الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

"كامبيوني" و"التقوى" والأذرع المالية للإخوان

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
سوف أبدأ بفَزُّورة: هل تعرفون كامبيوني؟ هى مقاطعةٌ صغيرةٌ فى حجم الفاتيكان، ويسكنها 2500 نسمة. سوف أساعدكم أكثر.. إنها مقاطعة إيطالية تُطِلُّ على بحيرة لوجانو فى الأراضى الإيطالية، وهذه البلدة تُعتبر كجيب منفصل، فهى تَقَع فى إيطاليا، ومُحاطة من كُلِّ الجهات تقريبًا بمقاطعة تيسينو السويسرية. 
لماذا أتحدث إليكم عن كامبيوني؟ المقاطعة مشهورة بالكازينو الخاص بها، ومنذ عقود وهى تستقبل اثنين من أقطاب جماعة الإخوان فى أوروبا، رجلان يعملان بالقطاع المصرفى، يوسف ندا من أصول مصرية، وقد بلغ من العمر 87 عامًا، وعلى غالب همت البالغ من العمر 78 عامًا. 
مَن قرأوا كتاب «مسجد بميونخ.. النازيون والاستخبارات الأمريكية وصُعُود الإخوان فى الغرب» الذى صدر عام ٢٠١١ للكاتب يان جونسون الحاصل على جائزة بوليتزر، يعرفون مِن قَبْل مَن هو على غالب همت. فى الستينيات بمعاونة سعيد رمضان والد طارق رمضان، قام الإخوان بوضع يدهم على هذا المسجد بمباركة الغرب.
وهناك بعض الأسئلة الأولية: لماذا اتخذ هذان الرجلان من كامبيون مقرًّا لإقامتهما؟ هل هناك علاقة مع وجود الكازينو؟ سأُجِيب عن هذا السؤال من ناحية؛ خاصة أن هذا الكازينو لن يحبذ مُطلقًا أن يرتبط اسمه مع هذين الشخصين، فلا يوجد سوى أصحاب الأَلْسِنَة السَّيئة الذين قد يجعلوننا نتخيل أن كازينو يمكن استغلاله فى عمليات غسل الأموال، ويبدو أنه لم يصبح كذلك؛ خاصة أن كازينو كامبيونى يعانى من عجز يتعدى الـ١٠٠ مليون فرانك سويسرى (٩٠ مليون يورو)، كما أن إيطاليا لا تهتم بإنعاشه.
من ناحية أخرى، يوسف ندا رجل عجوز حسَّاس جدًّا، فقد لجأ فى عام ٢٠١٢ إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان ضد سويسرا، وحكمت له بالفعل المحكمة التى رأت أن السلطات السويسرية قد اغتصبت حقَّه فى احترام حياته الخاصة، ودفعت له مدينة بيرن غرامة قدرها ٣٠ ألف يورو. يوسف ندا لم يحتج لهذا المبلغ فهو ملياردير، كما أنه لم يقم أحد بعمل أى تحقيقات لمعرفة مصدر ثروته، وأعنى هنا بـ«لا أحد» لا رجال العدالة ولا رجال الشرطة.
أعتقد أنكم فهمتم بشكل جدِّى مدى أهمية هذا المكان الصغير، والذى يتمتع بوضع استثنائى. فى حقيقة الأمر، كامبيونى تُعْتَبَر سويسرا داخل سويسرا، خاصة أنها من أفضل الملاذات الضريبية، ورغم أنها تقع فى منطقة لومبارديا، فكامبيونى خارج الأراضى الضريبية للاتحاد الأوروبى، والعملة الرسمية فيها هى الفرنك السويسرى، وتستخدم طوابع البريد السويسرية، والسيارات تحمل لوحات سويسرية، فالأمر ليس من قبيل الصدفة أن يختار رجلا المال الإقامة بكامبيونى التى تُعْتَبَر قرية؛ فالأمر ليس متعلقًا فقط بجمال غروب الشمس على بحيرة لوجانو. 
«بنك التقوى» إخفاق على كل المحاور
لولا أحداث ١١ سبتمبر ٢٠٠١، لما كانت السلطات انتبهت إلى أنشطة هذين المصرفيين اللذين يتسمان بالحصافة، ورغم ذلك كانا يديران منذ ١٩٨٨ مؤسسة مالية صغيرة تسمى بـ«التقوى» تقع بسويسرا، بلوجانو، بليخنتنشتاين بالباهاما، والباهاما تقع بجوار الولايات المتحدة الأمريكية، يجب ألا نقذف الحجر فقط على سويسرا.
