الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

آبى أحمد.. في "مرمى النيران" بعد محاولة اغتياله

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تعرض رئيس الوزراء الإثيوبى، آبى أحمد، يوم السبت الماضى، إلى محاولة اغتيال فاشلة فى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، بواسطة قنبلة يدوية ألقاها شخص على المنصة؛ حيث كان يلقى رئيس الوزراء خطابه أمام أكثر من مليون شخص فى ساحة «ميسكيل»، ويعد هذا أول تجمع يتم تنظيمه فى العاصمة دعمًا لـ «آبي»، ما أسفر عن سقوط قتيل وإصابة أكثر من 130 آخرين، الأمر الذى اعتبره «آبي» محاولة غير ناجحة من قوى لا تريد أن ترى إثيوبيا موحدة.
منذ تولى «آبي»- أول رئيس وزراء من عرقية «الأورومو»- السلطة وتأديته اليمين الدستورية أمام البرلمان، خلفًا لرئيس الوزراء السابق، هايلى مريام ديسيلين، الذى قدم استقالته فى ١٥ فبراير ٢٠١٨، سعى إلى إحكام قبضته على مقدرات الدولة الإثيوبية، بما يتوافق مع مصالحها الوطنية داخليًا وخارجيًا، وذلك بعد عقود من الانهيار والتراجع. 
فعلى الصعيد الداخلي؛ أجرى «آبي» تغييرات كبيرة؛ حيث أفرج عن عدد كبير من المعارضين، واتخذ إجراءات لتحرير الاقتصاد الوطني، كما أكد على أهمية حماية الحقوق والحريات، معتبرًا أن الجبهة الديمقراطية الثورية لشعوب إثيوبيا الحاكمة، ستولى اهتمامًا بمصلحة المواطن واحترام حقوقه، لذا فقد تعهد بإتاحة المشاركة السياسية للأحزاب المعارضة، ومواطنى المهجر.
كما سعى إلى إحكام قبضته على مقاليد الحكم، عبر إقالة قائد الجيش، سامورا يونس، وتعيين سيرى ميكونن، بديلًا له، وآدم محمد، رئيسًا لجهاز المخابرات والأمن الوطني، بدلًا من غيتاتشو أسافا، بعد عقود من استمرارهما فى منصببهما دون تغيير، مستجيبًا لمطالب الاحتجاجات التى شهدتها أديس أبابا منذ ٢٠١٥، فيما أعلن عن مبادرة تصالحية أسقط بموجبها التهم عن برهانو نيقا، زعيم حركة «قنبوت سبات»، والمصنفة من قبل الحكومة على أنها حركة إرهابية.
وعلى الصعيد الخارجي؛ سعى «آبي» إلى انتهاج سياسة خارجية أكثر واقعية وبراجماتية، تتوافق مع المصالح الداخلية الإثيوبية، للتخلص من عقود الكراهية المتلاحقة التى دامت عبر الحكومات المتعاقبة، تجلت فى التوجه السلمى نحو الجوار الجغرافى؛ ودعا «آبي» إلى فتح مجال للحوار مع دولة إريتريا فى الخامس من يونيو ٢٠١٨، التى تعد أهم منافس لأديس أبابا فى منطقة شرق أفريقيا، إثر الحرب الحدودية التى اندلعت بينهما فى الفترة بين مايو ١٩٩٨ إلى ٢٠٠٠، بعد جهود الوساطة الأفريقية من الجزائر، قبل أن يوقع البلدان اتفاقية سلام فى ٢٠٠٠.
وأثار هذا القرار عددا من القوى السياسية الداخلية، جاء فى مقدمتها «جبهة تحرير الشعب تجراي»- من أكبر أحزاب الائتلاف الحاكم والقوة المهيمنة على السلطة منذ أكثر من عقدين- والتى اعتبرت إعلان اتفاق السلام خطوة غير موفقة، لأنه جاء قبل اجتماع مجلس الائتلاف الحاكم لمناقشته، كما احتج بعض الإثيوبيين قرب الحدود مع إريتريا على إعلان اتفاق السلام مع أسمرة.
كما انتهج «آبي» سياسة التحول نحو دول المصب؛ وجاء ذلك التوجه كركيزة أساسية فى تحول السياسة الخارجية الإثيوبية؛ فقد شهدت الآونة الأخيرة الزيارة التاريخية التى قام بها «آبي» للقاهرة، للتأكيد على إيجاد حل لأزمة سد النهضة دون المساس بأمن واستقرار البلدين. ما أدى إلى تعهد «آبي» للرئيس عبدالفتاح السيسى بأن بلاده لن تمس بحصة مصر من مياه نهر النيل، خلال مؤتمر صحفى معلنًا بذلك نيته إعادة النظر فى العلاقات مع مصر وفقًا للمصالح الوطنية للجانبين، وذلك بعد عدد من الجولات والمفاوضات غير الناجحة التى تمت بين البلدين، لبحث سبل التسوية السلمية لملف «سد النهضة» فى سياق حماية الأمن القومى لكلا البلدين. 
والجدير بالذكر؛ أن هذه الزيارة سبقتها جولة «آبي» التى استمرت ليومين إلى الخرطوم فى مايو ٢٠١٨، بدعوة من الرئيس السودانى عمر البشير، لبحث سبل التعاون بين الجانبين على كافة الأصعدة خاصة فيما يتعلق بأمن الحدود، والقضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، وجاءت هذه الزيارة قبل أيام من انعقاد الاجتماع الثلاثى (القاهرة، الخرطوم، أديس أبابا) فى أديس أبابا بشأن «سد النهضة».
