الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بوابة العرب

"لما الحيطان تتكلم" مقاومة الاحتلال بـ"الجرافيتي"

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فكرة وعلبة رش وجدار أبيض تفضح الجرائم الصهيونية 
لم يعلم الاحتلال يوما، أن الجدار العازل الذى بناه، سيكون بمثابة صحيفة يومية متجددة تنقل للعالم كله فضائحه وانتهاكاته، ليس الجدار فحسب، ولكن البيوت الفلسطينية والجدران، أصبحت تحكى للعالم ما يفعله الاحتلال يوميا من انتهاكات صارخة بحق الفلسطينيين. وظهر فن «الجرافيتي» الحديث فى فلسطين بشكل واضح، مع اندلاع الانتفاضة الأولى «انتفاضة الحجارة»، وتعد فلسطين من أوائل الدول العربية التى ظهر فيها «الجرافيتي» الحديث، حيث لجأت التنظيمات الفلسطينية إلى استخدامه كأحد أساليب مقاومة المحتل؛ من خلال رسم الرسوم وكتابة الشعارات الوطنية، التى غطت جدران المنازل والمحال التجارية فى الأزقة والحارات والميادين العامة.
وهو ما دفع قوات الاحتلال إلى مطاردة كل من يكتب أو يرسم، ليصل الأمر إلى محاكمتهم وسجنهم، وتغريم أصحاب الجدران وأجبارهم على مسح هذه الشعارات بالقوة.
ومن أبرز الشعارات والرسوم التى ظهرت على الجدران فى هذه المرحلة: خريطة فلسطين، والعلم الفلسطيني، وقبضة شعار النصر، ورسم الكلاشنكوف، وحنظلة، وسفينة العودة، وقضبان السجان. ومن الشعارات «فلسطين حرة عربية»، و«لا صوت يعلو فوق صوت الانتفاضة»، و«المجد والخلود للشهداء الأبرار»، و«ثورة حتى النصر».

نعيم يبدع علي الجدار
نعيم صمصوم: الصهاينة يمارسون القمع والمنع من السفر والحصار ضدنا

