الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

استراتيجية الردع.. مستقبل السياسات الأوروبية تجاه الحرب التجارية الأمريكية.. وجود مصالح مشتركة بين الجانبين ينهي الأزمة.. والتواصل مع اليابان وكندا والمكسيك لتشكيل تكتل موازٍ لسياسات ترامب

مستقبل السياسات الأوروبية
مستقبل السياسات الأوروبية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
اختتمت قمة مجموعة الدول الصناعية السبع، التى تضم ألمانيا وكندا والولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا واليابان وبريطانيا، التى تمثل أكثر من 60% من صافى قيمة التجارة العالمية، سنوى 2018، التى استمرت على مدار يومين فى مقاطعة كيبيك بكندا، بموافقة دول المجموعة على الالتزام بـ«النظام التجارى الدولى قائم على القواعد»، ومكافحة الإجراءات الحمائية، كما اقتراح الرئيس الأمريكى إقامة منطقة تجارة حرة دون تعريفات جمركية. علاوة على التوافق حول مراقبة الطموحات الإيرانية. 

فى حقيقة الأمر انتهت القمة دون توافق حقيقى من الناحية الاقتصادية حول السياسات الحمائية الأمريكية؛ وعليه فقد سحب «ترامب» تأييده للبيان الختامى المشترك الصادر عن دول المجموعة، كما اتهم الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب»، رئيس القمة ورئيس الوزراء الكندى «جاستن ترودو» بعدم النزاهة، بسبب التصريحات التى أدلى بها رئيس الوزراء الكندى الخاصة باعتزام كندا فرض رسوم جمركية على المزارعين والعمال الأمريكيين.
وفى المقابل، نفى «ترودو» ما تردد من تصريحات منسوبة له، موضحًا أنه حذر «ترامب» من أن كندا ستفرض رسومًا جمركية من بدابة يوليو ٢٠١٨، على البضائع الأمريكية تُعادل ما تم فرضه على «أوتاوا».

أبرز القضايا المُثارة
ناقشت القمة عددًا من القضايا المثارة فى النظام العالمى، التى أصبحت تُؤرق الدول الأوروبية فى الآونة الأخيرة، تأتى فى مقدمتهم الصعود الروسى المتنامى فى أوروبا والشرق الأوسط، واتفاقيات التبادل التجارى وما يتعلق بها من رسوم جمركية تم فرضها من قبل الإدارة الأمريكية على دول الاتحاد الأوروبى، فضلًا عن الاتفاق النووى الإيرانى فقد عارضت الدول الأوروبية الخروج الأمريكى من الاتفاق، لأنه وضع بالأساس لكبح الطموح النووى لدى طهران، بجانب اتفاقية المناخ التى انسحب منها «ترامب». 
وتعد القمة الرابعة لدول الـG٧ التى تُعقد، فى ظل غياب روسيا، بعد تعليق عضويتها على خلفية توتر العلاقات مع الدول الأوروبية بسبب الأزمة الأوكرانية، فقد انضمت موسكو إليها فى عام ١٩٩٨. وفى المقابل، علق الرئيس الأمريكى على عدم وجود موسكو معربًا عن أمله لعودة موسكو مرة أخرى، الأمر الذى رفضته المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، قائلة: «لن تتمكن موسكو من العودة ما لم يحدث أى تقدم بشأن أوكرانيا»، فى إشارة إلى استمرار توسيع العقوبات إذا اقتضت الضرورة؛ حيث تم الربط بين العقوبات وتنفيذ اتفاقيات «مينسيك» حول تسوية الأزمة الأوكرانية.
وعلى الصعيد الآخر؛ أعرب سيرجى لافروف، وزير الخارجية الروسى، عن أن «موسكو لم تطلب العودة إلى المجموعة، وتعتبر أن G٢٠ الشكل الأنسب والواعد». من الواضح أن موسكو لم تعد تهتم بالتعاون فى ظل مجموعة الدول السبع التى باتت تفرض شروطًا على السيادة الروسية، وعليه أضحت موسكو أكثر تقاربًا مع الصين وإيران؛ حيث التقى قادة الدول الثلاث فى إطار الاجتماع السنوى لمنظمة تعاون شنجهاى فى مدينة «كينجداو» بالصين.
والجدير بالاهتمام أن اليوم الأول من اجتماع وزراء المالية فى دول مجموعة السبع فى كندا، تزامن مع انتهاء مهلة الإعفاء من رسوم بنسبة ٢٥٪ على الصلب و١٠ ٪ على الألمونيوم، التى منحتها واشنطن موقتًا للاتحاد الأوروبى.