كما شهدت السياسة الخارجية الإثيوبية نقلة نوعية فى انفتاحها على دول الخليج العربي، تجسدت بشكل كبير فى الزيارات المتبادلة بينهم- فعلى سبيل المثال- قام «آبي» بزيارة السعودية فى مايو ٢٠١٨ كأول دولة خارج أفريقيا، وذلك لتوطيد العلاقات والتقارب بشكل وثيق مع القوى الإقليمية الكبرى فى المنطقة، فيما أسفرت هذه الزيارة عن الإفراج عن بعض السجناء الإثيوبيين الذين وصلوا الرياض عن طريق الهجرة غير الشرعية. 
فيما زار محمد بن زايد، ولى عهد أبوظبي، العاصمة الإثيوبية فى يونيو ٢٠١٨، لتوثيق العلاقات بين الجانبين من خلال توقيع عدد من الاتفاقيات فى المجال الاقتصادى والتنموي، بما يحقق التنمية المستدامة فى القارة الأفريقية.
فضلًا عن توقيع عدد من مذكرات التفاهم لتعزيز العلاقات وتسهيل كافة أشكال التعاون، مثل توقيع مذكرة تفاهم بشأن إعفاء حاملى جوازات سفر كلا البلدين من تأشيرات الدخول، ومذكرة تفاهم للتعاون السياحي، وأخرى متعلقة بإنشاء لجنة قنصلية مشتركة لتنسيق وتبادل المعلومات فى مجالات الشئون القنصلية، وحركة الأشخاص بين الجانبين.
رفض عربى 
جاء الموقف العربى رافضًا لمحاولة الاغتيال الفاشلة التى تعرض لها رئيس الوزراء الإثيوبي؛ حيث أعربت وزارة الخارجية المصرية عن استيائها الشديد لمحاولة اغتيال آبى أحمد، رافضةً أى محاولة للمساس بالأمن والاستقرار بإثيوبيا، ومعربةً عن خالص تعازيها للحكومة والشعب الإثيوبى وذوى الضحايا، وعن ارتياحها لسلامة رئيس الوزراء من محاولة الاغتيال الفاشلة، مؤكدةً على ثقتها فى قدرة الحكومة على تحقيق الأمن والاستقرار فى البلاد بما يتوافق مع طموح وآمال الشعب الشقيق. 
ومن جانبها أدانت دول الخليج العربى الحادث بأشد العبارات؛ حيث أعربت دولة الإمارات العربية المتحدة فى بيان صادر من وزارة الخارجية عن رفضها الثابت لكافة أشكال العنف الذى يستهدف الشعوب دون تمييز بين دين أو عرق، وأدانت العمل الإرهابى الذى استهدف أمن واستقرار أديس أبابا، الذى يتنافى مع القيم والمبادئ الدينية والإنسانية، داعيةً المجتمع الدولى للعمل معًا لمواجهة هذه الخطر، من جذوره بما يحقق الأمن والاستقرار للعالم أجمع. 
فيما استنكرت الرياض الانفجار، مشددةً على رفضها لكافة العمال التهدد الأمن والاستقرار فى إثيوبيا، واستنكارها الشديد للتفجير الذى استهدف تجمّع رئيس الوزراء الإثيوبي، مؤكدةً على وقوفها بجانب أديس أبابا ضد أى نمط من أنماط التطرف والإرهاب.
وجاء رئيس الوزراء الإثيوبى «آبى أحمد» بعد فترة كبيرة من الاحتجاجات التى عانت منها «أديس أبابا» نتيجة ما يعرف بترسيخ مراكز القوى السياسية لصالح «الدولة العميقة»، لذا حاول انتهاج سياسات إصلاحية على الصعيد الداخلى والخارجي، استجابةً منه لمطالب الاحتجاجات. كما تزامنت التحركات الخارجية مع التغيرات الداخلية بما يتوافق مع تحقيق المصلحة الوطنية للدولة الإثيوبية، بعيدًا عن مراكز القوى السياسة التى ترفض أى رفض للتغير فى النهج الداخلى والخارجي.
وفى سياق حالة عدم الاستقرار التى جاءت فى أعقاب محاولة الاغتيال الفاشلة، التى لم تعلن أى جهة مسئوليتها عن القيام بالحادث، بدأ يتزايد عدد التكهنات حول الحادث؛ حيث أثارت القرارات التى اتخذها «آبي» داخليًا غضب بعض القوى الداخلية التى تم الإطاحة بها، خاصة من جماعة «التيجراي»، لذا فمن المحتمل أن يكون رد فعل منها على سياسات «آبي»
وخارجيًا؛ انفتح «آبي» على الكثير من الدول الأفريقية والعربية تمهيدًا لبحث سبل التعاون والتنسيق المشترك حول الملفات ذات الاهتمام المشترك الأمر الذى يكاد ينعكس بشكل عميق على أذرع قوى الشر (قطر، وتركيا، والإخوان) المُتمركزة فى منطقة شرق أفريقيا، لأن سياسات «آبي» تضر بمصالحها الاستراتيجية وطموحاتها الاستعمارية والراغبة فى الإضرار بالأمن القومى العربي.
وعليه من المتحمل أن تكون أذرع قوى الشر ذات علاقة وثيقة بالحادثة رغبةً منها فى التعبير عن رفضها للتقارب الإثيوبى مع القوى الإقليمية الكبرى فى المنطقة.