أستخدم الكتابة على الجدران للحديث عن مجتمعنا الفلسطينى.. ونأمل أن يقرأ العالم رسائلنا
نعيم صمصوم، من مخيم النصيرات، كان من أوائل من رسموا وأدخلوا فن الجرافيتى الحديث إلى غزة، وبحسب تعبيره، فإنهم تعلموا ثقافة هذا الفن من خلال الأفلام الإنجليزية.
ودرس «صمصوم» التربية الفنية فى جامعة الأزهر بمدينة غزة، وتخصص «IT» فى جامعة فلسطين، واستمر بمتابعة الرسوم المتحركة، حتى أصبح واحدا من أبرز فنانى «الديجيتال آرت» فى غزة، ويعمل حاليا بمصر.
ويبدأ «صمصموم» حديثه قائلا: «نريد أن نوصل رسالتنا التى تحكى نبض الناس، بأننا نحب الحياة، كفى موتا ودمارا»، مؤكدا أن رسومات «المانجا اليابانى»، كانت أول ما تأثر فى بداية حياته، وهى عبارة عن قصص مصورة وأفلام ومسلسلات رسوم متحركة يابانية، ومن ثم الشخصيات الشهيرة «باتمان، ومارفل»، إلى جانب شخصيات «والت ديزني». 
ويعرف «صمصوم» نفسه بأنه يعشق فن «الجرافيتي» كثيرا، وتعرف عليه من خلال الأفلام الأجنبية و«الإنترنت» وبدأ فى ممارسته منذ سنوات، ويقول: «فى البداية كنت أمارس هوايتى على الورق، ومن ثم بدأت أمارسه على الجدران».
وعن صعوبة ممارسة هذا الفن فى غزة، يحكى «صمصوم»: «رسومات وتطبيقات فن الجرافيتى تكون أساسًا على الجدران، وهنا تكمن المشكلة الحقيقية فى رفض الكثيرين وعدم سماحهم برسم وتطبيق فن الجرافيتى على جدرانهم، وهذه المشكلة لا يواجهها فنانو «الجرافيتي» فى فلسطين فحسب، بل فى شتى أرجاء العالم، ولا يواجهون الرفض والاستهجان من الأهالى وأصحاب الجدران فحسب، بل أيضًا من السلطات والحكومات، كما أن هناك ملاحقات من قبل الحكومة، وأسئلتهم عن دلالات الحروف التى يقومون بكتابتها على الجدران، وعن السبب الذى يدفعهم لفعل ذلك، إضافة إلى عدم تقبّل الكثير من الناس كونهم يقومون بالرسم على جدران ملك لأناس أو للحكومة دون إذن أحد». 
وعن «الجرافيتي» فى فلسطين، يضيف: فن «الجرافيتي» التقليدى موجود فى فلسطين منذ عهد قديم، ربما منذ وجود الفصائل الفلسطينية وكتاباتها بالتحديد، أما «الجرافيتي» الحديث، فقد وصل إلينا بأثر العولمة، ربما بأسلوب مخالف للمعتاد، «فالجرافيتي» الحديث يرسم عادة بالحروف الإنجليزية، وليس العربية، وبالتأكيد عندما نتحدث عن فن الجرافيتى فى فلسطين منذ بداياته الأولى، فإننا نتحدث عن فن كان وما زال مسيسًا، ومتأثرا بالانتماءات الفصائلية والآراء السياسية.
وتحدث «صمصوم» عن كيف واجهه أهله فى البداية وعارضوه، قائلا: «فى البداية كانت هناك معارضة شديدة من أهلى، ثم شيئا فشيئا، ومع إصرارى على مزاولة هذا الفن، أخذوا يتقبلون الأمر، ومع تراكم التجارب والممارسات بدأت أحقق انتشارا واسعا وقبولا عند أهالى المخيم». 
ويتابع: «طموحاتى المستقبلية كثيرة، ولكننى الآن مهتم جدا بإتمام دراستى الجامعية، ومن بعدها سأتفرغ للفن وأكرس له حياتى». ويضيف: صمصوم: الاحتلال الإسرائيلى يمارس القمع، والمنع من السفر والحصار والاضطهاد، لذلك قررت أن أستخدم الكتابة على الجدران للحديث عن كل ما يحدث فى مجتمعنا الفلسطيني».
ويختم نعيم صمصموم حديثه، متمنيا ومتسائلا: «نأمل أن يقرأ العالم رسائلنا، ويفهم معاناتنا وأننا أحرار نحب الحياة، لكن هل من مجيب؟».

حمزة أبو عياش: الرسم على الجدار العازل يحوله من مرفوض إلى واقع
فى الانتفاضة الأولى كان الاحتلال يسجن كل من يحمل «علبة ألوان».. وأرفض تقاضى الأموال مقابل أعمالى