«ترامب» والحرب التجارية
بالنظر إلى الرسوم التى فرضها «ترامب» فإنها مبالغ فيها، ويرجع ذلك إلى إدراكه للمصالح الأمريكية وكيفية تحقيقها، فرجل الصفقات لا يعرف قواعد توازنات القوى السياسية، ولكنه يرتكز إلى مبدأ المكسب والخسارة، وكيفية تحقيق أقصى استفادة ممكنة وفقًا لشعار «أمريكا أولًا». وفقًا لـ«ترامب» عانت واشنطن فى الفترة الأخيرة من عدد من التحديات والتهديدات الخاصة التى نبعت من تدخلها ومساعدتها لحلفائها التقليديين فى أوروبا والشرق الأوسط بدون مقابل، فضلًا عن انفتاحها على الدول من الناحية الاقتصادية دون أن تتعافى بشكل كامل من الأزمة الاقتصادية فى ٢٠٠٨، تجلت فى استمرار تزايد عجز الميزان التجارى. بجانب سماح واشنطن للدول الأجنبية بدعم منتجاتها، وتخفيض سعر صرف عملاتها، مع استمرار انتهاك حقوق الملكية والغش فى العلامات التجارية مما أدى إلى تدفق المليارات من الدولارات وملايين الوظائف الأمريكية إلى الخارج. لذا فقد خسرت واشنطن أكثر من ثلث وظائفها الصناعية وفقًا لحسابات رجل الأعمال، وذلك على مدار العقدين الماضيين.
فمن وجهة نظر «ترامب» تعد الاتفاقيات التجارية العالمية مثل «النافتا»، واتفاقية «الشراكة عبر الهادي» من أسوأ الاتفاقيات التجارية لما لها من تداعيات سلبية على الصناعة الأمريكية -فعلى سبيل المثال- بموجب اتفاقية «الشراكة عبر الهادي» سيتعين على واشنطن فتح أسواقها بشكل أكبر، كما ستجبر العمالة الأمريكية على التنافس مع نظيراتها الفيتنامية، وهى من أقل العمالة فى معدلات الأجور. لذا فقد رفض التوقيع على الاتفاقية معربًا عن رغبته فى توقيع اتفاقات ثنائية بدلًا عنها.
ملامح الإستراتيجية الأوروبية 
تواجه واشنطن حربًا مضادة لسياساتها التجارية مع القوى الاقتصادية الكبرى، بعد قرار الرئيس الأمريكى دونالد ترامب رفع الرسوم الجمركية على الواردات القادمة من الاتحاد الأوروبى والصين ودول أخرى لتصل إلى ٢٥٪ على الصلب و١٠ ٪ على الألومنيوم. وتستورد واشنطن ٥١.٣ ٪ من الألمونيوم و٣٥.٨ ٪ من الصلب، من شركائها فى مجموعة السبع بحسب أرقام وزارة التجارة الأمريكية عام ٢٠١٧.
وعليه بدأت الدول الأوروبية باتباع استراتيجية انتقامية مضادة تبلورت ملامحها على النحو التالي:
١- التنديد بالرفض؛ مع استمرار تهديد واشنطن الدول الأوروبية بفرض الرسوم الجمركية عليها، تعالت الأصوات المنددة لهذا القرار، لأنها غير مبررة علاوة على تداعياتها على النمو الاقتصادى، تمثلت على سبيل المثال فى الرفض الفرنسى على لسان وزير المالية الفرنسى «برونو لومير» لوزير التجارة الأمريكى «ويلبور روس»، مؤكدًا أن الاتحاد سيتخذ «كل الإجراءات اللازمة» للردّ. فيما حذر «هايكو ماس» وزير الخارجية الألمانى من عودة السياسات الحمائية. كما أكد الرئيس الفرنسى ورئيس الوزراء الكندى إبان قمة «G٧» أنهما ليسا على استعداد «لقبول أى شيء من أجل إصدار بيان مشترك مع واشنطن».
٢- إعادة التوازن؛ أعلنت العواصم الأوروبية وشركاء واشنطن التجاريون رفضهم بشكل صريح النهج «الترامبي» فى التعاملات التجارية، وعليه فقد قررت المفوضية الأوروبية، بفرض رسوم جمركية على واردات أمريكية بقيمة إجمالية ٨.‏٢ مليار يورو، مع النظر فى زيادة القائمة فيما بعد، بعد أن أعلنت المكسيك رسومًا مماثلة قبل أيام من انعقاد قمة «G٧»، من بينها ٢٠ ٪ على لحوم الخنزير و٢٥٪ على منتجات الصلب، وذلك للتعامل بالمثل ولتعويض الأضرار الناجمة بما يتناسب مع قواعد منظمة التجارة العالمية.
٣- التحذير للردع؛ حاولت بعد القوى الصناعية الكبرى منح «ترامب» فرصة للتفاوض مرة ثانية للتراجع، تمهيدًا لإعادة النظر فى هذه السياسات تجنبًا لخوض حربًا تجارية ستنعكس بشكل سلب على واشنطن والدول الصناعية الكبرى إلا أنه ما زال مُصرًا على موقفه. لذا سعت بعض القوى الصناعية محذرة من تفاقم الأزمة، وجاءت فى مقدمتهم كندا التى حذرت من فرض رسوم موازية على واشنطن ابتداءً من يوليو ٢٠١٨ للتصدى للسياسات الحمائية الأمريكية. 
٤- تشكيل جبهة موحدة؛ تسعى دول الاتحاد الأوروبى للتفاوض مع «ترامب» بالتزامن مع التواصل مع كل من اليابان وكندا والمكسيك وكندا لتشكيل تكتل موحد موازٍ للسياسات التجارية التى فرضها «ترامب». بدأت الجبهة تتوحد بتعاطى الاتحاد بشكل عملى مع الأزمة من خلال تقديم قائمة بالواردات -الفول السودانى، المشروبات الكحولية، عصير البرتقال- التى من المتوقع أن تتأثر بزيادة الرسوم الجمركية إلى منظمة التجارة العالمية. وكان الاتحاد الأوروبى قد قدم بالفعل قائمة لمنظمة التجارة العالمية بالواردات التى يمكن أن تتأثر بزيادة الرسوم الجمركية.
٥- إصلاح منظمة التجارة العالمية؛ اعتبر الرئيس الفرنسى «ماكرون» أن الأوضاع الحالية للسياسات التجارية من الممكن أن تؤدى إلى حرب شرسة ستأثر على الاقتصاد العالمى، لذلك بدأ بدعوة جميع الأطراف المعنية بإصلاح منظمة التجارة العالمية لتكون ذات قواعد أكثر شمولًا تجنبًا للانجراف فى حرب اقتصادية مقبلة، وردًا على التوترات المستمرة، كما اقترح إعادة هيكلة المنظمة من خلال عقد عدد من المفاوضات بين واشنطن ودول الاتحاد واليابان والصين.