الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

الغرف التجارية المصرية.. دراسة في دور رأس المال التجاري

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أصدرت الهيئة المصرية العامة للكتاب، مؤخرا، الكتاب المهم "الغرف التجارية المصرية 1933-1951.. دراسة في دور رأس المال التجاري".
الهدف من إنشاء الغرف التجارية - كما يذكر المؤلف- هو الحفاظ على مصالح التجار ضد السياسات الحكومية المتعسفة، والوصول إلى صيغة قانونية تسمح للتجار بالعمل والربح دون رفع الأسعار أو احتكارها، ومساعدة الحكومة على اكتشاف السلع التي يحتاجها السوق والعمل على توفيرها. 
والغرف التجارية هى تلك المؤسسات التى تقوم بخدمة النشاط الاقتصادي فى الدولة، سواء كانت هذه الدولة تنتهج النظام الاقتصادى الرأسمالى أو الاشتراكى ؛ ذلك أن الفلسفة الاقتصادية التي تسود المجتمع تنعكس على أهداف هذه المؤسسات.
وتعد الغرف التجارية المصرية واحدة من أهم المؤسسات التى قامت لخدمة النشاط الاقتصادى فى مصر فى القرن العشرين ؛ ذلك أنها نشأت فى ظلال النهضة الفكرية العامة التى صاحبت الحركة الوطنية المصرية المناهضة للاستعمار البريطانى والمنادية بالاستقلال السياسى والاقتصادى، وما تبع هذه الحركة من وعى قومى على كل الأصعدة. 
ورغم أن عنوان الكتاب قد يوحى بأن صاحبه استهدف فقط تناول الهياكل التنظيمية التي تعمل من خلالها الغرف التجارية في مصر منذ بداية إنشائها وحتى عام 1951، إلا أنه تناول هذه الهياكل التنظيمية، وكذا اختصاصات الغرف التجارية، واهميتها بالنسبة لاقتصاديات مصر خلال الفترة، وتداعيات سياسات الغرف على مجمل الأوضاع السياسية والاجتماعية في البلاد. 
والمتأمل في هذه الدراسة يكتشف أن اصحاب المصالح الاقتصادية في مصر في كل مجالاتها سعوا الى حماية مصالحهم من خلال تكوين مؤسسات أو منظمات تضمهم، وذلك من باب توحيد المواقف تجاه الإجراءات والسياسات التي من شأنها أن تصيب مصالحهم من أي نوع وبأي درجة من الدرجات. فمثلًا قام كبار ملاك الأراضي الزراعية في مصر بتكوين " النقابة الزراعية المصرية، وقام أصحاب المصانع بتكوين "اتحاد الصناعات المصرية "، وقام أصحاب المصالح التجارية بتكوين "الغرف التجارية"، بل إن إنشاء بنك مصر (1920) جاء لتجميع مدخرات أصحاب الأموال واستثمارها في مختلف الأنشطة الاقتصادية لمواجهة استثمارات الأجانب في مصر..الخ. ولكن في الوقت نفسه وقف هؤلاء ضد رغبة العمال الذين يعملون في تلك المؤسسات (الزراعية والصناعية والتجارية والمالية) في تكوين النقابات التي تجمعهم في مختلف المجالات، وذلك حتى ينطلق أصحاب رؤوس الأموال دون قيود ومعوقات وتحت شعار "الحرية الاقتصادية "
وفى هذا المقام نشير الى أنه أثناء وضع دستور 1923 رفضت اللجنة التي تم تشكيلها لوضع مبادئ الدستور، الموافقة على أن يتضمن الدستور نص يقرر: أن تكون الصناعة تحت حماية الدولة ومن ثم حق العمال في تكوين النقابات. وقيل وقتها أنه لا يوجد عمال في مصر وأن العمال الحقيقيين في الريف، فإذا تمت الموافقة على نص ما من هذا النوع فإن هذا سوف يؤدى الى إنشاء 400 نقابة تثير القلق لملاك الأراضي الزراعية، وحتى عندما تمت الموافقة على إنشاء نقابات لعمال المصانع في مايو 1942 في عهد حكومة الوفد ُنص على إنشاء نقابة المصنع فقط وتحت إشراف صاحب المصنع، وليس إنشاء النقابة العامة لعمال الصناعة الواحدة (مثلًا النقابة العامة لعمال الغزل والنسيج فى كل أنحاء مصر)، وكذا عدم إنشاء اتحاد عام لنقابات العمال في مصر. 
وقد قسمت الدراسة الى مقدمة وفصل تمهيدي وأربعة فصول وخاتمة: حيث تناول الفصل التمهيدى "الغرف التجارية المصرية قبل عام 1933، وتعرض المؤلف من خلاله لظروف نشأتها ونشاطها وعوامل تدهور الكثير منها فى الفترة التى سبقت عام 1933، كما تعرض لتأسيس اتحاد عام الغرف التجارية ونشاطه خلال هذه الفترة، وهذا الفصل التمهيدى يعد مدخلًا ضروريًا فى دراسة تاريخ الغرف التجارية حيث يتناول ما يمكن تسميته المرحلة غير الرسمية فى تاريخ الغرف التجارية المصرية، وهى الفترة التى سبقت صدور القانون الأول لهذه الغرف وهو القانون رقم 14 لسنة 1933م.
وتناول الفصل الأول "الهيكل التنظيمى للغرف التجارية"القوانين الثلاثة التى صدرت بخصوص هذه الغرف خلال الفترة المعنية بالدراسة، وهى القانون رقم 14 لسنة 1933م، والقانون رقم 30 لسنة 1940م، والقانون رقم 189 لسنة 1951م، حيث تم تناول كل قانون منها على حدا مع توضيح ظروف إصداره وأهم التغيرات التى طرأت عليه، ثم عرج الفصل بعد ذلك على تشكيل الغرف التجارية المصرية فى ظل هذه القوانين، وكيفية انتخاب مجالس ادارتها ومصادر تمويلها ودرجة ونوع الإشراف الحكومى عليها.
أما الفصل الثانى وعنوانه "اختصاصات الغرف التجارية المصرية" فقد تناول تلك الاختصاصات التى تعددت طبقًا للقوانين السابقة وشملت غالبية نواحى الانشطة شارحًا نشاط الغرف التجارية فى هذه الاختصاصات.
وجاء الفصل الثالث تحت عنوان " الغرف التجارية والاقتصاد المصرى " ليتناول موقف الغرف التجارية ورؤيتها - بصفتها أحد المؤسسات القائمة لخدمة النشاط الإقتصادى – إزاء الإقتصاد المصرى ومسيرة تطوره من خلال رصد ملامح الاقتصاد المصرى خلال فترة الدراسة وعرض رؤية ورأى الغرف التجارية المصرية فى القضايا الاقتصادية المصرية فى هذه الفترة. 
أما الفصل الرابع فتناول" الدور الإجتماعى والسياسى للغرف التجارية المصرية " المكانة الاجتماعية لأعضاء مجالس ادارات الغرف التجارية، شارحًا الدور الاجتماعى والسياسى للغرف التجارية وكذا لهؤلاء الاعضاء، وذلك بإعتبار أن الغرف أحد مؤسسات المجتمع المصرى، وأن القائمين عليها هم من مواطنيه.
ولعل من النتائج المهمة لهذه الدراسة أنه بفضل جهود الغرف التجارية أصدرت الحكومة المصرية قانونين لهذه الغرف هما القانون رقم 30 لسنة 1940، والقانون رقم 189 لسنة 1951. وفى ظل هذه القوانين وغيرها تشكلت الغرف التجارية المصرية كهيئات عامة تمثل فى دوائر اختصاصها المصالح التجارية والصناعية لدى السلطات العامة. كما شكلت فى هذا الإطار أيضًا مجالس إدارات هذه الغرف والتى انتخبت من جمعيتها العامة التى كانت تضم كافة دافعى إشتراك الغرفة من التجار حسب نص القانون، كما شكلت فى السياق ذاته اللجان المتخصصة كلجنة التحكيم وغيرها.
وتعددت الإختصاصات التى تقوم بها الغرف التجارية المصرية، ومنها: أنها تقوم بجمع المعلومات والاحصاءات الاقتصادية ونشرها، كما كانت الغرف تقوم بتفسير العرف التجارى عن طريق اعطاء شهادات أو معلومات للراغبين فى ذلك، كما قامت الغرف التجارية بإصدار شهادات تدل على جنسية البضائع المرغوب فى حصول الشهادات عنها مقابل رسوم لهذه الشهادات تدفع للغرف التجارية.
وقد اضطلعت الغرف التجارية بمهمة ترشيح المحلفين فى المحاكم التجارية المختلطة من العارفين بإصول التجارة والعرف التجارى وذلك قبل زوال هذه المحاكم مع الغاء الإمتيازات الأجنبية عام 1937، وكانت هذه الغرف ايضًا تقوم بتقديم الاراء والمقترحات التى تخص التجارة والصناعة للحكومة وكذا إرشاد السلطات فى كل ما يتعلق بالشئون التجارية.