سجل فنان الجرافيتى المعروف حمزة أبو عياش اعتراضه على الرسم على الجدار العازل، حيث يرى أن فيه شيئا يحول المرفوض مقبولا على مر الزمن.
وقال «أبو عياش»: «لا شك أن الجدار سطح مغرٍ جدا لفنانى الجرافيتي، لو كان فى وضع غير وضعه، لكن وجود الجدار والرسالة التى يحملها بالفصل العنصري، تجعل أى إنسان لو فكر بالموضوع بتعمق قليل، أن أى فعل رسم على هذا السطح هو مجرد تجميل، وفى أحد المستويات يصبح التعامل مع وجوده طبيعيا ومقبولا للعين، ما يجعله مقبولا ذهنيا».
وحمزة أبو عياش، فنان فلسطيني، خريج فنون جميلة من جامعة النجاح سنة ٢٠٠٤، ويزاول الفنون البصرية منذ خمسة عشر عامًا، أقام معرضه الأول بعنوان «تعاويذ برائحة الدم» فى الأردن عام ٢٠٠٦، وتبعه معرض آخر فى رام الله قبل ما يقارب الشهرين بعنوان «تفاصيل أقل» وفى عام ٢٠١٥، عين سفيرا لفن «الجرافيتي» عن فلسطين فى العالم، وفى عام ٢٠١٦، طوّر بالتعاون مع مايكل آنج (فنان نيوميديا) تقنية digital calligraffiti، واخترعا جهازًا يدعى infl٣ctor يختص بنقل الجرافيتى على واجهات المبانى بالضوء، وفى مرحلة أخرى نقله لحظيا بين مكانين فى العالم بالضوء.
ويبرر «أبو عياش» وجهة نظره قائلا: «لو أخذنا رسمة ياسر عرفات الموجودة على الجدار من جهة حاجز قلنديا، والتى نفذها الفنان «سڤِن ٧» بإتقان عال، فهى محببة للغالبية، ما يجعل السطح المرسوم عليها مقبولا ضمنيا، لذا فإن أى فعل جرافيتى على هذا السطح هو بمثابة تثبيت لوجود السطح، هذا من ناحية، من ناحية أخرى فإن هذا الجدار ليس لنا، بل هو ورم سرطاني، وأى فعل عليه تجميلى كمن يرسم وردة على ورم سرطانى ينهش جسده، من ناحية ثالثة فإن تداعيات وجود أى رسالة على الجدار لن تلقى المتلقين المطلوبين لها، حتى وإن كانت شعارات تهاجم وجود الاحتلال، لأنها فى الجهة التى تحاصر الضفة الغربية.
ويتابع: «أما من الناحية الأخرى من الجدار، فهى نظيفة تماما، بحيث إن وجود الجدار لا يعززه رسائل بصرية تثبت وجوده، هذا إن أغفلنا أن فى الوعى الجمعى اليهودى الذى يسوّق له الكيان الصهيوني، فكرة الجدار موجودة لكن بشكل مغاير عما هو موجود هنا حاليا».
وكانت لوحة «بلد» من أشهر اللوحات التى رسمها عياش فى عام ٢٠٠٣، حيث استطاع أن يلخص فيها حال الواقع الفلسطينى آنذاك، برسمه بلد خالية من البشر، شبابيكها تفتح من العتمة على الارتباك، ويحكى عنها «أبوعياش»، قائلا: «رسمتها فى فترة اجتياح الاحتلال الإسرائيلى لمدن الضفة الغربية، كنت حينها فى نابلس وتعرضنا هناك لأبشع اجتياح».
لم ينس حمزة دوره الوطنى خلال عام ٢٠١٢، حيث وصل إضراب الأسرى عن الطعام إلى ذروته، والذى بدأ شرارته الشيخ خضر عدنان، حيث كان يحمل مستلزمات الرسم فى حقيبته يوميا ويتنقل بين المدن الفلسطينية، لينجز نحو خمسة عشر «جرافيتي» انحازت لفلسطين فقط. ويوضح أبو عياش خلال حديثه، أنه يرفض أن يتقاضى أى أموال مقابل رسوماته، ويضيف: «كل ما تحتاجه لرسم جرافيتي، فكرة وعلبة رش وجدار أبيض».
ويقول «أبو عياش»: «إن الاحتلال كان يحكم على الشاب الذى يحمل علبة ألوان خلال الانتفاضة الأولى بالسجن لمدة ٦ شهور، وهذا إن دل على شيء فهو يدل على استفزازهم من هذا العمل رغم بساطته.

