الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

بداية نهاية ديكتاتور "القصر الأبيض"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
قبل حسم الرئيس التركى رجب طيب أوردغان للانتخابات الرئاسية التى جرت الأسبوع الماضي، استدعت وسائل إعلام غربية تصريحًا له أدلى به لصحيفة «حريات» التركية عام 1997 عندما كان رئيسا لبلدية إسطنبول قال فيه «الديمقراطية هى مجرد القطار الذى نستقله للوصول إلى الهدف. المساجد ثكناتنا، المآذن حرابنا، القباب خوذاتنا، والمؤمنون جنودنا»، للتدليل على أن «العثمان الجديد» تعامل مع الديمقراطية باعتبارها مطية يركبها ليصل إلى هدفه «التأبيد فى الحكم بلا منازع».
بسبب التصريح السالف حُكم على عمدة إسطنبول حينها بالسجن لمدة 10 أشهر بتهمة التحريض على الكراهية الدينية، كما منع من العمل فى الوظائف الحكومية والترشح للانتخابات العامة، وبعد انتهاء مدة الاحتجاز، تقمص أردوغان شخصية الإصلاحى المؤيد لأوروبا، وما إن تمكن من حسم 10 استحقاقات متتالية خلع قناعه وظهر على حقيقته «ديكتاتور شعوبى يتسلط ويستبد عبر صناديق الاقتراع».
جرت وقائع الاستحقاق الرئاسى التركى الأخير، والذى حسمه أردوغان بنحو 52% من أصوات الناخبين الأتراك، على وقع عمليات قمع وإقصاء واسعة للمعارضة التركية، وفى ظل فرض حالة الطوارئ على البلاد وقبل أكثر من عام على موعدها المقرر، ووسط تغطية إعلامية غير متوازنة لصالح أردوغان الذى هيمن على كل المنصات الإعلامية، وبحسب مراقبين مستقلين، فإن الدعوة إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة ما هى إلا تبكير بإحكام قبضة أردوغان على مقاليد الأمور بعد إقرار تعديلات دستورية عززت من ذلك منتصف العام الماضي.
الاستفتاء الدستورى الذى جرى فى أبريل 2017، وحسمه أردوغان لصالحه بنسبة ضئيلة، منحه بعد فوزه بالانتخابات الرئاسية الأخيرة صلاحيات غير مسبوقة، فالمواد الـ18 التى تم تعديلها حولت النظام التركى من برلمانى إلى رئاسي، فرئيس الجمهورية هو من سيعين الوزراء ونوابهم بعد إلغاء منصب رئيس الوزراء، ويعين 12 من أصل 15 من قضاة المحكمة العليا، ويختار أعضاء مجلس الأمن القومي، ويلعب دورا أساسيا فى صياغة القوانين، ويفرض حالة الطوارئ قبل عرضها على البرلمان.. «الرجل سيتحول إلى ديكتاتور فعلى يحكم حتى 2029 بصلاحيات إلهية»، يقول منتقدوه فى تصريحات نقلتها صفحة غربية ولم تنقل فى الإعلام التركى بعد تأميمه عمليا خلال العامين الماضيين.
رغم اعتراف منافسه الرئيسى محرم إينجه الذى حل ثانيا بحصوله على 31،7% من الأصوات بنتائج الانتخابات إلا أنه حذر مما سماه «فترة مقبلة خطيرة من حكم الرجل الواحد»، فإينجه مرشح حزب الشعب الجمهورى يخشى من مصير منافسه فى ذات الاستحقاق صلاح الدين دميرتاش مرشح حزب الشعوب الديمقراطى الذى خاض المعركة من السجن حيث تم اعتقاله منذ عامين بتهمة دعم أنشطة «إرهابية».
إينجه ليس السياسى الوحيد الذى يخشى من المصير المجهول فمعظم الساسة والمثقفين والصحفيين الأتراك، يعتقدون أن تركيا تتجه نحو المجهول مع إصرار أردوغان على المضى فى الطريق الذى سلكه عقب محاولة الانقلاب الفاشلة فى صيف عام 2016، فمنذ ذلك الحين وبعد استعادته للسلطة من بين منفذى تلك المحاولة شن الرئيس التركى حملة قمع واسعة طالت كل خصومه ومنتقديه، سجن فيها عشرات الآلاف وأقال مئات الآلاف من وظائفهم فى المدارس والجامعات والمحاكم وعزل الآلاف من ضباط الجيش وأغلق معظم صحف المعارضة وسجن صحفييها حتى صارت تركيا من أكثر الدول سجنا للصحفيين تتساوى فى ذلك مع مصر والصين بحسب آخر تقرير للجنة الدولية لحماية الصحفيين.
