الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بوابة العرب

معركة "الهلال النفطي".. حفتر يسيطر على شرق ليبيا.. مسار الأزمة يشوبه التعقيد والجمود.. والصراع على الموارد النفطية تحسمه القبائل

خليفة حفتر
خليفة حفتر
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تطورات الأوضاع الأخيرة التى شهدتها منطقة الهلال النفطى تعكس إصرار «الجيش الوطنى الليبي» بقيادة اللواء «خليفة حفتر» فى الحصول على أكبر قدر من المكاسب الميدانية، والاستحقاقات التفاوضية. 
عقب التوقيع على اتفاق الصخيرات فى ديسمبر ٢٠١٥، وتشكيل حكومة وفاق وطنى برئاسة «فايز السراج»، بدأت الحكومة الوطنية فى التقارب مع ميليشيا «الجرضان»، بالتزامن مع التقدم الذى أحرزته القوات التابعة للواء «حفتر» فى بنغازي.
شهدت منطقة الهلال النفطى الممتدة بين مدينتى سرت وبنغازى تطورات مهمة على مدار الأسابيع الماضية، فقد تمكنت قوات الجيش الوطنى الليبى بقيادة اللواء «خليفة حفتر» من حسم معركة «الهلال النفطي» التى تجددت أحداثها فى الرابع عشر من يونيو الجاري، بعد مواجهات دامية مع ميليشيا «إبراهيم الجضران» قائد قوات حرس المنشآت الليبية النفطية سابقًا، ومن ثم يضاف هذا المكسب الميدانى إلى حصيلة مكاسب اللواء «حفتر» الأخيرة بعد نجاحه فى تحرير مدينة درنة من الجماعات المسلحة الموالية لتنظيم «القاعدة».
الأهمية الاستراتيجية للمنطقة 
تقع منطقة الهلال النفطى ما بين مدينتى سرت وبنغازي، وتبعد عن شرق العاصمة طرابلس بحوالى ٦٤٠ كيلو مترًا، وهى منطقة صحراوية منبسطة ذات كثافة سكانية محدودة، ينحدر أغلب سكانها من قبيلتى «المغاربة» و«الزوي»، بالإضافة إلى قبائل «أولاد سليمان» فى بلدة هراوة.
وتحتوى المنطقة على نسبة ٨٠٪ من إنتاج البلاد النفطي، إلى جانب مساهمتها بنسبة ٦٠٪ من إجمالى الصادرات الخارجية النفطية الليبية؛ نظرًا لوجود أكبر الحقول النفطية الممثلة فى «السرير» و«مسلة» و«النافورة»، كما تقع بها أكبر مصافى ومجمعات تكرير البترول وموانئ تصديره للعالم.
أهم المعارك
من المعروف أن المسيطر على منطقة الهلال النفطى ذات الأهمية الاستراتيجية، يكون هو المتحكم الرئيسى فى أوراق الأزمة الليبية ككل، ومن هنا توالت السجالات ما بين الفصائل الليبية المتصارعة لبسط الهيمنة عليها.
بدأ الصراع العسكرى على تلك المنطقة منذ انطلاق الثورة الليبية، وبالأخص عقب الإطاحة بنظام العقيد «معمر القذافى» فى ٢٠ أكتوبر، حينما تكالبت الميليشيات المسلحة المدعومة من الخارج للاستيلاء على المنابع النفطية، وكانت أخطرها ميليشيا «إبراهيم الجضران» التى تأسست بنهاية عام ٢٠١١. وتمكنت حينذاك من السيطرة على أهم المنابع النفطية، ما أدى إلى خسائر فادحة فى واردات القطاع النفطى الليبي، بل وأهلت الانتصارات الميدانية التى حققتها الميليشيا فى جعل قائدها «إبراهيم الجضران» رقما مهما فى المعادلة الليبية، لا سيما بعد دعوته لتعميم الفيدرالية باسم إقليم برقة وتأسيسه مجلسا سياسيا للإقليم نهاية أكتوبر ٢٠١٢، والذى لم يحظ بأى تأييد إقليمى أو دولي. 