كما كان للغرف التجارية أيضا دورها في الأحداث السياسية وأثارها على النشاط الإقتصادى المصرى فى تلك الفترة؛ فقد اجتهدت رأيها فى تناول المشكلات الإقتصادية المزمنة أو الطارئة ؛ فتعرضت للمشكلات الاقتصادية التى أعقبت الكساد العالمى عام 1930، كما أسهمت فى وضع حلولا للمشكلات الناجمة عن الحرب العالمية الثانية، وساعدت فى تنمية العلاقات التجارية بين مصر ودول الخارج عن طريق استقبال البعثات الأقتصادية القادمة الى مصر من هذه الدول أو المشاركة فى البعثات الإقتصادية المصرية الذاهبة الى الخارج. 
وقد قامت الغرف التجارية بالعديد من الأنشطة فى المجالين الإجتماعى والسياسى، كما كان لأعضاء مجالس إدارات هذه الغرف نشاطًا كبيرًا فى هذين المجالين بما لهم من مكانة اجتماعية بارزة فى المجتمع المصرى مكنتهم من الاتصال بكافة أطياف هذا المجتمع ومؤسساته، وكذا لدورهم البارز فى الحياة السياسية المصرية حيث كان من بينهم من تقلد منصب وزبرًا ومنهم من كان عضوًا بالبرلمان بغرفتيه ومنهم من شارك فى لجنة وضع الدستور.
ومن هنا فإن هذه الدراسة كشفت النقاب عن أحد جوانب التطور الاقتصادى والاجتماعى فى مصر الحديثة من خلال التعرض لتاريخ هذه المؤسسة منذ نشأتها وحتى عام 1951.