بالتأكيد تتذكرون كل ما كُتب -حينذاك- عن التقوى فى آلاف المنشورات، فقد قيل إن البنك مَوَّل العمليات الإرهابية لأسامة بن لادن. كَصَحَفِيٍّ تحدَّثْتُ أكثر من مرة عن هذا البنك الصغير، المؤسسة تمَّت تصفيتها فى ديسمبر ٢٠٠١، مُخَلِّفَة بذلك خسائر تُقَدَّر بمئات ملايين الدولارات. حيث اتُّهِم المسئولون بمشاركة ومساندة منظمة إجرامية، وماذا حدث منذ ذلك الوقت؟ فى عام ٢٠٠٥ أُغْلِق التحقيقُ لعدم كفاية الأدلة. 
فى أغسطس ٢٠١٠ قام مجلس الأمن بالأمم المتحدة بشطب اسم البنك من قائمة الأشخاص والكيانات الموالية للقاعدة، وفى الولايات المتحدة الأمريكية لم يتم اتخاذ أى إجراء ضد أعضاء مجلس إدارة بنك التقوى، وذلك ما حدث فى سويسرا، فى ليخنتنشتاين وفى سويسرا وبلدان أخرى، ونَذكر أيضًا أن الأردن كان قد اتهم البنك بمساندة المنظمات الإرهابية. 
هل أيدى القائمين عليه ناصعة البياض كالثلج؟ بالتأكيد لا، لكن هناك من ناحية، صعوبة حقيقية لتتبع التدفقات المالية التى تُغَذِّى الإرهاب. رسميًّا بنك التقوى كان يُمَوِّل عمليات إنسانية صغيرة فى البلاد الإسلامية؛ فَمَن سيذهب ليتحقق من الأمر على الأرض؟ مَن يستطيع تحديد القيمة المالية الفعلية لبناء جِسْر أو لحَفْر بِئْر؟ 
وعلينا أن نأسف لعدم كفاءة بعض القُضَاة، الذين لا يدعمهم خبراء حقيقيون؛ فعمليًّا كل التحقيقات التى تَمَّت فى سويسرا بعد ٢٠٠١ على يد المدعى الفيدرالى المسئول عن قضايا الإرهاب أخفقت على نحو بائس. فلنتذكر أنه بعد سبتمبر ٢٠٠١ تم تقديم كتاب بعد شهور من العمل بعنوان «بن لادن.. الحقيقة الممنوعة» على أنه بمثابة كتاب مُقَدَّس لفَهْم «القاعدة» ولمعرفة كل شيء عن تمويلها. هذا الكتاب بَاعَ أكثر من ٢٠٠ ألف نسخة، وتم ترجمته إلى عدة لغات، إلا أنه لم يكن سوى عملية تجميع لمقالات نُشِرَت على الإنترنت. وتمت الاستعانة فيما بعد بأحد كُتَّابِه ليساعد العدالة السويسرية. كما أن المُدَّعى المسئول عن ملف الإرهاب كان قاضيًا سابقًا فى نيوشاتيل -مقاطعة صغيرة يسكنها ١٨٠ ألف نسمة- ولم يحصل على تدريب مُتخصص فى الأمر.
يوسف ندا الغامض
كلُّ التحقيقات التى تَمَّت حول بنك التقوى ومديريه كانت بلا فائدة، غير أن المُحَقِّقين اكتشفوا أن يوسف ندا سافر إلى أفغانستان عام ١٩٨٩ وقابل قلب الدين حكمتيار، أحد الإسلاميين المتشددين، أما عن على غالب همت، فتنقله إلى أفغانستان يعود إلى عام ١٩٩٣، ولم يُقَابِل هناك مسلمين معتدلين هو الآخر، هذه السَّفَرِيَّات تُثْبِت أن الإخوان المسلمين الذين يدينون -على المستوى الرسمي- الإرهاب، يُمكنهم أحيانًا إقامة صلات مع الحركات الجهادية، وعَلَى الرَّغم من ذلك علينا أن نَذْكُر أن هؤلاء الإرهابيين كثيرًا ما تمَّ تمويلهم عن طريق الأمريكان.