منذ ذلك الحين، ظلت ميليشيا «الجضران» متحكمة فى بيع النفط الليبى عبر طرق غير مشروعة؛ إلى أن تجرأت عام ٢٠١٤، وبدأت بتوقيع عقود لبيع النفط بطرق رسمية عن طريق الموانئ النفطية، ما أدى لتحرك دولى من أجل سد كافة الطرق التى من شأنها أن تكسب الميليشيا أى شرعية، فتحركت البحرية الأمريكية لإحباط محاولة نقل شحنة نفط عبر البحر المتوسط تقدر بقيمة عشرين مليون دولار، وبالفعل تم التمكن من احتجاز السفينة «مورنينج جلوري» بالقرب من السواحل القبرصية وإجبارها على العودة لميناء طرابلس وتسليم الحكومة الوطنية الليبية الشحنة.
التوافق بين «السراج» وميليشيا «الجضران»
تعددت محاولات الحكومة الليبية عام ٢٠١٥ لوضع خطط لتحرير الموانئ النفطية، لكن باءت جميعها بالفشل، نظرًا لحدوث توافقات ما بين بعض القبائل شرق ليبيا والميليشيات هناك، وكانت «عملية الشروق» من أبرز التحركات التى قامت بها الحكومة الوطنية لكنها لم تحقق أهدافها.
وعقب التوقيع على اتفاق الصخيرات فى ديسمبر ٢٠١٥، وتشكيل حكومة وفاق وطنى برئاسة «فايز السراج»، بدأت الحكومة الوطنية فى التقارب مع ميليشيا «الجضران»، بالتزامن مع التقدم الذى أحرزته القوات التابعة للواء «حفتر» فى بنغازي، وبالفعل توصلت الحكومة الليبية والميليشيا لاتفاق مشروط يقضى بتسليم الحقول النفطية للحكومة الوطنية شريطة أن تكون الإدارة الفعلية المباشرة للميليشيا. ما منح «الجضران» إطارا قانونيا ساعده فى التمادى بممارسته وإدراجه ضمن الأطراف الرئيسية فى الصراع الليبي. 
وقد دفعت تلك الصفقة الجيش الوطنى الليبى بقيادة اللواء «خليفة حفتر» فى ١١ سبتمبر من العام ٢٠١٦ إلى شن عملية عسكرية تعرف بـ«البرق الخاطف» تم خلالها السيطرة على موانئ (الزيتونية، والبريقة ورأس لانوف، والسدرة)، وطردت قوات «حرس المنشآت النفطية» الموالية لحكومة الوفاق الوطنى الليبية دون أدنى مواجهة تذكر لهم.
حسم معركة «الهلال النفطي»
وظلت الأوضاع هكذا إلى أن ظهر «الجضران» مرة أخرى فى ١٤ يونيو ٢٠١٨ على رأس قوة تتألف من قرابة ١٠٠٠ مقاتل إلى جانب بعض أفراد من قوات «سرايا الدفاع عن بنغازي»، ليتمكن خلال فترة قصيرة من انتزاع ميناءى «السدرة» و«رأس لانوف» من قوات «حفتر» معلنًا فى بيان له أنه وقع اتفاق مع شيوخ قبائل «المغاربة» و«التبو» للدفاع عن المنطقة ورفع الظلم عن أهلها والقضاء على وجود «حفتر» بها، وهو الاتفاق الذى نفته قبائل «التبو» وبعض القبائل الأخرى التى ورد ذكرها فى بيان «الجضران»، وبالفعل استمرت سيطرة الميليشيات على المنطقة حوالى أسبوع، حينها بدأ «الجيش الوطنى الليبي» فى إعادة تنظيم صفوفه ليتمكن من القيام بهجوم مضاد فى عملية عسكرية سميت «بالهجوم المقدس» نجح خلالها من استعادة المناطق التى فقدها على مدار أسبوع وتطويق العناصر الميليشوية، وبسط سيطرته على منطقة الهلال النفطي. 
