الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

إبداعات البوابة.. قطعة "مشّ" طبق فاكهة (مشروع مكتبة القهوة)

طبق فاكهة (مشروع
طبق فاكهة (مشروع مكتبة القهوة)
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
قطعة مش صغيرة يكاد يكون الدود الذى يوجد بها أكثر منها. الرائحة مقززة والطعم أكثر بشاعة من الرائحة، لقد كانت هذه حياتى تماما، مثل عشائي، كنت أنا وعائلتى، الجبن الذى يغطيه المش الذى قام الدود بأكله ونهشه إلى أن قام بأكل كل قطعة فينا، عانيت من أشياء عدة فى حياتي، من الفقر، من الجوع، من العطش، من معاملة الناس لى ولعائلتي، من عائلتى نفسها، ومن رؤية الأطفال يلعبون وأنا أعمل لكى أستطيع أن آتى بمصاريف المدرسة.
أشياء كثيرة قد عانيت منها ببساطة شديدة لقد كانت كل أبواب النجاح مغلقة أمامى أو أنا الذى قد نسيَ أنه معى المفتاح لفتح كل تلك الأبواب فلا وجود للمستحيل، كلمة المستحيل نحن من أوجدناها وخلقناها وجعلناها حاجزًا أمامنا، ولكنها فى الأصل كلمة، مجرد كلمة. وهم لا وجود له، فإذا كان هناك مستحيل، إذن كيف لطفل صغير مثلى من عائلة صغيرة وفقيرة عانى من أشياء عدة فى حياته أن يصل إلى ما هو عليه الآن؟ أنا سوف أقول لكم كيف.
عندما كان عمرى ثلاثة عشر عامًا وكنت خارجًا من المدرسة بعد الظهر، فى الحقيقة، إنه لم يكن موعد الخروج من المدرسة، ولكنى كنت أعتقد أنه لا جدوى من هذا التعليم، فإنه لن يغير مصيري، ففى النهاية سوف أصبح مثل أبي، عامل ورشة لا أكثر.
المهم أننى هربت من المدرسة وكنت ذاهبًا إلى البيت لكى آكل قبل أن أذهب إلى العمل بالطبع تتساءلون ماذا سوف آكل؟ نعم إنه ما تفكرون به، طبقى الفخم قطعة من المش!، أبى وأمى يقولان إنه أجود أنواع المش، فنحن لا نأكل أى شيء، حتى أنه من كثرة جودته لا يجد الدود أجود منه لكى يأكله، وفى الحقيقة إننا عائلة كريمة، فنحن نسمح لهم بالأكل معنا ونتشارك طعامنا مع هذا الدود، يمكن أن أكون قد ابتلعت واحدة أو اثنتين دون أن أدري، كنت أذهب إلى أمي، ماذا أفعل لكى أتخلص من هذا الدود الذى يملأ معدتي؟ كانت تقول لى، اتركه يابنى إنه بروتين، وإذا أردت المزيد سوف تجده فى المطبخ!. هه حقا يالها من عائلة رائعة!، كم يحرصون على أن تكون صحتى فى أتم حال، لا لا لا إياكم أن تعتقدوا أنهم لا يعطوننى سوى البروتين، فإنهم كانوا يعطوننى الحليب أيضًا لكى أحصل على الكالسيوم، فكان عندنا حمارة صغيرة كانت أمى تقوم بحلبها وتعطينى حليبها لأشرب منه، فكما قلت لكم إننا عائلة رائعة. المهم أننى عندما كنت ذاهبًا إلى سرايتى الكبيرة وجدت شخصًا أمام النهر يتلفت من حوله يمينا ويسارا وكأنه يتأكد من عدم وجود أحد، وأنا كنت قد لمحته من بعيد دون أن يلاحظني، وعندما كان يريد أن يقفز أوقفته وقلت له:
الطفل: انتظر انتظر، لا تفعل هذا فما الذى سوف تستفيده إن قمت بالانتحار؟
الرجل: اذهب بعيدا يا بنى فأنت لن تفهمنى مطلقًا إلا إذا قمت بتجربة معاناتى، فأنا فى كلتا الحالتين سوف أموت، ولكنى الآن سوف أموت وأنا مرتاح، دون أى هم من هموم الحياة.
الطفل: لماذا لا تحكى لى ما هى مشكلتك؟
الرجل: أحكي؟ وما الفائدة إن كان لا أحد يمكنه مساعدتي.
الولد: ولكنك لن تخسر شيئًا إذا قمت بقول ما هى مشكلتك إنها بضعة كلمات سوف تقولها لا أكثر، فلن يتوقف العالم إن قمت بالمحاولة.
الرجل: إننى رجل أعمال كبير، عندى أموال كثيرة، أو بالأدق، كان عندى أموال كثيرة، فلقد صرفتُ كل أموالى على مرض ابنتي.. لقد كانت ابنتى ستقوم بعمل عملية اليوم، ولكنه لم يكن هناك سوى أمل ضعيف لنجاتها.. الأطباء يقولون، إنه لا جدوى من هذه العملية، ويجب عليّ ألا أتعب نفسي، فمن المستحيل أن تنجو. أن أموت الآن أفضل من انتظار ما يحدث لابنتي، إن ذلك بإمكانه قتلى بالفعل.
الطفل: ولكن لا وجود للمستحيل! هل تعلم أن وقوفك هنا هو تضييع حقيقى للوقت؟ لماذا لا تذهب إلى ابنتك وهى فى أشد الحاجة إليك. اذهب إليها وحتى إن لم يكن هناك أمل.. ربما وجودك فقط يكفيها الآن. ذهب كلٌّ منا فى طريقه، ولكن حين فكرت فى كلامى عن أنه لا وجود للمستحيل، سألت نفسى هل أنا مقتنع بالفعل؟ ثم قلتُ إذا كان هناك مستحيل؛ فكيف يتمكن طفل صغير مثلى من إقناع رجل كبير؟
مرّ عام دون أن أقابله مرة أخرى، حتى إذ فى مرة وجدت من يقترب ليقبلنى ويشكرني، وإذا به كان هو، وهو يقول لى شكرا لك يا بني، حقا شكرًا لك على كل شيء. وعندما سألته عن السبب، قال لى إنه ذلك اليوم قد أنقذته من أكبر حماقة كان سيرتكبها فى حياته، من عدم رؤية البسمة على وجنتى ابنته، وقال لى إن ابنته لم تمُت! وإنها فى آخر مراحل العلاج!.
بعدها ذهبت إلى البيت، وفى هذه المرة قمت بتغيير وجهة نظرى تماما وآمنت بأنه لا يوجد مستحيل فظللت أكافح من العمل، إلى المدرسة إلى البيت وقد عانيت أكثر بكثير عند وفاة أبى، ولكننى لم أستسلم. اليوم أنا مالك هذه الورش والمصانع فمن يستطيع أن يصدق؟ من يصدق أن تتحول حياة إنسان من قطعة مش إلى طبق من الفاكهة؟!

قصة لـ شمس حسين على (15 سنة)