الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

الأخبار

اللواء باقي زكي يوسف .. بطولات من دفتر محطم خط بارليف

اللواء باقي زكى يوسف
اللواء باقي زكى يوسف
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
رحل عن عالمنا، بطل من أبطال حرب أكتوبر المجيدة، بطل ندين له جميعًا ونعترف بدوره العظيم فى نصر أكتوبر، رحل اللواء باقى زكى يوسف، صاحب فكرة استخدام مضخات المياه للتغلب على أصعب ساتر ترابى فى التاريخ الحديث، وتحطيم أسطورة إسرائيل.
الفكرة التى حيرت أعنى الخبراء العسكريين فى العالم، ونفذها ضابط صغير السن وقتها، ما زلت حديث الكثير فى الأوساط العسكرية، ورغم صغر سنه حينها، فإنه أطلقها وساهم فى رد أرضنا وكرامتنا وعزتنا، وأتت عبقرية الفكرة من بساطتها، وأصبحت تُدرس فى الكليات والمعاهد العسكرية على مستوى العالم.
فكرة استخدام مضخات المياه لفتح ثغرات فى خط بارليف، كانت تنفذ لأول مرة، ووقتها فكر «باقى» فى حل يمكن أن يدمر مانع خط بارليف الحصين الذى بنته إسرائيل على الضفة الشرقية للقناة، ونجح فى تصميم مدفع مائى فائق القوة لقذف المياه، يمكنه تحطيم وإزالة أى عائق أو ساتر ترابى أو رملى فى زمن قياسى قصير وبأقل تكلفة ممكنة دون سقوط قتلى.
وحينما صلت الفكرة لقادة الجيش المصرى والرئيس الراحل أنور السادات الذى قرر على الفور تنفيذها، وصنعت هذه المدافع المائية لمصر شركة ألمانية بعد إقناعها بأن هذه المنتجات ستستخدم فى مجال إطفاء الحرائق وليس لاستخدامها فى الحرب، وعقب تصنيع تلك المدافع قامت إدارة المهندسين بالجيش المصرى بالعديد من التجارب لها بلغت ما لا يقل عن ٣٠٠ تجربة اعتبارًا من سبتمبر عام ١٩٦٩ حتى عام ١٩٧٢ بجزيرة «البلاح» بالإسماعيلية.
خلال تلك التجارب تم فتح ثغرات فى ساتر ترابى يماثل خط بارليف تمامًا، ونجحت القوات المنفذة فى تجريف الرمال بالمياه المضغوطة لفتح الثغرات وعبور الجنود منها، وقرر الجيش استخدام تلك المدافع فى الحرب.
تم ذلك بعد أن استعان الإسرائيليون بشركات متخصصة ودرسوا وبنوا خط بارليف وكلفوه ملايين.
وصمم خط بارليف حاييم بارليف، رئيس أركان جيش الاحتلال الإسرائيلى فى ذلك الوقت، وكان هدفه فصل سيناء عن مصر بشكل نهائى ليحول دون وصول الجيش المصرى إلى الضفة الشرقية للقناة، وتم إنشاء ساتر ترابى منحدر ومرتفع ملاصق لحافة القناة الشرقية بطول القناة من بورسعيد إلى السويس. ليضاف للمانع المائى المتمثل فى قناة السويس.
يتكون خط بارليف من تجهيزات هندسية ومنصات للدبابات والمدفعية وتحتل أرضه المدرعات ووحدات مدفعية ميكانيكية، وتحديدًا ٢٢ موقعًا دفاعيًا و٢٦ نقطة حصينة بطول ١٧٠ كم على طول قناة السويس.
وكان يتكون من تجهيزات هندسية ومنصات للدبابات والمدفعية وتحتل أرضه المدرعات ووحدات مدفعية ميكانيكية، وتحديدًا ٢٢ موقعًا دفاعيًا و٢٦ نقطة حصينة بطول ١٧٠ كم على طول قناة السويس، كما تم تحصين كل مبانى الخط بالكتل الخرسانية وقضبان السكك الحديدية المسروقة من سكك حديد سيناء، بالإضافة إلى تغطيتها بأطنان من الصخور والرمال لامتصاص كل أشكال القصف الجوى والأرضى مهما كان حجمه، هذا بالإضافة إلى الأسلاك الشائكة ومناطق الألغام وأنابيب النابالم الحارق أسفل مياه القناة، وكان هناك شبكات تليفونية تربط كل نقاط الخط ببعضها البعض من ناحية، وبالقيادة داخل فلسطين المحتلة من ناحية أخرى.