«كانت محاولة الانقلاب الفاشلة مفيدة لأردوغان لدرجة أن الكثيرين ما زالوا يتساءلون ما إذا كان هو من فبركها»، تقول لفريدا جيتس الكاتبة فى الشئون الدولية والصحفية السابقة فى الـ«سى إن إن»، مضيفة «فشل الانقلاب لكن الديمقراطية ماتت فى تركيا».
فى تقرير لوكالة بلومبيرج الاقتصادية نشر قبل الانتخابات التركية بأسابيع أشار مدير دائرة تركيا فى غرفة أخبار الوكالة الأمريكية إلى أن «بالون الرئيس التركى يوشك على الانفجار بعد أن أصابت المستثمرين الدوليين حالة فزع من سياساته الاستعراضية، وبعد أن اقتنعت الأوساط الدولية بنفس القناعات السلبية التى طالما آمنت بها المعارضة التركية بأن أردوغان ديكتاتور ديماجوجى يختصر الدولة فى شخصه، ولا يتورع عن توظيف كل شيء للفوز بالانتخابات القادمة التى يريدها أن تكرسه سلطانًا عثمانيًا فى غير أوانه.
وقالت بلومبيرج إن أردوغان ظهر فى مقابلة تليفزيونية أجرتها معه وكأنه السلطان الذى لم يحتج إلا لقصر جديد، وهو الذى بناه أكبر أربع مرات من قصر فرساى الفرنسي، فى إشارة إلى «القصر الأبيض» الذى بناه أردوغان بالمعمار السلجوقي، على خمس تلال مشرفة فى ضواحى إسطنبول، بشكل خرافى مستفز البذخ وصلت تكاليف بنائه نحو 615 مليون دولار.
وأشارت بلومبيرج إلى الصدمة التى تلقاها أردوغان خلال زيارته الأخيرة إلى لندن، عندما وُوجه بعواصف التقريع من نشطاء حقوق الإنسان، اتبعها المستثمرون بإعلان رفضهم لسياساته؛ الأمر الذى جرى ترجمته بانهيار الليرة التركية إلى إجمالى 14% منذ بداية السنة.
مدير برنامج الأبحاث فى معهد واشنطن سونر جاغابتاى صاحب كتاب «السلطان الجديد.. أردوغان وأزمة تركيا الحديثة»، أشار فى دراسة له إلى أن إنهاء أردوغان للديمقراطية سيحول الاستقطاب السياسى فى تركيا بشكل متزايد إلى عنف، متوقعا أن يقود الانقسام التركى العميق أنقرة إلى مؤامرات من أعدائها، ما قد يؤدى إلى وقوعها فى حرب أهلية خطيرة ومؤسفة، وقال: «فى هذا المسار، سيُذكر أردوغان بأنه الزعيم الذى أدى إلى انهيار تركيا الحديثة».
لن تختلف نهاية العثمان الجديد عن أسلافه من مستبدين، حتى ولو كان وصوله إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع، فالزعيم النازى الألمانى هتلر الذى أشعل النار فى أوروبا ودمر بلاده قبل نحو قرن تحول إلى ديكتاتور بأصوات الناخبين، اختصر الديمقراطية فى صناديق الاقتراع لكنه غيب قواعدها وتلاعب فى أسسها فأفضى إلى ما قدم، وعلى سُنته يسير لاعب الكرة التركى السابق الذى تسلل إلى أعلى قمة هرم السلطة عبر قطار الصناديق.
الديمقراطية ليست إحكاما على مقاليد السلطة بتفويض شعبي، الديمقراطية كما أنها إيمان بحرية الشعب فى الاختيار هى أيضا احترام لنصوص الدستور والقانون وللحقوق والحريات واستقلال الصحافة وتداول السلطة واستقلال السلطات الثلاث، فى المقابل لا يمكن لنظام أن يستمر وهو مصر على التلاعب بقواعد اللعبة التى أوصلته إلى سدة الحكم مهما بلغ من قمع واستبداد، تلك هى الخلاصة.
Saadlib75@gmail.com