الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

الحديد "اتجنن".. أيادٍ خفية تتلاعب في الأسعار والمستهلك يدفع الثمن.. "تجار": الحكومة تدعم الشركات بالطاقة ولا تراقب الأسواق.. "مواطنون": لم نعد قادرين على مواجهة الغلاء

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

من يراقب حديد التسليح فى مصر؟ سؤال يبدو مكررًا لكن من الضرورى إعادة طرحه مجددًا، بعد جنون الأسعار وقفزها إلى 12800 جنيه للطن الواحد، مع توقعات من جانب خبراء وتجار حديد بصعودها إلى 15 ألف جنيه، خلال الفترة القليلة المقبلة، فى ظل سياسة تحرير سوق الصرف، وغياب الرقابة على شركات ومصانع ومنافذ إنتاج الحديد المحلى، والحديد المستورد من الخارج، بخلاف ارتفاع أسعار الطاقة، الأمر الذى سبب اشتعال أسعار الوحدات السكنية ومن ثم ركود السوق العقارية فى مصر.


محمد الوكيل، مقاول، رأى أن الأزمة متصاعدة ومصانع الحديد فى مصر، أصبحت تتحكم فى السعر وتسيطر على السوق، رغم أنها تحصل على دعم فى الطاقة بشكل كبير، بقوله: «الأخطر أن ارتفاع أسعار الحديد تبعه ارتفاع أسعار الأسمنت ثم ارتفاع جنونى لما يقارب الضعف لأسعار الشقق السكنية».

وأكد «الوكيل» أن المقاولين فى ورطة وأصبحوا يبيعون الشقق بـ «القسط»، مؤكدا أن هذا العام لوحظ أن أسعار مواد البناء بالكامل ارتفعت لما يقارب الضعف.


وكشف الدكتور مهندس، رأفت الحسيني، أن هناك كارثة ستحدث مستقبلا، وهى الكساد فى سوق العقارات، ولن يقبل عليها سوى أصحاب رؤوس الأموال والأغنياء الذين لا يتخطون ١٪ من سكان مصر، مؤكدًا أن الحكومة فى غيبوبة بعيدًا عن شركات الحديد والأسمنت إذ أنها تمنحها دعما بنسبة عالية فى الطاقة، فى المقابل يرفعون الأسعار بأرقام فلكية.

فى السياق ذاته، علق أحمد محمد، مواطن: «إن غلاء سعر الحديد أصبح مشكلة كبيرة لنا نحن الشباب ولا نقدر على تسليح شقة للزواج»، وتابع: «الحديد يرتفع بشكل جنونى فى وقت كان سعره ٤٠٠٠ جنيه فقط بعد الثورة وحدث ما لم نتوقعه مع تعويم الجنيه، حيث استيقظنا على جنون فى سعره وبناء عليه ارتفعت أسعار الشقق السكنية».

أضاف: «لا بد من وقفة مع تلك الأسعار، حيث وصل سعر الطن الواحد اليوم أكثر من ١٢٨٠٠ جنيه، ومع هذا السعر، أصبح الحصول على بيت لعائلة أو شقه لفرد للزواج حلما صعب المنال».

وأشار محمد حسن، مواطن، إلى عدم وجود مبرر لارتفاع سعر الحديد والأسمنت فى مصر، وتساءل هل ارتفاع الأسعار يقف وراءه التجار أم أن هناك شخصا معينا يتحكم فى سعر السوق المصرية؟ رغم ضعف الدخل الشهرى للشباب والأهالى ورغم ذلك هناك أمل نسعى إليه دائما نحو البناء، مضيفا أنه من غير المتوقع شراء طن بسعر ٣ أطنان فى السابق، مع شراء المواد الأخرى الخاصة بالبناء التى هى الأخرى تزداد يومًا بعد يوم ولا أحد يقف فى وجه ذلك الغلاء وأصبح مشكلة مزمنة ولا حل لها.

كما أن وزير الصناعة طالب فى أوقات سابقة بضرورة وجود رقابة والنظر إلى الشباب بعين الرأفة وتخفيض سعر الوحدة السكنية أو سعر طن الحديد للقدرة على البناء ولم يحدث.

فيما أشار أسامة كمال، مهندس مدني، إلى وجود عوامل كثيرة تساهم فى رفع أسعار الحديد، أهمها تعويم الجنيه، مضيفا أن مصر حاليًا بها مشروعات كثيرة قيد التشغيل وعليه سيكون الطلب على منتج الحديد كثيرا، وهو ما يلعب دورا كبيرا فى رفع أسعاره، حتى وصل فى الأيام القليلة الماضية إلى ١٢٨٠٠ جنيه فى السوق المحلية.