وكان خط بارليف يعلو يومًا بعد يوم، ويتكون من كثبان رملية طبيعية تكونت من ناتج حفر قناة السويس، وكانت رمال حفر القناة وصخوره تلقى على الضفة الشرقية من القناة باعتبار أن الناحية الغربية أراضٍ زراعية، وأضاف الاحتلال الإسرائيلى الكثبان الرملية الطبيعية مع ناتج حفر قناة السويس وكميات أخرى ضخمة من الرمال حتى أصبحت درجة ميل الساتر الترابى مع قاع القناة ٨٠ درجة، واقترب أن يكون زاوية قائمة حتى يصعب الصعود عليه أو انهياره، وأصبح ارتفاعه ما يقرب من ٢٠ مترًا.
ودرس خبراء العسكرية السوفيتية خط بارليف بشكل دقيق وأكدوا أن الساتر الترابى لا يمكن تحطيمه إلا بقنبلة نووية.
وكان الجيش المصرى يبعث بعمليات خلف خطوط العدو نجحت فى جمع كل المعلومات التى يحتاج إليها جيشنا المصرى، وفى عام ١٩٦٩ صدرت الأوامر بالاستعداد للحرب، وأثناء اجتماع القادة برئاسة اللواء سعد زغلول عبدالكريم لدراسة الأفكار المقترحة للعبور، كانت كل الاقتراحات التى تم عرضها زمن فتح الثغرة فيها كبير، يتراوح بين ١٢ و١٥ ساعة، وكانت الخسائر البشرية المتوقعة لا تقل عن ٢٠٪ من القوات.
وحينما دخل المقدم باقى زكى الاجتماع تذكر عمله بالسد العالى، حيث كان يعمل كمنتدب فى بداية الستينيات من أبريل ١٩٦٤ وحتى ١٩٦٧، ومضخات المياه التى كانت تهزم التراب فى دقائق معدودة، فرفع يده للحديث قبل أن يحل دوره فى الكلام، فطلب منه القائد الانتظار حتى يحل دوره، ولكنه أكد أن ما سيقوله مهم وعاجل، فسمح له، فقال: «انتو بتقولوا رملة.. وربنا أدانا الحل قدام المشكلة وتحت رجلينا وهو المياه.. وفى الحالة دى المياه هتكون أقوى من المفرقعات والألغام والصواريخ وأوفر وأسرع»، وبمجرد أن أنهى حديثه وجد سكون فى القاعة، لدرجة أنه وصف هذه اللحظة فيما بعد قائلًا «خفت أكون خرفت».
وخلال ١٢ ساعة، ما بين الساعة ١٢ ليلًا وحتى الساعة ١٢ ظهر اليوم، التالى كانت الفكرة قد وصلت لأعلى مستوى فى القوات المسلحة.
وقام سلاح المهندسين ببذل مجهود كبير فى تحسين الفكرة فى سرية تامة، واستيراد المضخات من ألمانيا باعتبارها وسيلة زراعية كان خطوة موفقة، أما نتيجة الحرب فكلنا شاهدنا النتيجة بأنفسنا، فبفضل هذه الفكرة استطعنا عبور بعض الثغرات بعد ٤ ساعات بدلًا من ١٢ ساعة، وكانت قواتنا تتدفق على الضفة الغربية، بحلول الساعة ١٠ مساء كان هناك ٨٠ ألف جندى مصرى موجودون فى الجانب الآخر من الضفة، لم نفقد منهم إلا ٧٨ جنديًا فقط فى موجات العبور الأولى.
وبفضل عبقرية وإخلاص قواتنا المسلحة، أفقدنا العدو توازنه، لدرجة أن القادة الإسرائيليين عندما بلغهم بداية عملية العبور وحدوث الثغرات سألوا.. المصريين فتحوا الثغرات إزاي؟ أما أتقالهم بالمياه.. ردوا.. كسبوا الجولة الأولى!
واهتمت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية بخبر وفاة اللواء مهندس باقى زكى يوسف، أحد أبطال حرب أكتوبر ١٩٧٣.
وقالت الصحيفة: إن الفقيد كان صاحب فكرة تحطيم خط بارليف بمدافع المياه خلال الحرب المفاجئة، التى شنتها مصر على الجيش الإسرائيلى عندما كان يحتل سيناء.