موقف حكومة «السراج»
يعكس موقف حكومة الوفاق الوطنى الليبية مدى الضعف الذى ينخر أوصالها، فالحكومة تكتفى بالشجب والإدانة دون التحرك ميدانيًا لوقف الفصائل غير الرسمية فى الهيمنة على مقدرات ومؤسسات الدولة، وعقد المجلس الرئاسى الليبى يوم ٢٦ يونيو اجتماعا طارئا لبحث تطورات الوضع بمنطقة الهلال النفطي، مؤكدًا فى البيان الصادر عنه أن «ما أعلنته الجهات المتقاتلة بشأن تسليم الموانئ النفطية لقوات «خليفة حفتر» أمر غير مقبول ويعتبر بمثابة وعد من لا يملك لمن لا يستحق، ما ينذر بتهديد خطير لمسارات التوافق ومخالفة واضحة للقرارات الأممية والدولية». بينما حث عضو مجلس الدولة الليبى «عبد القادر الحويلي» الحكومة الليبية على التحرك بالمنطقة الشرقية وإثبات وجودها مشددا على أن القوات الدولية تتصارع على أراضى ليبية وتدمرها بأموال ليبية. 
الدور الفرنسى 
منذ ظهور اللواء «خليفة حفتر» كرقم رئيسى فى المعادلة الليبية، أثيرت علامات استفهام بشأن مبررات الدعم الفرنسى له، إلى جانب محاولة الربط بين ما أثير مؤخرًا حول رحلة الاستشفاء التى قام بها «حفتر» لباريس، وتطورات الأوضاع التى أعقبتها. فهل كانت رحلة استشفاء حقًا أم كانت محاولة لإبلاغ اللواء بتطورات خطيرة تقتضى منه تأهبا شديدا؟
وفى هذا السياق كشف موقع «أفريقيا إنتيلجنس» عن قيام وزارة الدفاع الفرنسية بمنح قوات «حفتر» طائرة استطلاع كانت تعمل لدى المخابرات الفرنسية لمساعدته فى حسم معركته التى اشتعلت منذ مايو ٢٠١٨ فى درنة، ومن جانب آخر؛ فبالنظر إلى اتفاق باريس الذى هدف إلى حلحلة الأزمة الليبية، نجد أنه لم يخل من محاولات فرنسية لتثبيت موضع قدم «لحفتر» فى المستقبل السياسى للدولة الليبية. فكل الدعم الدبلوماسى والعسكرى الذى تقدمه باريس للجيش الوطنى الليبى يستند بالأساس إلى أرضية المعارك التى تمكن اللواء من حسمها لصالحه، خاصة فى مناطق الجنوب التى تشكل منطقة تهديد للمصالح الفرنسية الاستراتيجية نظرًا لتركز غالبية شركات النفط التابعة لها هناك، وهو ما يفسر حقيقة الدعم الفرنسى «لحفتر».
ما بعد «الهلال النفطي»
يبدو أن الصراع على الموارد النفطية الليبية أعقد من أن يتم استشراف رؤية مستقبلية مؤكدة بشأنه، لكن الأكيد أن حسمه يعتمد بالأساس على ورقة القبائل الليبية، وفى رأيى فإن السيناريوهات الأقرب للحدوث يمثلها السيناريو الأول؛ ويعتمد على استمرار الدعم الخارجى دوليًا وإقليميًا لقوات «حفتر» بحيث تتحقق ديمومة سيطرة «الجيش الوطنى الليبي» على منطقة الهلال النفطى بالاعتماد على دعم القبائل الشرقية الفاعلة لقواته. بينما السيناريو الآخر يتمثل فى قبول المجتمع الدولى كافة لدور «حفتر» ومن ثم صوغ مبادرات يتم خلالها بلورة مستقبله السياسى فى ليبيا بحيث تلقى قبولا منه فى ظل نجاحاته الأخيرة.
وختامًا؛ فإن تطورات الأوضاع الأخيرة التى شهدتها منطقة الهلال النفطى تعكس إصرار «الجيش الوطنى الليبي» بقيادة اللواء «خليفة حفتر» فى الحصول على أكبر قدر من المكاسب الميدانية، والاستحقاقات التفاوضية لا سيما بعد إحكام قواته سيطرتها على الهلال النفطى وتمكنه من فرض نفسه رقمًا رئيسيًا فى المعادلة الليبية، ورغم ذلك فإن مسار الأزمة الليبية ككل مازال يشوبه التعقيد والجمود ويبقى القطاع النفطى هو الأكثر تأثرًا بالتطورات الليبية الأخيرة.