2004
تخرج فى جامعة النجاح ويزاول الفنون البصرية منذ ١٥ عاماً و٢٠١٥ عين سفيراً للجرافيتي
محمد طوطح: أنشر معاناة شعبى عن طريق الرمال
فقد ساقه فى عدوان غزة 2008.. وخلد صورة الشهيدة رزان النجار 2018

لم يكن يعلم الاحتلال أن عدوانه على غزة عام ٢٠٠٨، سينقل الشاب محمد طوطح، الذى بترت ساقه بسبب قذائف العدوان، من الهواية إلى الاحتراف، ليبدأ فى حملته على مستوى العالم، لفضح الاحتلال من خلال نحت انتهاكاته على رمال شواطئ غزة. ورغم إعاقته، إلا أنه نجح فى الرسم والكتابة على الرمال على شاطئ بحر غزة، كما أكد أنه مستعد لإنجاز أكبر منحوتة يدخل فيها موسوعة «جينيس» للأرقام القياسية، ولتمثيل فلسطين بالمسابقات الدولية».
ويتذكر «طوطح» إصابته ويقول: «فى اليوم الثالث من العدوان الإسرائيلى على غزة عام ٢٠٠٨، سقط صاروخ مقذوف على منزلى بحى الزيتون شرق غزة، حصد معه أرواح عدة، وتمت إصابتى وبتر ساقى اليمنى، وكنت وقتها ابن الـ١٩عاما. ويحكى طوطح أن الرسم على الرمال كان مجرد هواية حتى عام ٢٠١٢، ومن ثم قرر أن تكون عمله ومصدر دخله، خاصة بعد بتر ساقه، لتعينه على الحصار بعد أن كان عمله الوحيد، التوصيل بالأجرة عبر سيارة نصف نقل. 
ليذيع صيته فى غزة كأول جريح يمارس مثل هذا الفن بشواطئ القطاع، وعقب تنفيذه أول وأكبر تصميم له عام ٢٠١٣، بكتابة اسم جائزة فلسطينية «جائزة فلسطين الدولية للإبداع والتميز» على مساحة ١٥ مترا، وتصويره وانتشاره، أصبحت «الدعاية الإعلانية» عبر الرسم على الرمال. 
ويحاول «طوطح» أن ينقل معاناة الشعب الفلسطيني، وأن يستغل انتشار صوره بأن يجعل الرمال تتكلم عن هذه المعاناة التى يعيشها شباب وأهل غزة بسبب الحصار، ويستخدم أدواته والتى هى عبارة عن «المسطرين، ومسطرة ألوان، وبخاخ، وفرشاة، وورقة دفتر بها الرسم»، ومن ثم يبدأ عمله قرب ماء البحر لكتابة كل ما يمكنه لدعم بلاده.
ولعل من المفارقات، أن يلف أحد تصميمات «طوطح» عن معاناة الأشقاء السوريين فى العالم كله، فى وقت لا يزال «طوطح» صاحب التصميم نفسه محاصرا من قبل الاحتلال.
ويشتكى «طوطح» من حصاره داخل غزة، حيث منعه الاحتلال من السفر إلى ألمانيا لتركيب طرف صناعي، كما منع أيضا من السفر إلى الضفة ثلاث مرات، التى دعى إليها للمشاركة فى معارض.
ويؤكد أن ما يفعله هو رسالة وطنية يحملها على عاتقه، فبلاده تعانى الأمرين جراء الاحتلال وحصاره، ويقول: «على العالم كله أن يرى ما أفعله، كى تصل معاناتنا عبر الرمال، ما دمنا غير قادرين على الذهاب للخارج لنحكى معاناتنا بأنفسنا».
ولم ينس «طوطح» أيضا اسم الشهيدة المسعفة رزان النجار، حيث وضع صورتها بجانبه على شاطئ بحر مدينة غزة، إكرامًا لتضحيتها لإسعاف المصابين شرق مدينة خان يونس، وإعدامها بشكلٍ مباشر من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي.
وكانت الشهيدة رزان النجار استشهدت ضمن فعاليات مسيرة العودة الكبرى، أثناء قيامها بواجبها المهنى والإنساني، كمتطوعة فى الهلال الأحمر بالنقاط الطبية شرق مدينة خان يونس لإسعاف الجرحى والمصابين برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي.