الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

باقي زكي يوسف.. المقدم الراحل يروي بطولاته في آخر حوار له في "البوابة".. فكرة استخدام مدافع المياه جاءتني من مشروع السد العالي العدو بني السواتر الترابية بارتفاع 12 إلى 20 مترًا

باقي زكي يوسف
باقي زكي يوسف
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كان العالم لا يتحدث إلا عن «حاييم بارليف»، رئيس الأركان الإسرائيلى عام 1968، وكيف أنه استطاع أن يبنى سدًا منيعًا، سدًا رآه العالم بأنه كالفولاذ، يستحيل اختراقه، وأن مصر باتت منكسرة، وستظل هكذا هى والوطن العربى أجمع، حيث كل الحسابات العسكرية المعتادة والطرق العسكرية، لا تؤكد إلا بسقوط حوالى 20 ألف جندي، حال محاولة اختراق السد، كما أن الوقت المستغرق سيعطى مساحة لقوات العدو من التعامل مع الأمر.
لكن المقدم القبطى «باقى زكى يوسف»، قال «مفيش حاجة اسمها «نكسة» و«67» كانت كمينا دوليا لـ«مصر وعبدالناصر»، وأشار خلال حوار سابق لـ«البوابة»، فى عام 1973 كان شعارنا حينما دخلنا الحرب مع العدو، أن: «ما أخذ بالقوة، لا يسترد إلا بالقوة»، وهذا مبدأ الزعيم الخالد جمال عبدالناصر، رحمه الله، وكان هدفنا هو أن نلحق بإسرائيل شر هزيمة، لأننا لم نحارب فى 1967، وإسرائيل لم تختبر قوتنا بعد، ومصطلح «نكسة» كلمة غير مضبوطة، والأدق هو «كمين دولي» اتعمل لمصر.
ومن بعيد، من السد العالى بأسوان، جاء المقدم القبطى باقى زكى يوسف، ليحل اسمه محل رئيس الأركان الإسرائيلي، ولا يتحدث العالم سوى عنه، بفضل فكرته التى اعتمدت على «السهل الممتنع»، والتى أبهرت العالمم أجمع، وكيف لها ولذاك الضابط من جعل السد المنيع ذاك، من أعلى قمة الكبرياء لأسفل البيادة المصرية.
ورحل «باقي» مساء السبت عن عالمنا، قبل أن يصلى عليه أمس بكنيسة مارمرقس كليوباترا بمصر الجديدة، ويدفن إلى مثواه الأخير، بعدما ساهم فى رفع هامة المصريين عاليا، رحل فى هدوء.
وعن أعظم ومضات حياته، يقول اللواء الراحل باقى زكى عن فكرة تحطيم خط بارليف: «فى أبريل 1964، انتدبت للعمل فى السد العالى من القوات المسلحة، والأعمال هناك كانت كلها تتم بنظام معين، وبتكنولوجيا معينة، السد العالى كان عبارة عن رمل وزلط وحجر، وفى 5 يونيو 1967 حدثت النكسة، فقررت القوات المسلحة آنذاك إنهاء عمل كل الضباط المنتدبين فى الخارج فى كافة المؤسسات الحكومية وعدت مرة أخرى للقوات المسلحة، وتم تعيينى رئيس مركبات فى أحد التشكيلات التى كانت موجودة غرب قناة السويس. وبطبيعة عملى كنت أمر على صف عربات الوحدة التابعة للتشكيل الذى أترأسه، وفى هذا الوقت كان الجيش الإسرائيلى لا يزال فى مرحلة بناء الساتر الترابى الذى كان جزءًا حصينًا من خط بارليف الدفاعى، والذى كان عبارة عن كثبان رملية طبيعية، وكثبان رملية نتيجة حفر القناة على الشاطئ الشرقى للقناة».
ويضيف الراحل: العدو قام بتعلية هذه السواتر الترابية بتشكيلاتها القديمة والحديثة وأوصله إلى ارتفاعات تصل إلى 12 أو 20 مترًا ارتفاعًا، وبعرض 8 إلى 12 مترًا من السويس إلى بورسعيد. أثناء مرورى بالقرب من هذه المنطقة، كنت أرى الساتر الترابى وهو فى مرحلة البناء، وبدأوا فى تعليته، وجعلوه مائلًا بنسبة 80 درجة حتى يتماشى مع قاع القناة، فأصبح بذلك مانعًا شديدًا للغاية بعدما تم وضع ألغام ومفرقعات ومدافع داخله، وخطر على بالى فكرة، أنه لو كان الساتر الترابى فى أسوان، لكانت خراطيم المياه التى تجرف الرمال إلى قاع السد العالى ممكن أن نستفيد منها فى مقاومة هذا الساتر الترابى، وهذا كان أقصى تفكير لى، وفى مايو 1969 جاءتنا الأوامر بعبور قناة السويس.
ويستطرد اللواء قبل رحيله، فى أثناء جلوسى مع قائد الفرقة، عرضت فكرتى الخاصة بالساتر الترابى، وقام رؤساء العمليات بشرح الموقف كاملًا أمام الفرقة بتفاصيل شديدة الدقة؛ نشأته، طبيعته، مكوناته، التجهيزات الهندسية والقتالية الموجودة فيه، والتجارب التى يمكن إجراؤها للتغلب عليه، والتى كانت كلها نابعة من المدرسة الاستراتيجية العادية التقليدية العالمية، التى كانت ستتم إما بالصواريخ أو المدفعية أو الطيران.
وبتجربة كل هذه الطرق وجدنا أن المدة التى سنستغرقها فى فتح الثغرات فى الساتر الترابى ستكون ما بين 12 إلى 15 ساعة، دون وجود دبابات أو مدفعية تغطى الجنود، المشكلة كانت صعبة للغاية، علاوة على أن الخسائر التقديرية كانت على أقل تقدير قد تصل إلى 20 ألف شهيد على الأقل لحين إتمام هذه المهمة. قلت للقيادة: الساتر الترابى مبنى فى الأساس على رمل، بتحصينات قديمة ومتوسطة وجديدة وتم وضع كل التحصينات داخله، ومضخات ماصة كابسة، يتم وضعها على زوارق خفيفة، تسحب المياه من القناة وتضخها على الساتر الترابى مباشرة، خاصة بعد أن قام العدو بتعليته وتمييله، وعلى رأى المدفعية أصبح فى «السوادة» أى مرمى المدفع وأصبح فى حضن مدافع المياه؛ لأن الساتر الترابى على الحافة وبنفس درجة الميل. تكريمى الحقيقى كان عندما عشت اللحظة التى رأيت فيها فكرة من أفكارى تنقذ البلد، أنا لا أحتاج بعد كده ولا ورقة ولا شهادة، لأن ربنا أكرمنى جدًا بفكرة الساتر الترابى، فبدلًا من 20 ألف شهيد عاد 20 ألف بطل، ربنا منحنى الفكرة ومنحنى حقى تمامًا.
وقال: شعرت إسرائيل أن بناء ساتر رملي، يمكنه أن يحميهم من أية ضربات، وعملوا على استدعاء شركات تعمل فى هذا المجال، وبالفعل بدأوا فى إقامة «حصن بارليف»، وقالوا إن أعظم قوة فى العالم لا يمكنها تدميره، وجعلوه يمتد من السويس إلى بورسعيد، وأحاطوه بأسلاك شائكة، وحقول ألغام، ودبابات، حتى تصد الهجمات المضادة حال اختراق القوات المصرية لـ«خط بارليف».
ويقول قاهر خط بارليف: «القوات الإسرائيلية شعرت أنها رست واستقرت فى سيناء، وفصلتها عن الضفة الغربية، واعتبرتها رادعًا لنا، وكأنهم يقولون لنا: «ماتفكروش تعدوا القناة»، وهنا كان هدفنا استعادة الأرض، والعرض، والكرامة. وبدأنا نجهز أنفسنا لتحريرها. 