واستطرد كمال، أنه بالفعل توجد مافيا ليس فى الحديد فقط وإنما فى كل شيء وللأسف يستغلون أى ارتفاع فى أسعار المواد الخام ويرفعون أسعارهم للضعف، ويحدث هذا أوقات تحريك أسعار الوقود الذى يستخدم بشكل كبير فى تصنيع الحديد، بقوله: «الموضوع يحتاج إلى رقابة وتنظيم حكومي، ونحن لا نعترض على تحريك أسعار الوقود، لكننا نعترض على التلاعب دائما فى أسعار الحديد ومواد البناء وافتعال أزمات من جانب التجار فيما تكون النتيجة ركودا فى الأسوق».

متابعا: «هناك سببان للتراجع فى الفترة الأخيرة عن استيراد الحديد، أهمهما أن مصانع الحديد فى مصر ليس من مصلحتها أن يتم استيراد حديد أرخص ومنافس، وهم للأسف من يمثلون المافيا التى تتلاعب فى سعر الحديد».

وأوضح أنه يوجد فى مصر حاليا ٢١ مصنعا، تنتج ٢١ نوعا من الحديد، فى البداية كانت ٢٧ مصنعا وبسبب ضعف السيولة أغلقت بعض المصانع، وهذا جعل باقى المصانع تخفض من أسعارها خوفا من هروب العملاء، مضيفا أن سعر الحديد الحالي ١٢٧٠٠ و١٢٨٠٠ ومن وجهة نظرهم هذا إنجاز، فى ظل ارتفاع المواد الخام المستوردة التى تدخل فى تصنيع الحديد.

مؤكدا أن مشكلة المستهلك فى مصر أنه مفتون بحديد عز، حتى إن كان هناك شيء مثله وبنفس الكفاءة قائلا: «نحن شعب لا يحب المغامرة فى حين هناك البديل المستورد الكفء والأقل سعرا- حسب تعبيره».


وأضاف مصطفى سيد، تاجر حديد، أن المتحكم فى سعر الحديد هم الوسطاء أو أصحاب التوكيلات، ومن هنا تبدأ لعبة رفع الأسعار للمزيد من الربح، وغالبا ما يتم احتكار السوق من خلال التوكيلات ويعانى من ذلك كل من التاجر الصغير والمستهلك وتظهر الأزمة.

متابعا: «كنت فى السابق أشترى كميات كبيرة بأقل الأسعار، وأصبحت الآن فى ظل هذا الغلاء أشترى أقل من الكمية بثلاثة أضعاف ما كان عليه من قبل، مشيرا إلى أنه فى السوق المصرية حاليا أصناف من الحديد وكل صنف له سعره واستخدامات، وأن المنتج الذى يلقى إقبالا كبيرا مثل حديد عز أو حديد بشاي، يكون الأمر بمثابة لعبة للتوكيلات مع الشركات، وذلك بالإغراء بدفع أكبر كمية من الحديد بدون دفع المبلغ كاملا».

وأشار المهندس أحمد حجازي، المدير التنفيذى لشبكة الحديد والصلب، إلى أن سعر حديد التسليح فى البورصة اليومية ١٢٦٠٠ جنيه ويباع فى السوق ١٢٨٠٠ جنيه بمعنى أنه يصل إلى المستهلك أزيد من السعر، مؤكدا أنه لا أحد يتوقع ارتفاع سعر طن الحديد، وأوضح أن تسعير الحديد يعد تسعيرا عالميا، لافتا إلى وجود مؤثرات وأغلبها عالمية وهى المواد الخام، ويرجع «حجازى» سبب زيادة سعر الحديد فى الفترة السابقة إلى قرار تعويم الجنيه المصري.

بقوله: «إذا قارنا بين حركة حديد التسليح الآن وحركته قبل التعويم سنجد فرقا كبيرا لأن الدولار قبل التعويم كان سعره ٩ جنيهات وأصبح اليوم١٧ جنيها فما فوق، هذا الفارق أثر على الحديد وجميع السلع لكنه أكثر ظهورا فى سلعة حديد التسليح».

وتابع المدير التنفيذى لشبكة الحديد والصلب، أن حديد التسليح كسلعة استراتيجية يستخدم فى المشروعات التنموية، وإذا نظرنا إلى السلع الموازية سنجد أن الأسعار ترتفع ولا تهبط مثل البنزين والكهرباء والطاقة لأنها كل عام تمر بزيادة وليست قابلة للهبوط فى أى وقت.

وأكد أن التوقعات التى تشير إلى وصول الحديد إلى ١٥ ألف جنيه، ليس لها أساس من الصحة لأن الحديد لا توجد له رؤية، مضيفا أنه لم يصل الحديد منذ ١٠ سنوات إلى ٥ آلاف جنيه لأن العوامل التى أدت إلى الارتفاع والسبب الرئيسي، كان التعويم وهو الفارق، لأن كل الحسابات بالدولار وليس بالجنيه المصري.

