب بيد من حديد على أيدى العابثين بالاقتصاد الوطنى الضاربين بمستقبل الأجيال القادمة عرض الحائط إنهم المتهربون من الضرائب والجمارك»، مشيرًا إلى أنه فى وقت تسدد فيه مصر يوميًا ١.٥ مليار جنيه فوائد للدين الداخلى وحده، وتعانى عجزًا قيمته ٤٠٠ مليار جنيه بين إنفاقها وإيراداتها يبلغ حجم الاقتصاد الموازى نحو ٢ تريليون سنويًا لو دفع هذا الاقتصاد الخفى ضريبة قدرها ٢٠٪ فقط، لكن ذلك وحده كفيلًا أن يسد عجز الموازنة كاملًا وقدر خبراء التهرب الضريبى فى مصر بنحو ٦٠٠ مليار جنيه.
قنابل التهرب 
كما حذر الاتحاد من خطورة التهرب بنوعية الضريبى والجمركى، معتبرًا أنه يقف سدًا منيعًا ضد كل محاولات التنمية الحقيقة، ما يتطلب إيجاد حلول سريعة وفعالة وغير تقليدية لتلك الظاهرة الخطيرة والمدمرة فقد أغرقت عمليات التهريب الأسواق المصرية بسبع ومنتجات دون المستوى تسببت فى خسائر فادحة لحزينة الدولة، مجددًا تأكيدها على أن «التهرب جريمة اقتصادية مكتملة الأركان تهدر قدرًا عظيمًا من موارد الدولة وإيراداتها السيادية، وتخلق حالة من عدم المساواة بين الصناع والتجار الذين يدفعون ضرائب وجمارك وبين منتفعين لا يدفعون أى مبالغ ولا يلتزمون بأى قوانين، فضلًا عن كونهم فى الغالب الأعم يهربون سلعًا رديئة لا تتطابق والمواصفات العالمية، وتدمر صحة المواطنين، وقد تؤدى فى بعض الأحيان إلى الوفاة».
وانتقد الاتحاد تكاسل وزارة المالية فى إصلاح منظومة الضرائب، حيث قال رئيس الاتحاد: «أى عدالة تلك التى يتحمل فيها الصانع المصرى أعباء لا يتحملها غيره فى البلاد الأخرى وفى نهاية المطاف يجد نفسه أمام بضاعة مهربة تملأ الأسواق وتخرجه تمامًا من المنافسة، وفى تصريح سابق لرئيس مصلحة الجمارك قال إن ٩٠٪ من الفواتير القادمة من تركيا والصين مزورة، فكيف تقوى الصناعة الوطنية على الصمود، وكيف تستطيع المنافسة؟».

ضريبة الأغنياء 
بينما أكد عماد سامى، رئيس مصلحة الضرائب، صعوبة تطبيق الضريبة التصاعدية فى الوقت الحالى، مشيرًا إلى أن تطبيق «ضريبة الأغنياء يتطلب تعديل قانون الدخل بالكامل، وتغليظ العقوبات لتجريم التهرب من دفع الضرائب، متوقعًا تطبيق قانون الضريبة التصاعدية قرار خلال عامين. 
والأغرب أنه على الرغم من كل هذه المطالبات فإن البرلمان اكتفى بالموافقة من حيث المبدأ على تعديل ضريبة الدخل، من خلال تقسيمها إلى ٥ شرائح، وأكد برلمانيون أن وزارة المالية لا تهتم بتطبيق الضريبة التصاعدية، وأن تصريحات الوزير السابق عمرو الجارحى، خلال جلسات اللجنة الاقتصادية أو لجنة الخطة والموازنة تعبر عن شبه رفض من قبل المالية لتطبيق «ضريبة الأغنياء». 

نواب: تطبيقها ليس على هوى «المالية»
شدد مجلس النواب على ضرورة مواجهة عجز الموازنة العام، مطالبًا بسرعة تقديم قانون لتطبيق الضريبة التصاعدية، منددًا بتجاهل وزارة المالية للعمل على تحصيل «ضريبة الأغنياء». واندهش النائب حسن السيد، عضو اللجنة الاقتصادية بمجلس النواب، من تجاهل وزارة المالية لتقديم مشروع قانون عن الضريبة التصاعدية، وأكد أن وزير المالية السابق لم يولِ اهتمامًا بتطبيق الضريبة التصاعدية.
وأضاف، أن الوزارة ممثلة فى الوزير وخلال جلسات مناقشات ضريبة الدخل عارضت فكرة تطبيق الضريبة التصاعدية، وقالت: إنه يكفى وجود ٥ شرائح فى ضريبة الدخل وعدم الحاجة للضريبة التصاعدية فى الفترة الحالية أو «بالعربى الضريبة التصاعدية مش على هواه».

