الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

"BIAS 2018".. الفن على أرض الفيروز

من حفل باليرمو
من حفل باليرمو
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
شهدت مدينتا نويبع ورأس شطآن بجنوب سيناء مجموعة من الفعاليات الفنية لأبناء القبائل البدوية، كجزء من مشروع فنى إنسانى بعنوان BIAS ٢٠١٨، والذى تم الاحتفاء به أيضًا فى مدينة «باليرمو» بجزيرة صقلية الإيطالية، والذى تنظمه جمعية WISH، ويستكمل فعالياته فى جنوب سيناء منتصف شهر سبتمبر المُقبل.
كان المشروع قد بدأ قبل أشهر من خلال إنتاج فيلم وثائقى، أعده الفنانان روزا موندى وساريتا ماركيزى لتوثيق حياة وثقافة الأطفال فى المجتمع البدوى فى جنوب سيناء؛ وقام الفنانون بإلقاء مجموعة من الورش والمحاضرات الفنية للأطفال، إضافة إلى قافلة طبية.
المشروع شارك فيه مجموعة من الأصدقاء والمهنيون والفنانون، فالفن لغة عالمية لا تعرف الحواجز الجيوسياسية والاجتماعية – الثقافية، ومن خلال المشروع استطاع الأطفال البدو عمل المنحوتات والرسومات والألوان المائية، وتقديم تفسيرهم الشخصى لمفهوم فكرة المشروع. هذه الأعمال الفنية كانت موضوعًا لفعالية لجمع التبرعات تم تنظيمها فى أبريل الماضى فى مدينة البندقية.
ساريتا ماركيزي، المدير الإقليمى لجمعية WISH فى مصر، ليست فقط واحدة من أولئك العاملين فى المجال التطوعي، هى فى الأصل فنانة موهوبة، تعلمت التمثيل والغناء وأجادتهما، كما بدأت فى إجادة اللغة العربية منذ ستة أعوام عندما جاءت إلى القاهرة أول مرة.
طافت ساريتا بالكثير من المدن المصرية خلال عملها الفني، فشاركت فى بعض الأعمال الفنية فى الموسيقى والتمثيل، كما شاركت فى مهرجانات فنية مصرية منها مهرجان الأقصر لسينما المرأة، ومهرجان الجونة السينمائي؛ لكن وسط كل هذا العمل والتعلم كانت تفكر فى شيء آخر بعيدًا عن الأنشطة التجارية. كانت تسعى لمساعدة أهالى سيناء الذين عاشت بينهم فى سعادة، وبدورهم اعتبروها جزءًا منهم لا واحدة من آلاف السائحين الذين يتوافدون عليهم يوميًا.
«أثناء دراستى للموسيقى فى مصر، انتهى بى المطاف فى سيناء للبحث فى التقاليد البدوية.. لقد فتنت بهذه الحضارة القديمة»، هكذا تقول الشابة الإيطالية مُتعددة المواهب، والتى تنقّلت بين الكثير من دول العالم لكنها وجدت الكثير من الراحة على أرض الفيروز.
تواصل ساريتا حديثها: «مع زيادة اهتمامى وتعلقى بهؤلاء الناس قررت أن أفعل شيئًا مفيدًا. فى عام ٢٠١٣، كانت لديَّ فكرة إنشاء مدرسة للأطفال لما بعد اليوم الدراسي، وبدأنا مع «حبيبة» هذا الحلم». «حبيبة» هى واحدة من المزارع الموجودة فى مدينة نويبع، والتى احتضنت الفكرة بالفعل وتم تنفيذها، حيث يتم استقبال أطفال البدو المُقيمين فى نطاقها. هناك فصول صغيرة موجودة وأخرى تحت الإنشاء تتم بجهود المتطوعين وأهالى المنطقة لتعليم هؤلاء الأطفال، إضافة إلى الكثير من مواد الترفيه.
عند دخولك المدرسة ستجد ساندرو يمد يده مُرحبًا بك؛ هو إيطالى آخر فى العقد الخامس من عمره، يهتم بكل تفاصيل هذه المدرسة الأهلية -إن صح التعبير- من أجل مستقبل أفضل لهؤلاء الأطفال، الذين قرر تمضية بقية حياته وسطهم.
يقول ساندرو قضيت وقتًا طويلًا من حياتى أتنقل بين الكثير من دول العالم، عملت متطوعًا فى أكثر من مجال وأكثر من دولة، لكنى وجدت فى هذه البقعة من العالم السلام الذى طالما بحثت عنه، لذلك قررت البقاء هنا، حيث أعمل فى المزرعة وأقوم بالاعتناء بتلك المدرسة. نحاول تعليم الأطفال كل ما يُمكن أن يُخرج إلى العالم إنسانًا مثقفًا وموهوبًا.