أعودُ إلى مسار يوسف ندا المُثير للاهتمام؛ خاصة أنَّه من كبار الإخوان القليلين الذين اعترفوا على شاشات الجزيرة بأنَّهم ينتمون إلى هذا التنظيم، وَسُجِنَ عَلَى يَد جمال عبد الناصر بَيْن عام ١٩٥٤ و١٩٥٦، ثم اخْتَبَأَ فى لِيبْيَا، وأُرْغِم على الهروب عندما أمسك العقيد مُعَمَّر القذافى بزمام الأمور، وبدأ طريق المنفى الطويل مارًّا باليونان ثم النمسا وإيطاليا. قام بتكوين ثروته من خلال العمل فى مجال الأسمنت، إضافة إلى ذلك فإنه أحد أقطاب التمويل الإسلامى، اليوم هو رَجُلٌ مُسِنٌّ، وأعتقد أنه سيموت فى سريره دون أن تُثبت التحقيقات علاقاته منذ عقود بالمنظمات الإرهابية.
غزو الغرب 
أهم شيء فى كلِّ هذا، هو اكتشاف مستند من ١٤ صفحة داخل فيلا يوسف ندا، يحمل عنوان «المشروع»، ويعود تاريخه إلى ١ ديسمبر ١٩٨٢، ومُحْتَوَى هذا المستند نُشِرَ -لأول مرة- فى فرنسا عام ٢٠٠٥ فى كتاب بعنوان «غزو الغرب.. المشروع السرى للإسلاميين» بقلم الصحفى السويسرى سيلفان بيسون، وأكد المستند -دون أدنى شك- أن الجماعة الإخوانية أرادت أن تَصْنَعَ مِنَ الإسلام الحضارة المهيمنة ليضع نهاية لهيمنة الغرب المادية على البشرية، وبشكل جلى الهدف الرئيسى للإخوان هو الغرب وتحديدًا أوروبا، وسأكتفى بأن أعطى لكم بعض التوصيات اللطيفة من المشروع: 
- عمل دراسة عِلمِيَّة على إمكانية إقامة حكم الله فى كلِّ أنحاء العالم.
- قبول تعاون مؤقت بين التيارات الإسلامية والتيارات القومية، غير أن الحيطة تَتَطَلَّب ألا يتم الوثوق فى التيارات القومية.
- المساعدةُ عن طريق التَّزود بأنظمة مراقبة عديدة ومتنوعة فى أكثر من مكان لجمع المعلومات، لتبنى اتصالًا واعيًا وفَعَّالًا فى خدمة تيار إسلامى عالمى.
- دعوةُ الجميع للمشاركة بالمجالس البرلمانية والمحلية والنقابية، وكذلك بمجالس بعض المؤسسات الأخرى التى يتم اختيارها عن طريق الشعب؛ وذلك لتَحْقِيق صالح الإسلام والمسلمين.
- أَخِيرًا إقامة جسور بين التيارات المنخرطة فى الجهاد بالعالم والأقليات المسلمة، ومساندتهم قَدْرَ المُسْتَطَاع.
- بالتأكيد عمل دراسات على اليهود، أعداء المسلمين.
ولأننى لم أَنْسَ أنَّ الموضوع يتعلق بتمويل الإرهاب، فهناك نصائح أخرى بـ«المشروع». 
- جمع أموال كافية لاستمرارية الجهاد.
- البحث عن امتلاك أغلب رءوس أموال البنك، بما يتيح القدرة على إدارته والسيطرة عليه.
- خلق تغطية فى إطار قانونى للاستثمارات؛ للحفاظ على سِرِّية التعاملات المالية.
ماذا يمكننى القول أكثر من ذلك؟ أريد فقط مقارنة القائمة السوداء للملاذات الضريبية الآمنة فى العالم، والتى تقترحها بروكسل، والتى تضع سانت - لوسى، ومنغوليا، وترينداد وتوباجو، على قائمة الدول التى تنعدم فيها الشفافية المالية، وهذه القائمة أَعَدَّتْهَا مؤسسة تاكس جاستس نتورك (شبكة الضرائب العادلة) رقم واحد، سويسرا، رقم ٢ الولايات المتحدة، رقم ٣ جزر كايمان، رقم ٤ هونج كونج، رقم ٥ سنغافورة، رقم ٦ لوكسبمورج، رقم ٧ ألمانيا. لماذا الاختلاف؟ بالتأكيد سانت - لوسى، على سبيل المثال، ثقب أسود. لكن من يجرؤ على وَضْع مَالِهِ بهذه الجزيرة؟ ولا حتى ١٠٫٠٠٠ من المحتالين. فى المقابل ٢٢.٣٪ من التدفقات المالية فى العالم تَمُرُّ من خلال الولايات المتحدة الأمريكية. إذن ووسط آلاف مليارات الدولارات التى تُسافر، ويتم استثمارها فى هذا البلد، هناك فُرص أكبر لتنمو وتزدهر أموال الإرهاب.