وقال النائب خالد أبوخطيب، عضو لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، إن الضريبة التصاعدية لم تجرَ مناقشتها حتى الآن تحت قبة البرلمان واقتصرت التعديلات فى هذا الشأن على التعديل على ضريبة الدخل، وهو مشروع القانون المقدم من الحكومة بتعديل بعض أحكام قانون الضريبة على الدخل الصادر بالقانون، رقم ٩١ لسنة ٢٠٠٥، والذى رفع إلى الجلسة العامة الثلاثاء الماضى، وتمت الموافقة عليه من حيث المبدأ.
دراسة: مصر فى حاجة لنظام ضريبى جديد
تضاربت الدراسات البحثية حول فوائد وأضرار تطبيق الضريبة التصاعدية، فالمؤيدون رأوا أنها ضرورة لوقف نزيف التهرب الضريبى والجمركى.. ومعارضون وصفوها بـ«العبء» الجديد على الاقتصادية والاستثمار، وكان من بين هؤلاء المركز المصرى لدراسات السياسات العامة الذى أعتبر أن تطبيقها سيشكل أضرارًا بالغة على الاستثمار.
وشدد المركز على أن التحدى الذى يواجه الحكومة فى الإصلاح المالى والاقتصادى الحالى، هو تصميم نظام ضريبى، قائم على أساس قانون الضريبة الموحدة على الدخل، مع إلغاء قانون الضريبة التصاعدية. 
وكشف المركز المصرى عن ورقة بحثية أعدتها زينب إبراهيم من قسم البحث الاقتصادى بالمركز، توضح أبعاد الضريبة التصاعدية.. الورقة البحثية طالبت بإلغاء الضريبة التصاعدية، معتبرة أنها تضيف أعباء اقتصادية جديدة، من غير المقبول إضافة أعباء جديدة «مثل الضريبة التصاعدية» فوق كاهل اقتصاد يواجه حالة نضوب فى موارده، بل يجب البحث عن مخرج لإعادة انتعاش الاقتصاد المصرى وزيادة معدلات الاستثمار.
كما اعتبرت الدراسة الضريبة التصاعدية لا تحقق البعد الاجتماعى، لأن هذا النوع من الشرائح الضريبية يصب فى مصلحة الحكومة، ويبتعد كثيرًا عن خدمة الطبقات الفقيرة وإيجاد حلول لمشكلاتهم، وتؤكد أن الضريبة تضعف الاستثمار ما يرفع معدلات البطالة والفقر، وتقليل فرص العمل، وبالتالى زيادة الطبقات الفقيرة فقرًا، كما أنه يؤدى إلى زيادة العبء الضريبى للمواطن. وترى الدراسة أن تطبيق الضريبة التصاعدية يُؤثر سلبيًا على الاستثمار سواء بشقيه الجديد أو التوسع فى الاستثمار الحالى، حيث إن أصحاب رءوس الأموال عندما أقاموا مشروعاتهم (قبل فرض الضريبة التصاعدية) قبلوا بنظام واضح فى هذا الشأن، وعلى ضوئه اتخذوا ما يلزم نحو ذلك، وعند فرض نوع آخر من الضرائب (الضريبة التصاعدية) يعد ذلك نوعًا من الضغوط والأعباء التى تلقى على عاتق رجال الأعمال.
وعلى النقيض تمامًا، أعد اتحاد المستثمرين دراسة لإصلاح منظومة الضرائب أوصى بإعادة هيكلة المنظومة الضريبية وتبسيط القوانين المطبقة وإنهاء المشكلات مع المستثمرين.
كما دعت الدراسة إلى إجراء تعديلات فى اللائحة التنفيذية لقانون الضرائب بهدف وضع معايير محددة ودقيقة لتحديد المتهرب من الضرائب، ودمج الاقتصاد الموازى فى اقتصاد الدولة وحصر المجتمع الضريبى حصرًا كاملًا، وضم المشروعات الصغيرة والمتوسطة إلى المنظومة الضريبية.