عندما تعرّفت ساريتا إلى مواطنها وجدت أن كليهما يشترك فى حلم واحد يُمكنه أن يكبر إذا ما تعاون الجميع؛ فى الوقت نفسه بدأت فى نشر الفكرة فى موطنها والحديث عن النتائج. لم يكن الأمر متعلقًا بتثقيف وتعليم الأطفال فقط، وإنما امتد ليشمل مشروعا فنيا ثقافيا كبيرا يتجاوز الحدود الجغرافية؛ كانت لدى ساريتا تجربة فنية أخرى فى مدينة رأس شطآن، حيث شاركت فى ليالِ فنية مع الكثير من الفنانين من جنسيات متعددة، تضيف: كنت محظوظة بما فيه الكفاية لأشارك بأداء أغنيات فى معسكر رأس شطآن الرائع، حيث عشت لمدة ستة أشهر. كانت بالنسبة لى لحظة مهمة جدًا من التواصل العالمى دون حدود للثقافة أو الدين.
هكذا فى العام الماضى ٢٠١٧ وجدت ساريتا اهتمامًا من القائمين على مهرجان Bias بالمشروع، تقول: «اهتمت أمينة المشروع بهذه الفكرة وجاءت لزيارة المكان. طلبت منى إحضار بعض فنانى Bias هنا ولبدء مشروع يسمى Portability والذى أطلقناه فى مايو من هذا العام»؛ المشروع الذى شهدت انطلاقته مدينتا نويبع ورأس شطآن شارك فيه ثلاثة من الفنانين الإيطاليين هم النحات إتسيو سيزاريل، والرسامتان سولفيج كوجليانى وكيارا دونالدينيوس. الأخيرة هى مدير مؤسسة WISH فى مدينة باليرمو بجزيرة صقلية الإيطالية.
كان الأطفال يلتفون حول إتسيو وهو يتجول على الشاطئ لينتقى بعض الأحجار التى تصلح للنحت. كان ينتقى بعضها ويقضى بقية النهار فى العمل عليها حتى تخرج قطعًا فنية تُثير إعجاب ودهشة المُحيطين به؛ فى النهاية كان يترك ما صنعه تذكارًا للمكان الذى صنعه فيه، مُبديًا سعادته ببقائها كى يراها الزوار. فى الوقت نفسه كانت كيارا تتجول فى المكان بحثًا عما يُمكن إضافته ليُصبح فى صورة أكثر جمالًا، أما سولفيج فكانت تنتقى بعض الأحجار هى الأخرى أو تذهب إلى الأثاث البدوى المتناثر فى الأرجاء وتقوم بالرسم عليه.
استضاف هؤلاء فرج سليمان، وهو واحد من أبناء القبائل البدوية التى تمتد جذورها لمئات السنين فى جنوب سيناء. يمتلك فرج ويُدير واحدًا من الأماكن السياحية فى مدينة نويبع، هو أيضًا صديق ساريتا التى ما إن عرضت عليه فكرة المشروع رحّب بها على الفور، يقول: «الطبيعة البدوية الخلّابة تجذب الكثير من الفنانين إلى هنا، عادة ما يقوم بعضهم ببعض الأحداث الفنية بشكل منفرد، لكن هذا المشروع ممتد ويهدف إلى تعليم الأطفال والارتقاء بحسّهم الفنى وانتقاء المواهب. يُمكن أن يخرج فى المستقبل مُغنين مثل ساريتا أو نحاتين اختاروا أن يصنعوا الفن من المواد الطبيعية كما فعل إتسيو».
على بعد آلاف الأميال يستكمل المشروع شقه الآخر. فقد سافر إلى جزيرة صقلية، الواقعة جنوب إيطاليا، الفنان المصرى وعازف العود محمد أبوزيد ومجموعته الفنية Cairo Noise والتى تشارك فيها ساريتا ماركيزى بالغناء إلى جوار عازف الكلارينيت الفرنسى فيليب هامبرت، حيث قدموا حفلين موسيقيين فى مدينة باليرمو ضمن فعاليات مهرجان BIAS الثقافى؛ الحفل الأول كان فى كنيسة سان جوزيف دى تياتينى بمدينة باليرمو، وهناك قدمت الفرقة عددًا من الأعمال الفنية المصرية والإيطالية والارتجال الموسيقي؛ بينما الحفل الثانى شهده متحف قصر ريزو للفنون بحضور عدد من رموز التسامح الدينى للأديان السماوية، ومنهم إمام مسجد مدينة باليرمو، وأحد كبار الأساقفة فى إيطاليا؛ يقول أبو زيد لـ«البوابة»: حضر الحفل عدد كبير من الشخصيات العامة فى المدينة وأعضاء مهرجان BIAS وجمعية WISH المنظمة للمهرجان، قدمت الفرقة فى هذا الحفل مجموعة من الأعمال الغنائية المصرية والإيطالية والتى تمزج بين الثقافتين الموسيقيتين. نأمل فى المهرجان القادم أن تشارك مجموعة من الموهوبين من أطفال البدو الذى تقوم ساريتا بتعليمهم الغناء.