وأردف «حجازي» أن سعر الحديد مرتبط بالأسعار العالمية للمواد الخام، كاشفا أن الحديد يمر بمراحل كثيرة أولها المادة الخام، ثم مرحلة الإنتاج، وكل مرحلة لها سعرها، حسب الطلب والعرض العالمي، وهناك أزمات مثل أقطار الدرافيل، وهى مسئولة عن إشعال الأفران، وتلك المادة الطن بها كان سعره فى السابق ٢٨٠٠ دولار ارتفع إلى ٢٠٠٠٠ دولار وهى إحدى المواد التى تستخدم فى صناعة الحديد، مع وجود شد وجذب للأسعار.

مستطردا أنه لا توجد مافيا تسيطر على سعر الحديد، لكن يوجد تنافس شديد فى السوق بين التجار، ويوجد حوالى ١٧ مصنعا وكل مصنع له سعر وتكاليفه، التى تختلف عن الآخر وله خطة تسعير مختلفة، كما أنه يوجد أمام العميل فى السوق، متنوع فى المنتجات والأسعار، لأن الحديد ليس حكرا على عز أو بشاي.

وأشار «حجازي» إلى أن الطاقة الإنتاجية بمصر تسمح وتفيض بسد احتياجات السوق المحلية، ومصر الآن تشجع الصناعة المحلية لكى تنهض بالصناعة، لأننا ننتج نفس الشيء ولا داعى لاستيراده، قائلا: «رغم أن الاستيراد فى بعض الأحيان يكون رمانة الميزان، وفى شهر ديسمبر من العام الماضي، تم تطبيق قانون الإغراق وتم فرضه على ٣ دول هى تركيا وأوكرانيا والصين، وهذه كانت أكبر دول تصدر حديدا لمصر، وتم إيقاف التصدير بعد سريانه مدة طويلة، والسبب أن هذا القانون فرض رسوما على كل دولة بنسبة مئوية من الواردات لمصر».

وأضاف أنه توجد منافسة شرسة حاليا فى السوق المصرية بين أنواع الحديد، وأن المنتج المصرى هو الأكثر استخداما فى المصانع، ويتفاوت فارق الأسعار ما بين ١٠٠-٢٠٠ جنيه فى الطن وأن أعلى سعر طن الآن لا يتجاوز ١٢٨٠٠ جنيه لحديد عز، فى المقابل ١٢٤٥٠ جنيهًا لطن الحديد الاستثماري.

وأكد أن تنمية مصر مقبلة، رغم وجود دول كثيرة منافسة، مشيرا إلى أن مصر تصارع للنهوض الاقتصادي، وستصنع المستحيل لذلك، خاصة فى ساحة تصنيع الحديد، مشيرا إلى أن خطة تطوير ٢٠٣٠ خطة واضحة للتطوير ومواجهة الأزمات، وأن الأسعار ترتفع بشكل مفاجئ خاصة فى سوق البناء، وأن حديد التسليح سعره يرتفع وينخفض أما العقارات فترتفع ولا تنخفض، وأنه لا توجد فى مصر ثقافة استثمار الحديد ولا استراتيجية تحريكه، وأرجع ذلك إلى أن الحديد يعانى من تحديات كبيرة- حسب قوله.

من جانبه قال جمال سالم، تاجر حديد، إن الأسعار تحركها العملة والأسعار العالمية، ولا يوجد شخص متحكم فى سعر الحديد، مشيرا إلى أن المصانع المحلية فى مصر لا تكفى الإنتاج المحلى ولا بد من استيراد منتج أرخص لكى يكون هناك فائض، مؤكدا أن المصانع حاليا تعمل بربع القدرة وهذا فى مصلحة المستورد.

وأضاف أنه توجد أربعة أنواع من الحديد المستورد فى مصر، تركى وروسى وإسبانى إضافة إلى الأوكراني، وتتراوح أسعارها بفارق ٥٠٠ جنيه على الأقل، بالمقارنة بمنتج حديد عز، لافتا إلى أن الحديد الأوكرانى الإقبال عليه أكثر من التركى لرخصه وكفاءته.

مؤكدا أن الحل هو زيادة إنتاح المصانع المحلية، وأن تعمل بكفاءة تكفى الإنتاج، مشددا على وجود رقابة على الأسعار ووضع سياسة توازن فى سعره.