قطرات مياه 
المقدم القبطى «باقى زكى يوسف»، مهندس تدمير خط بارليف وصاحب فكرة إزالته بخراطيم المياه، خريج كلية الهندسة جامعة عين شمس 1954، انضم فى نفس السنه للقوات المسلحة كضابط مهندس فى سلاح المركبات، وانتُدب للمشاركة فى مشروع بناء السد العالى من سنة 1964 وحتى نكسة 1967، وكان قومندان لتشكيل من تشكيلات الجيش الثالث الميدانى ورئيسًا لفرع مركبات الجيش الثالث فى حرب أكتوبر 1973، خرج من الجيش برتبة لواء سنة 1984. 
اللواء أركان حرب باقى يوسف حصل على نوط الجمهورية العسكرى من الدرجة الأولى من الرئيس أنور السادات فى فبراير عام 1974، عن أعمال قتال استثنائية تدل على التضحية والشجاعة الفائقة فى مواجهة العدو بميدان القتال فى حرب أكتوبر 1973، كما حصل على وسام الجمهورية من الطبقة الثانية من الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك عام 1984، بمناسبة إحالته إلى التقاعد.


قالوا فى نعى محطم خط بارليف:
- الأنبا موسى أسقف عام الشباب: «دمر كبرياء إسرائيل فى خط برليف»
- الأنبا إرميا الأسقف العام: «باقى» أحد أبناء مصر الذين خافوا عليها
- مجلس الوزراء»: سيظل محفورًا بسجلات الشرف المصرية
- عبدالرحيم على: «مصر فقدت أحد أبطال حرب أكتوبر
- المهندس هانى ضاحى وزير النقل السابق: بصمات اللواء «باقى زكى يوسف» «عظيمة» و«لا تنسى»
- الكاتبة فاطمة ناعوت: أتمنى أن يدرج اسم اللواء «باقى» فى المناهج التعليمية