وقال الخبير الاقتصادي، الدكتور تامر ممتاز، إن ارتفاع أسعار «خام البيليت» هو سبب ارتفاع أسعار حديد التسليح، إضافة إلى ارتفاع تكلفة النقل عبر السيارات، بدلا من استغلال السكة الحديد، وبناء على ذلك ترتفع أسعار الجرافيت والخردة، مع ارتفاع سعر العملة، وزيادة مشروعات الدولة فى البناء للإسكان الاجتماعى ومشروعات التنمية بالعاصمة الإدارية الجديدة والاستثمار العقاري.

وأكد أن زيادة تكاليف النقل والكهرباء وأجور العمالة، سبب آخر فى رفع سعر الحديد بالإضافة إلى ترقب المصانع دائما من كل زيادة متوقعة فى أسعار الكهرباء، ما يدفع المنتجين إلى تخفيض الإنتاج لتوفير المخزون من الخام أو تخزين المنتج بأكمله و«تعطيش السوق» لحين استقرار الأسعار فى السوق وهو ما يخلق أزمات ويرفع الأسعار.

وتابع،أن الظروف الحالية فى الاستثمار العقارى ظروف استثنائية للتنمية، حيث تتوسع الدولة فى مجال الاستثمار العقاري، وهو القطاع الأكثر رواجا، ويمكننا منح تراخيص لصناعة البليتفى مصر بالشراكة مع المصانع المحلية او أى مستثمر يريد الدخول فى هذا القطاع.

وأشار إلى أنه لا توجد مافيا لتجارة الحديد فى مصر، لأن المتضرر الأول بالمنطق هى الدولة القائمة بالمشروعات التنموية قبل المستهلك، وهى لن تسمح بأى احتكار، إنما المنافسة بين الشركات تتم بالتفاعل بين العرض والطلب، مؤكدا أن حديد عز له كم من الدعاية كبير يؤثر بالطبع على رغبة المستهلك.

واستبعد الخبير الاقتصادي، أبوبكر الديب، وجود شبهة احتكار فى سوق الحديد، لكن هناك أزمة مستمرة نتج عنها تضرر الكثير من المهن والحرف وأصيبت سوق العقارات بصورة عامة بركود وخسائر كبيرة جدا وذلك مع ارتفاع أسعار الوحدات السكنية.

وأوضح أن زيادة «أسعار البليت» عالميا، فضلًا عن تراجع كميات الحديد المستوردة، هى أسباب غير مبررة للارتفاعات المتوالية، وأن الطاقات القصوى لمصانع الحديد تتراوح بين ١٢- ١٣ مليون طن سنويًا.

وكشف «الديب» أن الشركات العاملة فى إنتاج الحديد تعمل بالطاقة الإنتاجية، والتى لا تتجاوز ٩ ملايين طن سنويا، وأنه لا توجد أسباب منطقية لخفض الإنتاج بعد قرار رسوم الإغراق، الذى تم الإعلان عنه فى ديسمبر الماضي، وتراجعت واردات الحديد المستورد، فى حين استفادت شركات الحديد كثيرا من الدعم الحكومى فى أسعار الطاقة.

وطالب الديب الدولة بعمل مصانع لإنتاج الحديد والأسمنت، وإلغاء أو خفض رسوم الإغراق، على واردات الحديد من الخارج، للحد من احتكار التجار للحديد أو خفض سعره لحل تلك الأزمة رحمة بالمستهلك.

وقال ناصر شنب، عضو شعبة مواد البناء بغرفة تجارة القاهرة، إن مشكلة الحديد فى مصر، هى عدم وجود رقابة على الشركات الكبرى، مثل الجارحي، الذى يستحوذ على الغرفة التجارية، وطالب بتخفيض رسوم الإغراق المفروضة، لكى يتم استيراد حديد بسعر أقل، من الموجود الآن فى مصر.

وأكد «شنب» أن احتكار التجار ما زال يفرض سيطرته على سوق الحديد، والتى أدت إلى «تبلبل السوق» مع فوضى الأسعار، لافتا إلى أن أسعار بيع الحديد فى السوق لا تعكس حقيقة قيمته، مع وجود جهات خارجية ومنتجين متحكمين فى أسعار الحديد.

وأن القضاء على «الاحتكار» يتمثل فى تشجيع الشركات المحلية لإنتاج الحديد، على زيادة الإنتاج، وذلك للقضاء على الفجوة السوقية، التى يتسبب فيها المحتكرون، مع إزالة كل العوائق التى تقف أمام شركات الحديد والصلب المصرية، وفتح باب التصاريح، لإنشاء مصانع جديدة للحديد، وإطلاق الإنتاج فى السوق المحلية، واستيراد كميات أكبر من الحديد من دول الهند ورومانيا، وتخفيض أو إلغاء رسوم الإغراق، التى سببت عائقا كبيرا وارتفاعا فى الأسعار بشكل غير متوقع، وعلى أثرها ستعود الأسعار للانخفاض مرة أخرى- حسب قوله.